التعليم مشروع إنساني بحت، فزيادة المال لا تحل المشكلة، بل الطريف أن مخرجات التعليم السعودي من المدارس الحكومية أفضل من متوسط مخرجات المدارس الأهلية في وقتي عندما كنت طالبا، وكانت زيادة الإنفاق على التعليم في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية هي من أجل خلق سعودة في المعلمين على حساب الأجيال القادمة.
كان للأسف محدودا مفهوم التعليم.. مجرد منهج قديم ومعلم سعودي حديث التخرج وفصول ضيقة، وللأمانة كانت السعودية خلال تلك السنوات برغم ميزانيتها المحدودة تولي التعليم ربع إنفاقها كمتوسط حتى الآن على التعليم مما زاد عدد المدارس بالآلاف وتحسنت نسبيا جودة المناهج العلمية (أقصد الرياضيات والعلوم)، وأيضا تحول بعض منسوبي التعليم إلى رجال أعمال.. لكن تبقى اللبنة الأولى في التعليم وهي المعلم نفسه وهنا مربط الفرس.
عاش المعلم شخصية الموظف أكثر من المربي، والأسباب عديدة، أولاً من حيث اختياره، وثانياً الأقلية النشطة والمسيطرة على المناهج كبتت محاولات الإعداد النموذجية للمعلمين وحصرتها على جماعتها حسب توجّهاتها، وكلكم تعرفون ذلك وكنتم شهودا عليه، ولكن أيضا من المبالغة حصر ترهّل التعليم على هذه الأقلية التي أدخلت هواها على المناهج.. في وسط هذه الفوضى تحولت شخصية المعلم النموذجية التي صعب الالتزام بها تترهّل إلى حالة (المعلم الموظف).. مجرد حضور.. انصراف.. واجب للطلبة.. اختبار.. ثم يقسم (الكوتا) بين الطلبة حسب رؤية المدرسة أو الوزارة للدرجات والتقادير النموذجية.
انطفاء جدية المعلم هي مشكلة عالمية، وتجدها في كبرى الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تشتكي من مخرجات المدارس بالذات في ولاية نيويورك وتمت محاولات عديدة للإصلاح لدرجة تم تعيين جنرال من القوات الأمريكية في التسعينيات ليكافح شغب عصابات الشباب في الضواحي التي يعاني أهلها من ضعف مدرسيها، سبق أن طالباً قام بتسجيل معلمه وهو نائم في الصف ولم يحدث للمعلم أي شيء لأن القانون في صف المعلم وزميله المتحمس يفقد حماسه جراء هذه اللامبالاة.
لا توجد تجربة أعرفها ناجحة للحفاظ على جدية المعلم؛ ولكن هناك دراسات تؤكد بأن المال يزيد ترهّل المعلم بسبب عدم وجود مباشر مادي موثوق لمخرجاته وممكن التلاعب بدرجات الطلبة، لكن هناك أفكار عديدة يمكن ربط التحفيز المادي بها مثل أن تكون الاختبارات لجميع المراحل من مصدر واحد ويقيم المعلم تبعا لمتوسط درجات طلبته مع مراعاة وجود حالات استثنائية من طلبة عباقرة وطلبة دون الوسط، وجميعهم ترى بعض الدراسات يتوجب فصلهم.
التعليم منظومة متكاملة.. ولكن أتمنى التركيز على لبنته الأولى وهي المعلم؛ لكي نتجاوز معضلة تخلف المستوى التعليمي المدرسي عن المستوى المطلوب اقتصاديا في سوق العمل.. وأكرر التعليم قضية إنسانية في المقام الأول في مدخلاته ومخرجاته.. وعندما أقول إنسانيا أقصد الطموح والعدل، وما أراه هو غياب الطموح بين صفوف المعلمين لعدم رؤية العدالة وإذا لم تنظم العدالة وتطرح آليتها ابتكر كل فرد قانونه عدالته.
نقلا عن جريدة الرياض
الاهتمام بالمعلم من جميع الجوانب فيه خلق بيئة جيده ومجتمع فعال ومتحضر واجيال قادمه واعيه ..شكرا مازن على التطرق لهذا الموضوع الحيوي
المقال ممتاز