أعرف عن قرب حجم الجهد التي يبذله القائمون على شؤون القطاع الصحي بالمملكة وعلى رأسهم وزراء الصحة السابقون ووزير الصحة الحالي الذي نجح في تطوير قطاعات الحرس الوطني الصحية مثلما نجح في عمليات فصل التوائم.. ولا أنكر حجم النجاحات التي يحققها هذا القطاع الوطني المهم.. لكنني أعتقد جازما (وكنت قد كتبت عن هذا الموضوع في هذه الصحيفة أكثر من مرة) أن تميز القطاع الصحي وتسهيل الحصول على الخدمة الصحية للمواطن ستكون أكثر إيجابية في حال تم تخصيص هذا القطاع الضخم ومنح المواطن بطاقات تأمينية شاملة الأمر الذي يجعل من وزارة الصحة في بداية الأمر مشرعا للأنظمة ومانحا للرخص الطبية ومراقبا للأداء وعاملا على تقييمه وإصدار القرارات التي تخص جودة تطبيق بنوده.. مع قيام الدولة بإصدار بطاقات تأمينية لكافة المواطنين ممن لا يتوفر لهم تأمين صحي من قبل قطاعاتهم الحكومية أو الخاصة أو الخيرية أيضا.. على أن يتم خلال الخمس سنوات الأولى من تطبيق التأمين الصحي الشامل إدارة وإشراف وتشغيل وزارة الصحة للمراكز الصحية في القرى والهجر وتلك التي لا يكون فيها تواجد للقطاع الخاص الطبي مع العمل على تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في المجال الطبي وربما تعمل الدولة على تأسيس شركة طبية وطنية عامة يساهم المواطن في رأس مالها وتمتلك الدولة أكثر من 50 % من رأسمالها من خلال تمليك تلك الشركة للمراكز الصحية والمستشفيات الحكومية العامة الحالية بينما تواصل وزارة الصحة الإشراف والتشغيل المباشر للمستشفيات التخصصية بمناطق المملكة المختلفة.
ولو نظرنا إلى الآثار الإيجابية لخصخصة القطاع الصحي فإننا نجد في مقدمتها تسهيل حصول المواطن على الخدمة وتميز تقديم الخدمة له من خلال تنافس القطاع الخاص في هذا المجال وكذلك تنمية القطاع الصحي الخاص بالمملكة وتوسيع مجالاته ولو نظرنا أيضا إلى كلفة القطاع الصحي الحكومي الحالي على الوطن فإننا نجد أن في ذلك توفيرا ماليا ضخما على ميزانية الدولة يقابله رضا وطني عن خدمة القطاع الصحي وهي الخدمة التي يعتقد معظم المواطنين أننا لم ننجح بها كما أن ما ينفق عليها من أموال طائلة وما يخصص لها من ميزانيات تعد الأكبر بين كافة قطاعات الحكومة والأضخم على مستوى المنطقة ذلك أن عدد سكان المملكة العشرين مليون يتمتع عدد غير قليل منهم بتأمين صحي من خلال جهة عمله "العاملون في القطاعين الخاص والخيري وبعض العاملين في القطاع الحكومي كمؤسسات الدولة العامة مثلا" وبعملية حسابية بسيطة لو تمت قسمة ميزانية القطاع الصحي على عدد سكان المملكة "جميعا بما فيهم غير المستفيدين من خدمات القطاع الصحي الحكومي "فإن نصيب الفرد حسابيا سيكون مبلغا يضاعف ما يمكن أن يتم منحه إياه من خلال نظام التأمين الصحي الشامل أضعافا مضاعفة كما أنه سيمنح المواطن فرصة الاختيار بين القطاعات الصحية الخاصة بالمملكة التي ستتنافس على "الظفر به".. بل ربما استفاد من منشآت صحية عالمية لو أتيح لها فرصة الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع بدلا من تشجيع الاستثمار في قطاعات بسيطة قد لا يتعدى بعضها محال البقالات وبيع الحمص!!
أتمنى من المجلس الاقتصادي الأعلى مناقشة مثل هذا الموضوع بشيء من العمق والتركيز والاستفادة من التجارب الغربية خاصة ولعل الخدمة الصحية في عدد من الدول الأوروبية كبريطانيا مثلا "على الرغم من كونها في الغالب حكومية" تمثل تميزا ربما نصل لمستواه في حال تم تخصيص القطاع الصحي كما أن تجربتنا مع تخصيص قطاع الاتصالات وتحريره جعلت المواطن يختار الخدمة والشركة المشغلة ويستفيد أيضا من الإيرادات عند تملك أسهم في إحدى أو جميع شركات الاتصالات المحلية.. فهل نقدم على "فعل" شيء ما في هذا الخصوص أم تظل مشكلتنا مع القطاع الصحي ويظل "اللوم" يطال الحكومة من خلال قصور أداء هذا الجهاز؟ ودمتم.
نقلا عن جريدة الرياض