دخلت منطقة شرق البحر المتوسط مدار الاهتمام الاقليمي والعالمي في مجال الطاقة بعد الاكتشافات الملفتة للنظر للغاز الطبيعي.
وتنشط الشركات الامريكية في التنقيب على الغاز والنفط في تلك المنطقة الحيوية والاستراتيجية.
وتأتي أهمية الغاز الطبيعي المكتشف من انه يأتي في موقع حساس بين مصر، ولبنان، واسرائيل، وقبرص، وتركيا، وكل هذه الدول بأمس الحاجة لاي مصدر للطاقة. ولا ننسى ايضاً القرب الجغرافي من اوروبا المتعطشة لكل نقطة من الغاز الطبيعي.
وتزود حالياً روسيا اوروبا بحوالي ربع احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وتقوم الجزائر بتزويد جنوب اوروبا ايضاً بالغاز عن طريق الانابيب تحت مياه المتوسط، وتستهلك اوروبا ايضاً كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال، حيث استهلكت في عام 2012م حوالي 46 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال او حوالي 19% من الانتاج العالمي.
وقبل الخوض في التفاصيل، يجب الانتباه إلى طبيعة الأمور الجيوسياسية حيث الصراع العربي الاسرائيلي، ورغم معاهدات السلام الا ان التجارة بين مصر واسرائيل بالغاز الطبيعي واجهت عقبات وصعوبات افشلت المشاريع المتفق عليها. ومن ناحية أخرى هنالك الخلاف التركي اليوناني على قبرص التى تقبع في قلب الحدث.
اذاً يبدو وبشكل واضح ان الظروف المحيطة بانتاج وتصدير الغاز ليس من السهل احتواؤها، وقد تكون بذور صراع فى المستقبل.
وتم الاعلان في السنوات الخمس الاخيرة عن اكتشاف عدة حقول للغاز الطبيعي تحت مياه البحر المتوسط، وتشمل حقل افروديت، وتمار، والعملاق لفياثان.
وتم اكتشاف حقل تمار في عام 2009م، وهو يقع على بعد 50 كلم غرب حيفا ويحتوى على 250 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويقول الخبراء ان هذا الحقل يكفي اسرائيل لمدة 20-30 سنة، ولقد بدأ الانتاج من هذا الحقل في مارس المنصرم.
واما حقل لفياثان الكبير فيحتوي على 535 بليون متر مكعب، ويمكن ان يستغل للتصدير. ويحتوي حقل تانن على 34 بليون متر مكعب. كل هذه الاكتشافات التي حصلت في شرق المتوسط قد ترفع احتياطيات الدولة العبرية من الغاز الطبيعي الى حوالي تريليون متر مكعب كحد أقصى.
ويجب أن نذكر هنا ان احتياطيات دول الخليج العربي وايران من الغاز الطبيعي وصلت وبحسب بريتش بتروليوم إلى 80.5 تريليون متر مكعب في نهاية عام 2012م في هذه المنطقة، هذا بدون ان يتم حساب غاز شرق المتوسط. اذاً كل ما تم اكتشافه هنالك لا يتعدى 1.2% من غاز الدول المطلة على الخليج العربي وحوالى 7% من احتياطيات شمال افريقيا ونيجيريا.
في عام 2008م بدأ تزويد اسرائيل بالغاز المصري، بعد التوقيع عام 2005م على اتفاقية بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية لتزويد الاخيرة بحوالي 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي لفترة 20 عاما.
ويُنقل الغاز في أنبوب تحت الماء من العريش إلى منشأة استيعاب قرب عسقلان، ولقد قل الاهتمام الاسرائيلي بهذا المصدر من الغاز نتيجة المشاكل المصاحبة له بعد ان بدأ الانتاج من حقل «تمار» في مارس من سنة 2013 م. ولقد كان الغاز المصري يمد اسرائيل بنصف حاجتها من الغاز الطبيعي وبينما يولد الفحم الحجري حوالي 70% من اجمالي الطاقة.
ولقد استهلكت اسرائيل في عام 2012م، وبحسب نشرة بريتش بتروليوم الاحصائية، 2.6 بليون متر مكعب بينما وصل استهلاكها في عام 2011م 5 بلايين متر مكعب، وهذا يدل بوضوح ان استهلاكها قد قل ما بين 2012م و2011م بحوالى 50%، وذلك بسبب ارتفاع اعتمادها على الفحم الحجري الرخيص مقارنة بالغاز الطبيعي.
ولو افترضنا ان حاجة اسرائيل من الغاز قد تصل الى 5 بلايين متر مكعب سنوياً، فهذا يعني ان حقل تمار قد يكفيها إلى 50 سنة.
اذاً لدى اسرائيل القدرة على تصدير غازها إما الى دول الجوار بواسطة الانابيب أو عن طريق ناقلات الغاز الطبيعي المسال.
وتجرى الان مباحثات جدية مع تركيا وقبرص وبعض دول المنطقة بشأن تزويدهم بالغاز.
