العرض والطلب في أسواق العمل

08/01/2014 0
د. حسن العالي

تتسم معطيات العرض والطلب لأسواق العمل الخليجية بدول مجلس التعاون الخليجي بسمات خاصة، تحدد بدورها طبيعة برامج التنمية البشرية المطلوب التخطيط لها من قبل هذه الدول على المديين القصير والطويل الأجل.

ففي جانب العرض، تبرز بشكل واضح الاهمية النسبية لفئات الشباب من أجمالي السكان، حيث ينطوي ذلك على الكثير من التحديات الراهنة والمستقبلية.

ولعل تأهيل الشباب حديثي التخرج للاندماج في سوق العمل يعتبر من اهم هذه التحديات التي تواجه الدول والمؤسسات ونظم التعليم والتدريب في دول المجلس.

فالتغيرات الجذرية والمتسارعة في شكل وطبيعة متطلبات منظمات الاعمال اصبحت تتطلب اكثر من أي وقت مضى ضرورة وضع برامج خاصة يتم فيها الربط بين «التعليم» و»التدريب» و»العمل» تهدف الى مساعدة الشباب للحصول على عمل لهم، واندماجهم في عالم العمل وتلبية متطلباته.

نقول هذا بشكل خاص عندما نلاحظ أن أجهزة وبرامج التعليم والتدريب بدول المجلس لا تزال تتعامل مع احتياجات الاقتصاد القديم، في حين أن أنحاء كثيرة من العالم توغلت بالفعل في عالم الاقتصاد الجديد.

وفيما يخص العرض أيضا، يختلف نمط عرض القوى العاملة في دول الخليج العربية عن الوضع الموجود في أغلب الدول النامية، ذلك انه في هذه الدول نجدها نادرا ما تعاني من نقص في العمال، بل تعاني من مشكلات رأس المال والتقنية الحديثة.

الوضع في دول الخليج العربي معكوس، فرأس المال يسمح بتوسعة القاعدة الاقتصادية، ولكنها تفتقر الى العمالة الوطنية الماهرة الكافية ولا سيما من ناحية النوعية، الامر الذي احدث فجوة بين العرض والطلب على العمالة. 

وقد اثرت بعض العوامل على انخفاض معدلات مشاركة القوى العاملة الوطنية في سوق العمل؛ نتيجة للمعوقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، مثل انخفاض اسهام الاناث في الانشطة الاقتصادية لتتراوح ما بين 10 – 30%، كذلك التركيب العمري للسكان حيث تتراوح نسبة الأقل من 15 سنة ما بين الثلث إلى النصف من جملة السكان، وكذلك عدم اقبال المواطنين على العمل اليدوي لدوافع تتعلق أحيانا بالوضع الاجتماعي وغالبا بتدني المردود المادي من هذا العمل، وطبقا لبيانات منظمة العمل الدولية فإن نسبة المشاركة في العمالة في الأقطار النامية تبلغ حوالي 40%، في حين تبلغ هذه النسبة نحو 25% في دول مجلس التعاون الخليجي.

بدوره فإن تحديد الاحتياجات التدريبية بحاجة الى توضيح عدة فرضيات مثل اهداف المؤسسات وتحليل وتصنيف وتحديد السلوك البشري المطلوب لتحقيق هذه الأهداف بوضوح والاطار التدريبي الثابت والواضح ووجود قدرة لدى القائمين على تحليل الاحتياجات وعلى جمع وتنظيم وتقييم المعلومات دون أية اخطاء. 

أما في جانب الطلب، فقد تأثرت أنماط الطلب في دول المجلس كثيرا بعامل الاجر النقدي، الذي يعتبر حافزا اساسيا من حوافز العمل في معظم النظم الاقتصادية.

وفي بعض دول المجلس يعتبر هذا العامل حافزا قويا لأصحاب العمل، للإقبال على الايدي العاملة الوافدة التي تمثل المصدر الرئيسي للعمالة، وقد أدت الأجور المنخفضة وإمكانية الكسب الاقتصادي الناتج عن اختلاف الاجور إلى وجود دافع قوي لجذب العمالة الوافدة.

