لا يزال البعض يتساءل عن دور سوق الأسهم والفائدة منها، حيث نسمع أحيانا من يصف السوق بأنها مجرد ساحة عامة للمراهنات بين الناس، بلا أي فائدة اقتصادية، كون الأموال تنتقل من محفظة إلى أخرى دون توفير فرص وظيفية حقيقية ولا تنمية اقتصادية، وبالتالي يتساءل البعض ما الفائدة منها، وما الحاجة إليها؟، ليس فقط عامة الناس من يردد مثل هذه العبارات، فقد نسمعها من بعض رجال الأعمال والمسؤولين في الحكومة وبعض المثقفين، والسبب أن دور سوق الأسهم بالفعل يبدو مبهما وغير بديهي، وبالذات حين ينظر إلى كثرة عمليات البيع والشراء وانفعال الناس من تحركات الأسهم وطلوعها ونزولها، فتظهر العملية كأنها مجرد لعبة مثيرة يولع بها من يبحث عن الثراء، فيما يخص التوظيف فسوق الأسهم ــ والأسواق المالية عموما توفر فرصا وظيفية كثيرة جدا من أجل إدارة جميع أطراف المنظومة سواء من قبل الجهات التشريعية والرقابية والتنظيمية أو الجهات التشغيلية والتسويقية والتطويرية وغيرها، وهي وظائف للعاملين في السوق والجهات المرتبطة بها من وسطاء وبنوك وصناديق ومكاتب مراجعة وخدمات استشارية وغيرها.
بالطبع ليس الهدف من سوق الأسهم إيجاد هذه الوظائف بعينها، بل إن هذه الوظائف هي التي توجد سوق الأسهم وليس العكس، وبالتالي يبقى التساؤل هل سوق الأسهم توفر وظائف حقيقية للمواطنين؟، قد يظن البعض أن الجواب نعم، إن سوق الأسهم توفر الوظائف بحكم أن الشركات المدرجة توفر عشرات الآلاف من الوظائف، لكن هذا الاستنتاج غير دقيق، لأن تلك الوظائف ليست لها علاقة بسوق الأسهم، فهي وظائف تقدمها الشركات سواء كانت مدرجة أم غير مدرجة، باستثناء عدد قليل من الوظائف المخصصة للمستثمرين كما نجده في إدارات علاقات المستثمرين لدى الشركات المدرجة. لا ننسى كذلك أن خيار الإدراج يرجع إلى الشركة، والشركة باقية ككيان اقتصادي له دور في التنمية سواء تم إدراج أسهمها في السوق أم بقيت شركة خاصة، وهنا بالمناسبة يجب التفريق بين دور وزارة التجارة كمشرف على نشاط الشركات، ودور هيئة السوق المالية كجهة مشرفة على سوق الأسهم وآلية عملها وعدالتها كسوق وسلاسة إجراءاتها وسهولة التعامل بها.
هناك توظيف جزئي للمتعاملين في سوق الأسهم ممن يفرغ نفسه للتداول لحسابه الخاص فيصبح تداول الأسهم وظيفة لمن يقوم بذلك، لكن مرة أخرى ليس هذا المقصود من التساؤل عما إذا كانت سوق الأسهم توفر فرصا وظيفية أم لا. الاتهام الموجه لسوق الأسهم أن لا فائدة منها، وأنها لا تمد الاقتصاد بفرص وظيفية حقيقية، الجواب على مثل هذه التساؤلات نجده عندما نتذكر بعض أهم الأدوار الرئيسة التي تلعبها سوق الأسهم في أي اقتصاد، وهي باختصار أدوار تتعلق بكون السوق أداة تمويل للشركات، وقناة مرنة للتوفير والادخار والاستثمار، وعنصر جذب لرؤوس الأموال الأجنبية، وآلية سريعة وعادلة لتسعير الأصول، ووسيلة سلسة لرفع سيولة الأصول وتناقل الملكية بين المساهمين.
الدور المهم لسوق الأسهم الذي من خلاله ينتج التوظيف الحقيقي في الاقتصاد هو الجانب التمويلي الذي تتمتع به سوق الأسهم، ومن خلاله تجد الشركات قناة بديلة للاقتراض بالطرق التقليدية، وذلك من خلال المشاركة في الملكية عن طريق طرح جزء من الأسهم في السوق. في حالات كثيرة يكون التمويل عن طريق الملكية أقل تكلفة من الاقتراض، وذلك بالطبع بحسب طبيعة كل شركة وهيكلها المالي، لكن لا شك أن سهولة رفع رأس المال من خلال الأسواق المالية له دور كبير في تنمية أعمال الشركات ودعم النشاط الاقتصادي في البلاد، وبالمثل نجد أن السوق المالية تقدم جملة من الحلول المالية لعامة الناس كبديل لبعض الخدمات البنكية، على سبيل المثال نجد البعض يفضل صناديق النقد المتاحة في السوق المالية على الودائع البنكية بسبب تنوعها والمرونة في بيعها وشرائها.