بالأمس كانت اسرائيل تستورد الغاز الطبيعي من مصر وها هي الان مرشحة لتصديره إلى بعض الدول المجاورة.. وقد سُجّل اقصى استهلاك للغاز في إسرائيل سنة 2010 بحجم يقدر بـ 5.3بليون متر مكعب.
وبحسب نشرة بلاتس المختصة هنالك الكثير من المشاورات بشأن تصدير الغاز في شرق المتوسط الى الدول المجاورة، ولكن يبقى خيار التصدير الى تركيا واوروبا هو الأقرب وربما المفضل مع وجود رفض شعبي واسع في المنطقة العربية للتبادل التجاري مع الدولة العبرية. ويجب ألا ننسى ان تركيا بأمس الحاجة للطاقة وترغب باستيراد المزيد من الغاز الطبيعي.
ولقد استهلكت تركيا في عام 2012م 46.3 بليون متر مكعب بارتفاع حوالي 19% عن استهلاكها لعام 2010م، ويجب التنويه ان كل الغاز الطبيعي التركي المستهلك تقريباً مستورد من الخارج، حيث تزود روسيا تركيا بحوالي 58% من حاجتها، وتقوم ايران بتزويدها بحوالي 19%، واذربيجان 9% والباقى يأتي عن طريق ناقلات الغاز المسال من قطر، والجزائر، ونيجيريا، ويتوقع المراقبون أن ينمو استهلاك تركيا بشكل كبير بسبب النمو الكبير الذي تشهده تركيا، وهذا ما يجعل تركيا بجانب الموقع الجغرافي مرشحاً كبيرا لتكون المستهلك الرئيس لغاز شرق المتوسط.
وتقدر المسافة ما بين قبرص والبر التركي بحوالي 70 كيلو مترا، وبهذا تظل تركيا العامل الاهم لنجاح اي استثمارات في غاز شرق البحر المتوسط.
ولكن يبقى احتمال بناء محطات عائمة لتسييل الغاز الطبيعي وبيعه كغاز مسال رغم ارتفاع الاستثمار احتمالا قائما، ولقد وقعت قبرص في يونيو 2013 مذكرة تفاهم لبناء وحدة للغاز المسال بهدف استثمار الموارد الموجودة قبالة الساحل القبرصي تجارياً.
وفي سبتمبر 2013، تقدمت تركاس، الفرع التركي لشركة شل، باقتراح مد خط أنابيب غاز طبيعي من حقل لفياثان للغاز، يمتد وصولاً لجنوب تركيا، بتكلفة 2.5 بليون دولار ويمكنه نقل 16 بليون م³ سنوياً من الغاز.
وصفت الشركة هذا المشروع بأنه مشروع جذاب على الرغم من المخاطر السياسية القائمة بسبب توتر العلاقات الإسرائيلية التركية.
ولقد عقدت كثير من الشركات التركية محادثات مع شركاء لفياثان حول اتفاقية لبيع الغاز وبناء خط أنابيب. وحتى الان سمحت الدولة العبرية بتصدير 40% من احتياطيات الغاز الإسرائيلي.
ومن المحتمل ان يمتد خط الأنابيب بطول 470 كم من لفياثان إلى جنوب تركيا، وبذلك قد يستخدم معظم غاز لفياثان في السوق التركي، وقد يباع بعضه إلى اليونان.
ولو تم الاتفاق مع تركيا فان حقل لفياثان يمكن ان يمد تركيا ولمدة 30 سنة بحوالي 16 بليون متر مكعب سنوياً، ولو افترضنا ان حاجة تركيا آنذاك حوالى 50-55 بليون متر مكعب سنوياً وبهذا فان هذا الخط سيوفر حوالى 25-30% من الطلب التركي للغاز وقد توفر ايران 20% وروسيا 40-50% وبذلك سيكون قدر تركيا ان تستورد الطاقة من هذه الدول الثلاث القريبة البعيدة.
لن تشترى تركيا الغاز الطبيعي باقل من 10 دولارات للمليون وحدة حرارية سواء من روسيا او ايران او اسرائيل أما المسال فأسعاره قد تصل الى 18-20 دولارا للمليون وحدة حرارية.
لذلك على الامم المحافظة على ثرواتها وعدم الاسراف في استهلاكها أو بيعها بثمن بخس فمن كان يتوقع احتمالية ان تزود اسرائيل تركيا او بعض دول الجوار (المرتبطة معها بمعاهدات سلام) بالطاقة عصب الحياة.
تتوقع هيئة المساحة الجيولوجية الامريكية أن يحتوي شرق المتوسط على حوالى 3.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وحوالى 1.7 بليون برميل من النفط، ولكن كل هذه الخيرات ستكون في حدود متداخلة ما بين قطاع غزة، وسوريا، ولبنان، وقبرص، والاراضي الفلسطينية.
وقد يكتشف قريباً حقل جديد يمتد ما بين صور اللبنانية وحيفا في فلسطين المحتلة وهنا تتداخل الثروات مع الصراعات الاقليمية.
نقلا عن جريدة اليوم