ما هي أسباب طفرة الزيت الصخري؟

03/12/2013 3
د. سليمان الخطاف

شهدت أسعار النفط في السنوات الخمس الماضية تغييرات صعب فهمها من الصعود غير المسبوق والتي حيرت الخبراء والمراقبين.

ولقد وصل معدل سعر برنت في 2009م إلى 61.7 دولار للبرميل، وارتفع إلى 80 دولارا في 2010م، ومن ثم استقر عند مستويات 111دولارا من 2011م وحتى 2013م.

وفي الأعوام 2005-2007م استوردت أمريكا حوالى 10 ملايين برميل من النفط الخام يومياً، وكان عندئذ سعر الخام أقل من 60 دولارا للبرميل، ولكن هذه الكميات ستنخفض إلى أقل من 6 ملايين برميل يومياً فى العام القادم بفضل الزيادة فى إنتاج النفط غير التقليدى والسوائل المتجددة مثل الايثانول والديزل الحيوى.

وتتوقع أوبك أن تنمو الامدادات النفطية من الزيت الصخرى من أمريكا وكندا بحوالى 5 ملايين برميل يومياً فى عام 2018م، وتعتبر هذه الكمية ضعف الكمية التى توقعتها اوبك فى السابق، ولذلك يتوقع المراقبون ان تخفض أوبك إنتاجها بحوالي مليون برميل يومياً، حتى تتلقى الاسواق الكميات الجديدة من الزيت الصخرى بدون تغيير كبير على الأسعار.

من المفيد والمهم أن نفهم مدى حاجة الولايات المتحدة لاستيراد النفط وتغيرها مع الوقت، حتى نستطيع رسم صورة منطقية لتفسير ماذا حدث في عالم النفط في السنوات الخمس الماضية.

ارتفعت أسعار النفط منذ عام 2003م وإلى عام 2008م سنوياً بمعدل 11.5 دولار للبرميل، ثم انخفضت بعد الأزمة العالمية في عام 2008م، وعادت وارتفعت من جديد لتستقر عند 110دولارات للبرميل منذ 2011م وحتى الان.

 وصل الاعتماد الأمريكي على النفط المستورد قمته في عام 2005م، حيث استوردت امريكا معدل 12.55 مليون برميل يومياً فى ظل شح الموارد النفطية الامريكية وعدم وجود بدائل الوقود بصورة تجارية فى ذلك الوقت نظراً لتوفر النفط التقليدى بأسعار معقولة، اذ وصل معدل سعر برميل النفط في عام 2005م حوالى 55 دولارا (شكل 1).

ولكن بعد 2005م بدأت تنخفض قليلاً الكميات المستوردة مع ارتفاع أسعار النفط العالمية.

لقد حيرت الجميع سرعة ارتفاع أسعار النفط آنذاك، واستعصى على الجميع فهم مسببات هذه الارتفاعات، وظهرت الكثير من التحليلات والتصريحات تشير إلى ان هذه الارتفاعات بسبب المضاربات ولا تعكس العرض والطلب، وهناك من ارجع هذه الارتفاعات إلى عدم وجود اكتشافات جديدة لحقول النفط.

إلا ان هذه الارتفاعات الكبيرة وغير المسبوقة لأسعار النفط جعلت من البدائل سلعا منافسة ومجدية تجارياً، وبدأت الشركات الصغيرة تؤسس للمرحلة الحالية من الإنتاج للسوائل البترولية غير التقليدية بواسطة تقنيات الحفر الافقى للزيت والغاز الصخرى هذه التقنيات التي اذهلت العالم وغيرت عالم الطاقة.

 إذاً من المصادفات الغريبة أن رافق ارتفاع أسعار النفط (من 60 إلى 111 دولارا للبرميل) ارتفاع غير مسبوق في إنتاج الولايات المتحدة من النفط غير التقليدى، والذى عادة ما يكون عالي الكلفة مقارنة بالتقليدى.

وفي نفس الفترة الزمنية (2009-2013م) ارتفع إنتاج الشركات الامريكية من سوائل البترول غير التقليدي، وبحسب ادارة معلومات الطاقة الامريكية بحوالى 3.5-4 مليون برميل نفط مكافئ يومياً، وارتفع إنتاجها من الغاز الصخرى بحوالى 1.5 مليون برميل نفط مكافئ يومياً.. وهذا يعني ان إنتاج امريكا من السوائل البترولية كان فى عام 2009م حوالى 8 ملايين برميل نفط مكافئ، وكان معدل أسعار برنت العالمية 61.7 دولار للبرميل.

إلا ان اسعار النفط استمرت بالارتفاع حتى وصلت 111 دولارا للبرميل، وارتفع معها إنتاج امريكا من السوائل البترولية الى 12 مليون برميل نفط مكافئ يومياً.

طبعاً أغلب الزيادة كان في إنتاج السوائل غير التقليدية منها: الايثانول، والديزل الحيوى، والزيت الصخرى من حقول باكن فى داكوتا الشمالية وايغل فورد فى تكساس.

ويجب ألا ننسى أن زيادة الإنتاج الامريكى من السوائل البترولية قد خفض فاتورة استيراد امريكا للنفط بحوالى 200 بليون دولار سنوياً، حيث من المتوقع ان ينخفض استيراد أمريكا للنفط الخام إلى 5 ملايين برميل فقط فى العام القادم.

