النظرة التشاؤمية التي رسمها مؤتمر اقتصاديات الشرق الأوسط ودور القطاع الخاص الذي نظمه مجلس الغرف السعودية مع صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تجابه منطقة الشرق الأوسط المتمثلة في انخفاض معدلات الاستثمار ومشاركة القطاع الخاص وارتفاع مستويات البطالة في مجتمعات فتية كانت متوقعة في ظل الفشل الذريع في اجراء اي تحسن يذكر على المقترحات الاقتصادية بدءا من اتفاقيات الوحدة الاقتصادية العربية التي وقعت قبل أكثر من خمسين عاما وانتهاء بمنطقة تحرير التجارة العربية الكبرى.
ناهيك عن فشل جل الدول العربية في تبني سياسات اقتصادية مرنة وجاذبة للاستثمار وتحرير حركة التجارة البينية.
في ظل ذلك الفشل، لا يمكن للقطاع الخاص أن يبادر أو يعمل في بيئة استثمارية محلية مليئة بالتشريعات والانظمة المعرقلة لمسيرته، ناهيك عن ضعف الاداء الوظيفي للفرد في القطاع الحكومي والخاص وتبني قرارات في معظمها اجتهادات فردية تخدم مصالح فردية بغض النظر عن المصالح العليا للتنمية والازدهار.
إن مقومات نجاح التكامل الاقتصادي العربي متوفرة بشكل أكبر من أي تجمعات اقتصادية اخرى، فالتباين في الموارد الاقتصادية والاجتماعية هي نواة هذا التكامل، فهناك بلدان مكتظة بالسكان وأخرى فارغة، وهناك بلدان فيها مساحات زراعية شاسعة، وأنهار جارية وأخرى مناطق جدباء وشح في المياه.
هناك بحار وشواطئ شاسعة تمتد من أوروبا غربا الى أسيا شرقا، ورغم ذلك ليس هناك موانئ قادرة على استقطاب هذه الحركة الضخمة للتجارة العالمية ماعدا ماتبذله دبي من جهود واضحة في هذا المجال.
وهناك قدرات بشرية ماهرة، مع وجود ملايين العمالة الآسيوية غير الماهرة في معظم بلدان المنطقة.
هناك أموال ضخمة وفائضة في بلدان الخليج وهناك مصادر اقتصادية صناعية وسياحية وخدمية وزراعية في معظم البلدان العربية يجب تحسين بيئة الاستثمار فقط لانتقالها بسهولة.
ماذا ينقصنا اذاً؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تجاوب عليه كل دولة عربية على حدة. فالارادة في التغيير والعمل التكاملي يجب أن يكون من أولويات الدول العربية، فالازمات الداخلية بدأت تتعاظم وبدأت في الانفجار في دول ما يسمى بالربيع العربي.
وقد تتعاظم وتنفجر في الدول التي تجاوزتها في الوقت الحالي.
لقد مرت الدول العربية بعدة أزمات معظمها خارجية بدءا باغتصاب الأراضي الفلسطينية في الاربيعنات والخمسينات والتي على اثرها انشئت الجامعة العربية، مرورا بالحروب مع اسرائيل في الستينات ثم السبعينات، وانتقلت تلك الحروب في الثمانينات مع ايران، ثم انتقلت الى حروب عربية-عربية في التسعينات بعد اجتياح الكويت، وفي الألفية الجديدة اصبحت الحرب دولية في ازاحة نظام صدام ومحاربة الارهاب، وفي العقد الجديد هي ثورات داخلية تتمثل في حروب الحكومات مع شعوبها.
انها تسلسل غريب قد يأتي بنتائج وخيمة مالم تعمل الدول العربية على الاصلاح الداخلي وخصوصا الاقتصادي لخفض معدلات البطالة بتشجيع القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات.
هي معدلات سهلة ومعروفة طبقتها الكثير من الدول والاتحادات الاقتصادية لتتحول الى دول مزدهرة اقتصاديا واجتماعيا واصبحت قادرة على مواجهة الصعاب بطريقة واحدة مما يجعلها تتفادى الازمات الاقتصادية المتوالية كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي.
وعلينا تطبيق هذه المعادلات السهلة بتسهيل حرية العبور والتجارة والاستثمار والاصلاح الاقتصادي الشامل. فهذه الاصلاحات لا تنقص من سيادة الدول بل تجعلها أكثر قدرة في تنفيذ سسياساتها وحل مشاكلها الداخلية، ناهيك عن قدرتها في تقوية مجابهتها للتعامل مع الدول الأخرى.
نقلا عن جريدة الرياض