معظم دول العالم تجد في السوق المالية أداة جذب لرؤوس الأموال الأجنبية، بحكم أن السوق كيان رسمي محكوم بأنظمة وضوابط تجعل السوق آمنة وفعالة وذات جدوى للمستثمر الأجنبي لتوجيه أمواله صوب الشركات المحلية، ولذا نرى الاهتمام الكبير في السوق السعودية بالاستثمار الأجنبي من خلال تعديل وتبسيط إجراءات الدخول إلى السوق السعودية، أما دور السوق في كونها آلية سريعة وعادلة لتسعير الأصول فهذا بالفعل ما يميز سوق الأسهم عن غيرها من الأسواق، ويأتي ذلك نتيجة آلية العرض والطلب الفوري وضخامة عدد المشاركين كبائعين ومشترين، قارن ذلك بسوق العقار أو السيارات لتلحظ الفرق الكبير في القدرة على استخراج السعر العادل خلال ثوان قليلة بين المتداولين. معروف أن السهم يمكن تقدير سعره بالرجوع إلى القيمة الدفترية أو القيمة الاسمية أو غيرها من وسائل التقييم المالية، لكن يبقى السعر السوقي هو السعر الأحدث والأهم للمتعاملين في أي وقت من الأوقات.
الدور الآخر لسوق الأسهم هي أنها تمنح السيولة للأصول الجامدة، بسبب آلية التسعير وقوى العرض والطلب، ولا يمكن مقارنة سرعة سيولة الأسهم وصغر وحدة تداولها بسيولة بيع عقار أو سيارة أو أي أصل آخر، هذه الصفات التي تتمتع بها سوق الأسهم، إلى جانب الدور الأخير المتعلق بسهولة نقل الملكية من شخص لآخر، هي التي تجعل سوق الأسهم لاعبا رئيسا في أي اقتصاد ووسيلة مهمة للتوظيف والتنمية عموما، وغير صحيح ما يقال إن سوق الأسهم مجرد لعبة غير منتجة، بل بسبب مرونتها وقدرتها الفائقة على تمويل الشركات وتسعير الأصول ورفع سيولتها تعد بلا شك عنصرا اقتصاديا بالغ الأهمية ولا غنى عنه في أي اقتصاد حديث.
نقلا عن الاقتصادية
موضوع مهم شكرا دكتور, ولكني اسمح لي بمناقشة الموضوع معك. بالنسبة لأهمية وجود سوق كسوق الأسهم ففعلا وكما ذكرت الأمر واضح بإيجابياته, وكذلك الحال فالموضوع إيجابي بالنسبة للأفراد (المستثمرين). ولكن إعتراضي هو على الأفراد (المضاربين) وليس المستثمرين هنا أرى أنه قد يوجد الضرر و الخطأ, فيؤسفني أن نرى من يضيعون شبابهم على كبس أزرار بيع و شراء من خلف الشاشات والتي غالبا تكون محصلتها النهائية لنسبة كبيرة منهم هي الخسارة, إعتراضي ليس على سوق الأسهم ولا على الإستثمار بل على المضاربة, أؤمن بأن الله خلق الإنسان ليعمر الأرض, فما هو الإنتاج أو القيمة المضافة التي يقدمها المضارب للمجتمع؟ أتمنى منك الرد, وشكرا دكتور
هلا Abo Aiham، أنا أفكر أسوي موضوع عن سلبيات أسواق الأسهم! أما بخصوص المضاربين، فلا تنسى إنه بدون مضاربين ما فيه مستثمرين، لأن المضارب هومن يمد السوق بالسيولة فيستطيع المستثمر البيع والشراء عند الحاجة.. بدون مضاربين من سيبيعك أسهم تنوي شراءها؟ هل ستنتظر مستثمر آخر مثلك يرغب البيع؟ إلى متى ستنتظر؟
احسنت ياباعبدالله ....المضاربين هم مزودين السيولة بالسوق ...وهم من يوفر اهم شي للمستثمر هو التخارج بتكاليف قليلة عند الحاجة ......مثال : تملك مبلغ من المال وعرض عليك المشاركة في اقامة محطة وقود مع مجموعة من اصدقائك ...عند الحاجة لهذا المال كيف تستطيع الحصول على مالك بتكاليف معقولة ودون خسائر باهظة!!! لكن نفس المال تضعه في سهم اي شركة تعمل في هذا البزنس مثل الدريس ....وعند الحاجة لجزء منه او لكل المال تستطيع الحصول على ماتريد خلال دقائق !!!.....وقس على ذلك ......