اقتصاديات مؤسسة النقد (1-2)

27/10/2013 6
د. أنور أبو العلا

نستطيع بكل أريحية أن نقول إن ساما (مؤسسة النقد العربي السعودي) ليست كالبنوك المركزية الحديثة في الدول الأخرى، فهي لا تستخدم سياستها النقدية للحد من ارتفاع معدلات التضخم (الهدف الأول للبنوك المركزية) مما يؤدي الى تأّكل القوة الشرائية للريال. في نفس الوقت واضح أن السياسة النقدية لساما تسير في ركاب السياسة المالية لوزارة المالية التي تحاول أن تجمع أكبر مقدار من الفوائض المالية تحسباً لتقلبات الزمن لأنها تعرف أن عصر الطفرة لن يدوم.

العلاقة التي تربط ساما بوزارة المالية علاقة حميمية بدأت أواصرها تنمو قبل ثلاثين سنة مع بداية الثمانينيات عندما أصبحت وزارة المالية تحتكر تعيين مناصب نواب ومحافظي ساما من موظفيها المخلصين الذين شبوا وترعرعوا في مدرستها فتشبعوا بسياساتها الاقتصادية المتحفظة. إضافة إلى أنهم يشعرون بأنهم مدينون لوزارة المالية بترشيحهم لمناصبهم، ومدينون لها باكتساب خبرتهم العملية أثناء عملهم بالوزارة (أم الوزارات)، وكذلك أيضا مدينون لها بالحصول على مؤهلاتهم العلمية العليا عن طريق ابتعاثهم للدراسة من قبل الوزارة.

البنك المركزي (تقوم بدوره لدينا ساما) هو المسؤول عن ممارسة السياسة النقدية للدولة وفقاً لاحتياجات اقتصادها القومي من غير أن يتلقى توجيهات من وزارة المالية أو أي جهة أخرى. لكن ساما وجدت نفسها -شاءت أم أبت- تتخلى عن استقلاليتها في ممارسة السياسة النقدية فأصبحت تتصرف كأن محافظها معاراً (أو منتدباً) للعمل فيها من وزارة المالية.

أمّا السياسة المالية (التحكم في إيرادات ومصروفات الميزانية) فهي من اختصاص وزارة المالية. لا شك أن وزارة المالية في الوقت الحالي لا تعاني صعوبة في تحصيل إيرادات الميزانية فجميع إيراداتها تأتي -بطريق مباشر أو غير مباشر- من مصدر ريعي واحد ولكنها تعاني حيرة في توزيع هذه الإيرادات على القطاعات المختلفة حيث يتنافس كل قطاع للحصول على أكبر نصيب من الاعتمادات.

من الواضح أن السبب الرئيس في حدوث ارتفاع معدلات التضخم في المملكة هو الإنفاق الحكومي الضخم الذي هو أكثر كثيراً من قدرة اقتصادنا القومي على امتصاصه.

السياسة النقدية (التحكم في إصدار كمية النقود) هي من اختصاص مؤسسة النقد التي درجت على أن تزيد عرض القاعدة النقدية (طباعة الريال) لتوفير السيولة لوزارة المالية بدلاً من أن تحاول تلبية مصروفات الوزارة عن طريق رفع القيمة الشرائية للريال.

هكذا تعاضدت السياسة النقدية مع السياسة المالية فأصبحتا كأنهما سياسة واحدة بدلاً من استخدام السياسة النقدية باستقلالية لتخفيف الآثار الجانبية التي ترافق -عادة- التوسع السريع في الإنفاق الحكومي سواء على بناء البنية التحتية الجديدة أو لصيانة البنية التحتية القديمة المهترئة لسوء تنفيذها.

هذا التبسيط الموجز لأسباب وسيناريو تفاقم التضخم في المملكة يحتاج للتوضيح -بقدر ما تسمح به مساحة الزاوية- لكن الرسالة واضحة: لقد آن الأوان أن تنتهج ساما سياسة نقدية جديدة (لا سيما أن إدارتها الحالية ليست من خريجي مدرسة وزارة المالية) فتمارس اختصاصاتها بالتنسيق والتعاون البناء -وليس التبعية- مع وزارة المالية وفقاً لصالح الاقتصاد القومي.

في زاوية الأحد القادم -إن شاء الله- سنناقش بعض أدوات التنفيذ المشتركة بين السياستين (السياسة النقدية والسياسة المالية) ونقترح على ساما أن تدرسها بجدية وتتبناها ومن ثم تحاول إقناع وزارة المالية بجدوى تفعيلها. كذلك نقترح على وزارة المالية أن تلقي آذاناً صاغية لمطالب ساما.

نقلا عن جريدة الرياض