انفض اجتماع البنك الإحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء الماضي الموافق الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول بالإبقاء على معدل الفائدة وبرنامج شراء الأصول عند 85 مليار دولار شهرياً دون تغيير.
وهو الأمر الذي كان متوقعاً بنسبة احتمال مرتفعة جدا، حيث بدا البنك محاولاً طمأنة الأسواق على اتجاه تحرك نمو الإقتصاد الأمريكي رغم الجدال السياسي الذي سبق انتهاء ايقاف عمل الحكومة ورفع سقف الدين منتصف الشهر الماضي.
في اليوم التالي مباشرة أشار بنك اليابان إلى انه سيبقى على سياسته النقدية دون تغيير أيضا مع ابقاء مستهدف رفع القاعدة النقدية بين 70 تريليون إلى 70 تريليون ين سنوياً لدعم بلوغ مستهدف التضخم عند 2.0%، وانهاء حالة انكماش الأسعار التي جثمت فوق صدر ثالث أكبر اقتصادات العالم 15 عاما.
في تلك الأثناء صدرت تصريحات هامة من محافظ المصرف المركزي في النمسا وأحد أعضاء مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي "ايوالد نوفوتني" أشار من خلال لها إلى استعداد البنك ضخ المزيد من السيولة عن طريق تقديم قروض طويلة الأجل زهيدة التكلفة أو الفائدة "LTRO"(قدم المركزي الأوروبي أكثر من تريليون يورو في عمليتين احدهما نهاية عام 2011 والثانية نهاية فبراير/شباط عام 2012).
وكان رئيس البنك "ماريو دراغي" قد نوه في سبتمبر/أيلول إلى ان المركزي الأوروبي يستعد لتقديم المزيد من القروض الأجل لدعم بقاء معدل الفائدة منخفضا عند أدنى مستوياته "اذا اقتضت الضرورة".
لكن "نوفوتني" أضاف من خلال تصريحاته إلى ان البنك سيسعي إلى تلك الخطوة من أجل تجنب تأثير "cliff"، وهو ما يعيد للأذهان الحديث الذي ملأ الدنيا صخبا العام الماضي عن "الهاوية المالية" في الولايات المتحدة.
ولم تمض ساعات على تصريحات "نوفوتني" حتى كشفت بيانات من "يوروستات" بقاء معدل البطالة في منطقة عند أعلى مستوياتها التاريخية 12.2%في سبتمبر/أيلول، فضلا عن انخفاض حاد للتضخم عند أدنى مستوياته في أربع سنوات 0.7% خلال أكتوبر/تشرين الأول.
واذا كانت تلك البيانات والتصريحات تشير إلى ضخ المزيد من السيولة من خلال ثلاثة من كبرى البنوك المركزية في العالم، وهو وضع بدا متوقعاً إلى حد كبير مع ترحيل توقعات خفض مشتريات الأصول "tapering" من قبل الإحتياطي الفيدرالي إلى الربع الأول من عام 2014.
هذا فضلا عن استمرار بنك اليابان في سياسته التيسيرية غير المسبوقة لدعم بلوغ مستهدف التضخم الذي يرى انه سيحققه في عامين تقريبا، بجانب التباعد بين مستهدف المركزي الأوروبي قرب 2% والقراءة الفعلية الأخيرة عند 0.7% مما يعني خفضا جديدا للفائدة وهو ما مهدت له تصريحات "نوفوتني" ومن قبله "دراغي".
بعد كل ذلك ماذا تنتظر الأسواق؟ لماذا لم تكمل صعودها القوي وبدت متذبذبة، أهو القلق من ضعف معدل نمو الإقتصاد الحقيقي؟ تشبع المؤشرات بعد تحقيق مستويات قياسية جديدة ؟ تضخم الأسعار؟ أم أن هناك جديدا تنتظره؟
في الحقيقة-وعلى الرغم من أخذ جميع تلك الإحتمالات في الحسبان- فإن هناك أمرا هاما، حيث شهادة "جانيت يلين" التي رشحها "أوباما" لقيادة البنك الفيدرالي خلفا لـ"برنانكي" منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
الشهادة ستكون أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ، والتي تنتظرها الأسواق قبل المجلس نفسه، حيث ضرورة الإستماع لما ستقوله المرأة التي بات مرجحا ان تقود المصرف المركزي في أكبر اقتصادات العالم.
وعلى الرغم من ان الجميع يدرك ان "يلين" ستأخذ نفس المسار –تقريبا- الذي سلكه "برنانكي"، لكن لا بد من عرض رؤيتها وتفهم موقفها، فيما سترثت تركة ثقيلة، حيث تضخم ميزانية البنك الفيدرالي بحوالي 3 تريليونات دولار مع استمرار طباعة المزيد من النقود.
"برنانكي" قاد البنك في فترة "الفعل"، أما "يلين" فعليها ان تواجه فترة أصعب تتمثل في محاولة السيطرة على"رد الفعل" الذي قام به سلفها، وانعكاس ذلك قعليا على تضخم أسعار الأصول،وتطور سوق العمل، ومعدل البطالة، فضلا عن نمو الإقتصاد ذاته.
بإختصار يجب ان تكون "يلين" تلك المرأة الحديدية التي ستحدد كلماتها اتجاه بوصلة الأسواق، ومن قبلها السياسة النقدية للولايات المتحدة.