لم يتأخر الرئيس الأمريكي أوباما عن طمأنة الدائنين لبلاده بأن الحكومة الأمريكية لن تتخلف عن سداد ديونها والتزاماتها، فقد صرح بذلك قبل أيام قليلة وهو في خضم المماحكات والنقاشات العصيبة مع خصومه الجمهوريين في شأن الموافقة على رفع سقف الدين العام، الذي تحوَّل إلى صراع إعلامي بين الديمقراطيين الحاكمين والجمهوريين في مجلس النوَّاب تحديدًا، الذي يسيطر عليه الجمهوريون حاليًّا فيما الجناح الآخر للكونجرس وهو مجلس الشيوخ فالديمقراطيون هم الأغلبية فيه وهذا المشهد يوضح مدى التعقيد الذي تمر به إدارة الرئيس الأمريكي في تمرير قراراتها الاقتصاديَّة.
لكن هل هذه التصريحات هي كل شيء في حسابات المخاطرة على الاستثمار بالسندات الحكوميَّة الأمريكية بالتأكيد لا فأزمة الدين وارتفاعه بدأت من أربعة عقود تتشكّل بذرتها ونواتها منذ عهد الرئيس كارتر عندما ارتفعت التزامات الحكومة نتيجة قرارات على برامج اجتماعيَّة شبيهة ببرنامج الضمان الصحي الذي يحاول الجمهوريون عرقلة تنفيذه بالوقت الحالي متذرِّعين بأن الظروف غير مواتية لنجاحه وبالعودة لقضية تفاقم مشكلة الدين الأمريكي فإنَّ العديد من الاقتصاديين وحتى أعضاء سابقين بالكونجرس ومنذ قرابة عشرين عامًا أطلقوا تحذيرات بأن معدلات نموه المستقبلية ستصل لمرحلة الأزمة وخلال عقدين أو ثلاثة على أبعد تقدير وهذا ما يحدث حاليًّا.
وبالرغم من كل ما يحاول الإعلام العالمي اختزاله بأن مشكلة الدين وارتفاعه سببها فترة حكم الجمهوريين بقيادة بوش الابن إلا أن ذلك غير دقيق، فهناك اعتباران لا بُدَّ من النظر لهما الأول يتمثَّل بأن آلية الإنفاق الحكومي الأمريكي ومنذ أربعة عقود كانت تسير باتجاه تسارع نمو الدين على حساب نمو إيرادات الخزينة نتيجة لترهل الاقتصاد الامريكي والتغيِّرات التي حدثت به من انخفاض لدور الناتج الصناعي إلى 9 % حاليًّا من إجمالي الناتج القومي بالرغم من أنَّه كان يشكل قرابة 35 % قبل أكثر من ثلاثة عقود أيّ أنّه تراجع بشكل كبير ونما قطاع الخدمات خصوصًا الماليَّة بنسب كبيرة بالرغم من أنَّه لا يفتح فرصًا وظيفية كالصناعة ومع زيادة الإنفاق العام فإنَّ الفجوة اتسعت كثيرًا فالإيرادات العامَّة بالكاد تتجاوز تريليوني دولار في حين أن الإنفاق يقارب 3.9 تريليون دولار ويسد العجز بطرح أذونات خزينة لسداد الالتزامات بما فيها خدمة الديون أيّ أن جزءًا من الاقتراض الآن يذهب لسداد خدمة الديون والديون نفسها حسب استحقاقها الزمني.
وإذا كانت أحداث سبتمبر وما تبعها من حروب قد سارعت من وتيرة نمو الدين العام إلا أن الأزمة الماليَّة الأمريكية في جوهرها والعالميَّة الطابع والانتشار لها أسباب مختلفة بدأت تتشكّل منذ بداية عهد الرئيس كلينتون عندما تعهد ببداية ولايته الأولى العام 92 م بدعم برامج تملك السكن لغير القادرين أو أصحاب الملاءة الماليَّة الضعيفة وأسست شركتا إعادة تمويل الرهون العقارية الشهيرتين فني ماي وفريدي ماك إحدى أكبر المتسببين بخسائر كبيرة بأمريكا ولم تنته ولاية كلينتون الثانية دون مفاجأة أخرى لدعم برامج التمويل السكني إِذْ سمح للبنوك التجاريَّة دخول سوق إعادة التمويل في العام 1999م ولم تتأخر تلك البنوك على اكتساب هذا القرار كنشاط مربح وقامت بالاستثمار بسندات الرهون العقارية بأموال المودعين ومع خروج حجم هذا النوع من الاستثمار عن حجمه الطّبيعي وبتسارع نمو المشتقات الماليَّة بالأسواق الماليَّة حتَّى أصبحت كالجمرة تتقاذفها محافظ المستثمرين ليس فقط أمريكيًّا بل عالميًّا إلى أن انفجرت فقاعتها بوجه الجميع.