ويعرض الشكل 1 سيناريو آخر لعام 2020م وهو ان تم إنتاج أكثر ما هو متوقع من سوائل الوقود غير التقليدية، وان تم تقليص الاستهلاك الامريكى لذلك فان هذا الاحتمال يتوقع ان ينخفض استيراد امريكا للنفط الى 3.1 مليون برميل يومياً فقط، وهذا الاحتمال قد يسبب ارباكاً للاسواق العالمية خاصة اذا بدأت الصين بإنتاج الزيت الصخرى. 

لاشك أن نمو الإنتاج الأمريكي الداخلي في سوائل البترول قد أدى الى خلق آلاف الوظائف وفرص العمل والى نمو حقيقى فى الاقتصاد الامريكى فى قطاع الطاقة.

لقد تم التخطيط بعناية ودقة لزيادة إنتاج أمريكا من سوائل الوقود للاستغناء عن نفط الخارج، ولقد تم الاستثمار بسخاء فى التقنيات المختلفة حتى جاءت التقنيات الجديدة الخاصة بالحفر الافقى وتفتيت الصخور لاستخراج الزيت والغاز الصخرى.

ولقد انفقت الشركات الامريكية الكثير من الأموال لتصل إلى ما وصلت اليه الان، اذ أنفقت بلايين الدولارات على استحواذ الحقول الصخرية وشراء الشركات الصغيرة، ووصلت قيمة استثماراتها فى الغاز والزيت الصخرى فى عام 2012م فقط حوالى 186 مليار دولار.

أما انعكاس طفرة الزيت الصخري على دول الاوبك فتبدو متوقعة، اذ انخفض الطلب على خام بونى النيجيرى الخفيف والنفط الجزائرى وهما شبيهان بخام باكن الصخرى الخفيف؛ نتيجة لارتفاع الإنتاج الامريكى من باكن. 

إذاً أوبك معنية مباشرة بتطورات الاوضاع فى امريكا وفى العالم بالاجمال، لكن لم تتأثر الواردات من المملكة وفنزويلاً كثيراً نظراً لاختلاف طبيعة هذه النفوط عن الزيت الصخرى الخفيف بطبيعته، وربما ان بعض المصافي بأمريكا مصممة لتكرير أنواع معينة من النفوط العالمية (شكل 2). 

أما بالنسبة لأسعار الخام داخل أمريكا فلان معظم الزيت غير التقليدى المنتج لا يمكن تصديره للخارج الى الآن بحكم عدم وجود البنية التحتية المساعدة لذلك فان كل ما ينتج يتم شحنه للاسواق المحلية.

ولكن مع زيادة إنتاج الزيت الصخرى اتسع الفارق بين أسعار الخام فى أمريكا والعالم، فعلى سبيل المثال فى عام 2007م لم تنتج أمريكا كميات كبيرة من الزيت الصخرى فلم يوجد فرق يذكر بين أسعار خام غرب تكساس الأمريكى وبرنت.

ولكن فى عام 2011م وحين بدأ الزيت الصخرى بالتدفق وبكميات غير مسبوقة، اتسع الفارق بين غرب تكساس وبرنت ليصل الى حوالى 20 دولارا للبرميل لمصلحة برنت بسبب وجود فائض فى العرض. 

اذاً غزارة الإنتاج من الزيت غير التقليدى قد أدت الى انخفاض أسعار الخام فى أمريكا، بينما أسعار الخام في العالم لم تنخفض.

وحدثت نفس الظاهرة فى أسعار الغاز الطبيعى، اذ أن زيادة إنتاج الغاز الصخرى الامريكى قد ساهمت فى خفض أسعار بورصة هنرى هوب للغاز الطبيعى، ولكنها لم تؤد الى انخفاض أسعار الغاز المسال والغاز الروسى فى اوروبا.. وهذا يقودنا إلى استنتاج أن ما حدث فى أمريكا بقي فى أمريكا إلى الآن ما لم تقم دول أخرى مثل الصين والارجنتين واوروبا الشرقية بإنتاج الزيت والغاز الصخرى.

ويبقى تأثير الزيت الصخرى الامريكى في الاسواق العالمية قابعاً فى تقليص الكميات التى تستوردها امريكا من النفط، لاسيما وان امريكا كانت أكبر مستورد للنفط فى العالم وبالطبع اكبر مستهلك له. 

وفي الختام، تقدر احتياطيات العالم من النفط التقليدى بحوالى 1670 بليون برميل يوجد منها فى الولايات المتحدة 35 بليون برميل فقط أى حوالى 2%، وهذا ما جعل الشركات الامريكية الكبرى تدرك هذا الوضع وتتعامل معه بواقعية، ولاسيما وان امريكا أكبر مستهلك للنفط فى العالم، وستظل كذلك لعشرات السنين.

ولقد جعلت أسعار النفط الحالية (حوالي 100 دولار للبرميل) من استخراج الزيت الصخرى الامريكى ومن نفط الرمال الكندى ومن النفط العميق فى خليج المكسيك عمليات مربحة اقتصادياً فهبت كل الشركات العالمية للاستفادة من التقنيات المطورة، وبدأت بضخ الذهب الاسود الصخرى.

نقلا عن جريدة اليوم