بعد النجاح الزاخر بالمنجزات للوصول بمنطقة مكة المكرمة إلى مصاف العالم الأول، استبشرت كافة فئات الوطن بتعيين الأمير خالد الفيصل وزيراً للتربية والتعليم لتحقيق طموحات خادم الحرمين الشريفين والنهوض بأجيال الوطن إلى أعلى مستويات الإبداع والفكر والمعرفة.
وإذا كنا نعتقد حقاً بأن حب الوطن من الإيمان والولاء للوطن من الإحسان، فإن مصلحتنا العامة ستتغلب حتماً على مصلحتنا الشخصية، وروح الفريق الواحد سيقضي تماماً على مساوئ الانفرادية والحزبية والقبلية، لنقف جميعاً جنباً إلى جنب مع الأمير خالد الفيصل في مسيرته الجديدة نحو ترسيخ مفهوم الولاء للوطن بين أجيال مستقبلنا في وزارة التربية والتعليم.
في قريتنا الكونية تتبارى دول العالم الأول في كيفية ترسيخ هذا المفهوم بين مواطنيها. بعض هذه الدول حققت أهدافها من خلال التجنيد الإجباري لكل مواطن دون استثناء، مثل سويسرا والنمسا وفنلندا، وبعضها حققت أحلامها من خلال اعتزاز المواطن بقوة وطنه الاقتصادية وتفاخره بمستوى خدماته الصحية والتعليمية والاجتماعية مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والبرازيل والهند، أو من خلال تباهي المواطن بمراتب وطنه المتقدمة بين دول العالم في التقنية والإبداع الفكري والبحث العلمي والقوة العسكرية مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا.
لترسيخ مفهوم الولاء للوطن تضع دول العالم الأول أساليب التربية في المكانة الأولى قبل وسائل التعليم، لتصّب في مراحلها الابتدائية على توعية الأجيال بمبادئ الآداب العامة واحترام سلوكيات النظام وعناصر الولاء للوطن، بالإضافة إلى تنمية روح الفريق وتشجيع الطلبة على اكتساب المهارات الأساسية في الرياضة والفنون والرياضيات وقراءة قصص نبلاء وعلماء الوطن.
وتتم هذه المرحلة في المدارس الحكومية التي تتفوق في عددها ومستواها على المدارس الخاصة. في اليابان تصل نسبة المدارس الحكومية إلى 99% من إجمالي المدارس، وتزيد هذه النسبة عن 86% في أميركا و88% في أوروبا و90% في سنغافورة وجنوب كوريا.
ونظراً لمكانة وأهمية التربية والتعليم في المدارس الابتدائية بدول العالم الأول، يتم اختيار أفضل المدرسين الحاصلين على أعلى الشهادات في مجال تخصصهم لتدريس طلبة المرحلة الابتدائية، ولا يتم تعيينهم كمدرسين إلا بعد اجتيازهم فترة تأهيلهم لمدة 4 سنوات ونجاحهم بامتياز في مجال التربية والإرشاد والتوجيه. ولتعزيز مكانة الولاء للوطن في هذه الدول تقوم وزارات التربية والتعليم بتعيين خبراء التربية في المراحل الابتدائية ليكونوا مسؤولين مسؤولية مباشرة عن إرشاد طلبة الوطن ومتابعة أمورهم وتوجيه مستقبلهم. كما يقوم هؤلاء الخبراء بغرس مفاهيم الاعتزاز بنتائج العمل وحسن الأداء من خلال تنمية مهارات الطلبة ومواهبهم، وتذليل كافة العوائق التعليمية والاجتماعية التي تواجههم.
خبراء التربية في دول العالم الأول اقتبسوا خبراتهم من عصر الحضارة الإسلامية، التي نجحت في دمج فلسفة التكامل بين التربية والتعليم وبين العقل والقلب وبين الروح والجسد، فخضعت التربية لمقومات الأخلاق والآداب واعتمد التعليم على عناصر الفكر والابتكار. في ذلك العصر تهافتت أجيالنا على الفوز بمنابر التحصيل والمعرفة، ورضخت قلوب أجدادنا لأسس التعاون والتآلف والتسامح، وتوحدت أجساد آبائنا تحت لواء التعاضد والتماسك في الفريق الواحد. اليوم يؤكد المؤرخون أن حضارتنا الإسلامية كانت أول من قام بدمج العلوم الطبيعية بالبحث والإبداع لينتج عنه ما يطلق عليه في عصرنا الحاضر مصطلحات العلوم المعرفية.
واليوم يعترف خبراء العالم الأول بأن مدارسنا في عصر الحضارة الإسلامية كانت سباقة في تعضيد جهود التربية الأخلاقية بالفطرة النقية لينتج عنها ما يعرف اليوم بالشفافية والمصداقية. لذا نجحت حضارتنا الإسلامية في رفع أعداد علمائنا إلى 62 ضعف عدد علماء الكرة الأرضية، وفاقت مراجعنا العربية 189 ضعف أعداد المراجع باللغات الأجنبية، وارتفعت ميزانية أبحاثنا العلمية 30 ضعف ما كانت تصرفه دول العالم بأسرها على الأبحاث في كافة المجالات.
واليوم علينا مواجهة مخاطر العولمة وتياراتها العشوائية المتمثلة في تنامي وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات، لتطويع عقول أجيالنا وتوجيه أفكارهم، فجعلت من البعيد قريباً ومن الصادق كاذباً ومن المظلوم ظالماً ومن الناصح الأمين عميلاً خائناً. وأصبحت وزارة التربية والتعليم في هذا الوطن مسؤولة عن تحصين أجيالنا القادمة وتنمية مداركهم وتوجيه عقولهم نحو الولاء للوطن والاعتزاز به من خلال ترسيخ المبادئ التربوية التالية:
أولاً: إحلال مبدأ التشرف بالمواطنة مكان التفاخر بالقبلية والحزبية، وتشجيع روح الفريق الواحد بدلاً من الانفرادية والأنانية، مع ضرورة التركيز على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحث على هذا المبدأ.
ثانياً: إلزام جميع المدارس برفع سارية العلم السعودي على مبانيها وتدريب الطلبة صباح كل يوم وأثناء الاحتفالات والمناسبات على تحية العلم واحترامه وصيانته، إضافة إلى تعميم قراءة قصص علماء وخبراء المسلمين على جميع الطلبة.
ثالثاً: تنمية المواهب الجماعية مثل الرياضة وأصول الإبداع الفكري والفني والثقافي والنهوض بمستوياتها إلى مصاف الدول الرائدة فيها، وتشجيع الطلبة على المشاركة الفعالة في البرامج الوطنية مثل ترشيد استخدام المياه والطاقة وتنظيف الشوارع ومساعدة كبار السن.
رابعاً: تدريب الطلبة على مفهوم الإحسان والإتقان من خلال شرح مبادئ "العمل عبادة" و"إماطة الأذى عن الطريق" و"أن الضرر يزال" وأن "الإسلام دين السلام والأمن والأمان" وأن "الدين النصيحة" وأن "الأمر بالمعروف يتم بالمعروف" و"النهي عن المنكر لا يتم إلا بالإحسان".
عندما يصبح الولاء للوطن على رأس أولوياتنا، نستطيع الوصول مع أمير التربية والتعليم خالد الفيصل إلى مصاف العالم الأول.
نقلا عن جريدة الوطن