على الرغم من قيام الحكومة في السنوات الماضية بزيادة الإنفاق الاستثمارى بشكل كبير، الإ إنه وبسبب تعثر المشاريع الحيوية، يجعل معدل العائد على الإنفاق الحكومي منخفض جداً وبالتالي ضياع الهدف الذي من أجله تم تخصيص المبالغ المالية لإنشاء هذه المشاريع.
فقد نشرت جريدة الاقتصادية (عدد 7376 وبتاريخ 21 ديسمبر 2013م) بأن قيمة المشاريع الحكومية المتعثرة تُقدر بـ 100 مليار ريال، أي حوالي 12 في المئة من إجمالي الميزانية الحكومية للعام الحالي.
ومع الإعلان عن الميزانية الحكومية للعام القادم وتخصيص مبالغ ضخمة للمشاريع التنموية في جميع القطاعات، فإن المشاريع المتعثرة ستزداد بشكل أكبر ما لم يتم معالجة المشكلة من جذورها.
تُفيد أغلب الدارسات الاقتصادية إن الإنفاق الحكومي يلعب دوراً رئيساً في عملية النمو والتنمية.
فالإنفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري يعمل على زيادة معدل الإنتاجية للاقتصاد الوطني بطريقة مباشره من خلال مساهمته في مكونات الطلب الكلي، وكذلك بطريقة غير مباشره من خلال تحسين إنتاجية القطاع الخاص من خلال الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية والمشاريع التنموية الأخرى.
هذا بدوره يعمل على رفع معدل الاستثمار الخاص مما يؤدى إلى استقرار واستمرارية النمو الاقتصادي.
ولكن تعتمد المنافع المتوقعة من الإنفاق الاستثماري الحكومي على معدل العائد (الفائدة) المتوقع من هذا الإنفاق الحكومي.
فقد يحدث وبسبب محدودية الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني (Absorptive Capacity) والقدرة الاستيعابية للمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص وانخفاض فعاليتها (Institutional Capacity) تدني معدل العائد على الإنفاق الحكومي والذي قد يكون في بعض الأحيان سالباً، وبالتالي انخفاض مساهمة الإنفاق الحكومي في العملية الإقتصادية.
كما هو معلوم يعتمد الاقتصاد السعودي على مصدر وحيد للدخل. فنحن نقوم بتحويل ثروات (احتياطيات) نفطية موجودة في باطن الأرض إلى ثروات نقدية يتم من خلالها تمويل الإنفاق الحكومي و جزء منه يتم استثماره في أصول أجنبية.
مع تحسن أسعار النفط العالمية والإنتاج النفطي خلال السنوات الماضية، ارتفعت الإيرادات النفطية الحكومية بشكل كبيرة.
هذا بدوره ساعد الحكومة على زيادة انفاقها الجاري والاستثماري خلال نفس الفترة. كما تضاعفت الأصول الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي حوالى 13 مره. فقد ارتفعت من ١٩٨ مليار ريال بنهاية ٢٠٠٢م إلى ٢.٤٨ تريليون ريال بنهاية ٢٠١٢م.
هنا قد يثار بعض الأسئلة والتي من أهمها، هل من الأجدى الحفاظ على الاحتياطيات النفطية داخل باطن الأرض للأجيال القادمة أو الإسراع في تحويلها إلى احتياطيات نقدية ؟ وفي حالة تحويلها إلى الأخيرة، هل الأجدى استثمارها في الخارج أو في الداخل؟ يحاول هذا المقال الإجابة على الشق الأخير.
في البداية يجب القول أنه لا يمكن تفضيل خيار على أخر. فبتغير الإحداث الاقتصادية والسياسية التي قد تؤثر على الأسعار العالمية للنفط من خلال قوى العرض والطلب، تتغير التفضيلات. وبالتالي نلجأ إلى افتراض بقاء الأشياء الاخرى في تحليلنا.
لتحديد الخيار الأمثل، يتم عادة اللجوء إلى تحليل المنافع والتكاليف المصاحبة لكل خيار.
فعندما تختار الدولة استثمار الإيرادات النفطية خارج الوطن من خلال شراء أصول مالية أجنبية، فإن المنافع المتوقعة من هذه الاستثمارات هي عبارة عن معدل العائد على هذه الاستثمارات ( سعرالفائدة على أذونات الخزانه الأمريكية)، أما تكاليف هذا القرار فتتمثل في "تكلفة الفرصة البديلة" التي يتم قياسها بالفرق بين معدل العائد على هذه الأوراق و معدل العائد على رأس المال في حالة استثماره في مجالات أخرى (شراء اصول طويلة الأجل أو الإنفاق الاستثمار الحكومي).
في الجهة المقابلة يتم تحديد معدل العائد على الإنفاق الاستثماري الحكومي من خلال عدة مؤشرات أهمها: الحاجة للمشاريع التنموية، وجودتها، فعالية الإنفاق الحكومي، وذلك أثرها على معدل إنتاجية القطاع الخاص. بعبارة أخرى يتم تحديد المنافع من خلال تقدير "حاجات" الاقتصاد الوطني، من تعليم وصحة وخدمات إجتماعية وبنية تحتية.
كما تلعب جودة المشاريع وتنفيذها في الوقت المناسب دوراً رئيساً في تعظيم المنافع المتوقعة من هذه المشاريع.
فعلى سبيل المثال، فى حالة إنشاء شبكة طرق ذات جدوى عالية يمكن من خلالها الوصول إلى عدد أكبر من العملاء بتكاليف شحن أقل، فالأرباح سترتفع بشكل يشجع رجال الأعمال على زيادة الاستثمار والذي بدور يؤدي لزيادة الطلب على الأيدى العاملة، وبالتالي انخفاض معدل البطالة.
أما لقياس مدى فعالية الإنفاق الحكومي فيستخدم "مضاعف الإنفاق الحكومي" الكنزي، والذي يقيس نسبة التغيير في الطلب الكلي (الناتج القومي) الناتج عن كل ريال يتم إنفاقه من قبل الحكومة.
فعندما تكون قيمة المضاعف أقل من واحد، فإن كل ريال يتم إنفاقه يؤدي إلى زيادة الطلب الكلي بنسبة أقل والعكس صحيح.
خلاصة القول أنه يجب على الحكومة الاهتمام بموضوع تعثر المشاريع التنموية الحكومية وبالتالي يجب أولاً دراسة ومعالجة الأسباب التي أدت إلى تعثر هذه المشاريع قبل البدء في مشاريع جديدة.
في هذا المجال ربما حان الوقت لإنشاء هيئة حكومية فاعلة ومستقلة لتولى مهام تحديد أولوية المشاريع الحكومية، ومتابعته سير العمل، وجودة التنفيذ.
كما يجب أيضاً تقدير المضاعف الحكومي لمعرفة مدى فعالية الإنفاق الحكومي.
مقال جميل جدا نشكر الدكتور عليه