من ناحية اخرى، فإن مدى استجابة الايدي العاملة المحلية تجاه الاجور يختلف عنه في حالة الوافدين، فبينما اغرت الاجور الوافدين بالدخول إلى قطاعات الصناعة والتشييد والبناء والتجارة، الا انها برهنت على عدم قدرتها على جذب الايدي العاملة المحلية، وقد نتج عن ذلك ان ادت الاجور الى تقليل حجم المشاركة المحلية في هذه الأنشطة.

وعلاوة على ذلك فإن هناك عوامل اخرى لها آثارها الهامة على الطلب على العمالة، وهي وجود بعض العيوب في تركيب الاجور مثل التفاوت بين الاجر النقدي والاجر الاقتصادي، حيث لا يتطابق في معظم المهن بالقطاع الخاص الاجر الاقتصادي مع قيمة الانتاجية الحدية للعمل، فضلا عن الازدواجية في الاجور حيث الاجور في القطاع الحكومي اعلى من قيمة الانتاجية الحدية مما يجذب عمالة وطنية اكبر حجما من المطلوب، ويخلق عجزا اكبر في القطاعات غير الحكومية، حيث تكون الاجور ادنى من قيمة الانتاجية الحدية.

وعامل ثالث متمثل في بيئة العمل، حيث تعتبر احد أهم المشكلات التي تعاني منها أسواق العمل ببعض دول المجلس وذلك بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة.

وعلى سبيل المثال فقد واجه معهد البحرين للتدريب صعوبة كبيرة في اقناع خريجات برامج التدريب على تقنيات الملابس الجاهزة للعمل بهذه المصانع؛ بسبب عدم توافر بيئة العمل الصحية بها. فهذه المصانع عادة تعتمد على عدد كبير من العمالة الرخيصة، التي تقبل العمل تحت اية ظروف غالبا لا يقبلها العامل البحريني.

كما يعتبر توقعات طالبي العمل احد العوامل الهامة لجذب الشباب للعمل. وتحتاج توقعات طالبي العمل من القائمين على تنظيم سوق العمل الى ترشيد وتوجيه وتعريف بعالم العمل وما يتطلبه، ومستوى المهن المتوفرة وضرورة قبول ما هو متوفر من وظائف. 

لذلك يمكن القول أخيرا: إن احتياجات دول مجلس التعاون الخليجي من التدريب آخدة بالتنامي، كماً ونوعاً، كنتيجة لزيادة متطلبات سوق العمل من الكوادر الفنية المدربة والمؤهلة على اعلى مستويات الكفاءة والجودة، وقد اصبح تأهيل الشباب حديثي التخرج للاندماج في سوق العمل لازما؛ للوفاء بهذه الاحتياجات، ولمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة التي تحتاج الى تطوير الكفاءات الفنية والادارية، تلك الكفاءات التي تعتبر عاملا اساسيا في مجال تخطيط وتنفيذ مشروعات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 

وكي نضمن بناء فعالا للموارد البشرية الوطنية القادرة على الوفاء بكامل متطلبات الجودة والكفاءات في أسواق العمل الخليجية، فلابد من الاهتمام بالتدريب المستمر وتوفير برامج اعادة التدريب والتأهيل، وتنويع مستويات التدريب وتطويرها وتعدد انماط التدريب والتركيز على تعدد المهارات وزيادة الكفاءة والانتاجية؛ لمواجهة التطور والتجديد في مختلف المجالات.

ومثل هذه البرامج سوف تستجيب لمعطيات العرض والطلب والتي تطرقنا لها على حد سواء، وبالتالي المساهمة الفاعلة في ترسيخ أسس ومفاهيم جديدة للتنمية البشرية تقوم على تحسين بيئة وظروف العمل وأجوره مقابل رفع الكفاءة والإنتاجية والجودة.

نقلا عن جريدة اليوم