وقد أطلق المستثمر الشهير جورج سورس تحذيره بخطورة وضع القطاع المالي الأمريكي العام 2006م ولكن كان من المستحيل إيجاد حلول تقي من الوقوع بالأزمة التي انفجرت بعد تحذيره بعامين فقط ولم يكن أمام الحكومة الأمريكية إلا أن تقوم ببرامج تحفيزية سارعت من ارتفاع الدين العام ليصل بنهاية حكم بوش الابن إلى ما يقارب 11 تريليون دولار أي ما يقارب 70 % من الناتج القومي الأمريكي مع التذكير بأن الدين العام بنهاية عهد كلينتون الديمقراطي وصل إلى 5.9 ترليون دولار وبالرغم من مضاعفة حجم الدين بعهد بوش إلا أن عهد أوباما ارتفع فيه الدين بما يفوق خمسة تريليونات دولار ليفوق الناتج القومي ويصل إلى 16.7 تريليون دولار حاليًّا فيما يصل الناتج القومي إلى 16 تريليون تقريبًا بآخر الاحصاءات.
نستدل من المعطيات السابقة أن مشكلة تسارع نمو الدين الأمريكي مرض مزمن منذ عقود ولم تكن وليدة حدث قريب إنما كانت التطوُّرات بالعقد الماضي خصوصًا الاقتصاديَّة كالأزمة الماليَّة العالميَّة ما هو إلا تطوّر طبيعي لتراجع معدلات نمو الإنتاج الصناعي الأمريكي والتحول العالمي نحو الشرق خصوصًا الصين وتفاقم مشكلة الاستهلاك والإنفاق سواء الحكومي أو الفرد بأمريكا اعتمادًا على الاقتراض حتَّى وصل حجم مجمل الديون بأمريكا على الحكومة والشركات والأفراد إلى ما يقارب 71 تريليون دولار أيّ ما يعادل تمامًا الناتج الإجمالي العالمي للعام 2012م ومهما بلغ نمو الاقتصاد الأمريكي حتَّى العام 2020م فإنَّ نمو الدين الحكومي سيستمر بالارتفاع وسيبقى مرتفعًا بما يوازي أو يزيد عن الناتج الإجمالي فهل ستبقى أمريكا قادرة على طمأنة الدائنين إلى ما لا نهاية وهل سيبقوا مستعدين لإقراضها دائمًا أن الخمسة أعوام القادمة هي الكفيلة بالإجابة على هذين السؤالين مع التأكيد بأن أكبر ديون أمريكا ليست من الخارج الذي لا يشكل أكثر من 20 % من إجمالي ديونها ولذلك فإنَّ حسابات المخاطر بالاستثمار بأمريكا تبدأ من الآن بالتحول من الاطمئنان الكبير إلى قلق أولي يستوجب التحوط المبكر فالإشارات على ذلك القلق لم تُعدُّ خفية فما يدور الآن من جدل رسمي لديهم حول رفع سقف الدين بالإضافة إلى التحولات الاقتصاديَّة الدوليَّة والأمريكية لن تبقي معايير القوة للمعطيات السائدة حول الأمان بسندات أمريكا أو قوة الدولار بمستواها الحالي خصوصًا أن أمريكا فقدت تصنيفها الممتاز لأول مرة قبل أكثر من عام ومرشح للانخفاض بحسب ما ذكرته وكالات التصنيف الكبرى مستقبلاً حسب التطوُّرات التي ستنتجها أزمة رفع سقف الدين العام.
نقلا عن جريدة الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
كل مايحدث هو نتيجة لتدعيات ١١ سبتمبر ... كانت ضربة في المفاصل ادت الى نتائج كارثية بسبب قرارات اتخذت بعدها مثل خفض الفائدة وتشجيع الاقتراض الرخيص لشراء المنازل وغيرها لإنعاش الاقتصاد بعد الضربة وهو ماكان الداء وليس الدواء
هذا فيديو سيناريو تخيلي ليوم انهيار الدولار... ويذكر فيه "تطمينات" الرئيس http://www.youtube.com/watch?v=2N8gJSMoOJc
نعم يبدو أن هناك الكثير ممن يثق بقدرة الولايات المتحدة ويقتنع بهذه التطمينات وأولهم محافظ مؤسسة النقد السعودي الذي صرح قبل أيام أن المؤسسة كانت ومازالت وسوف تستمر في الاستثمار في السندات الامريكية. طبعا المحافظ هنا يعبر عن وجهة نظر النظام الحاكم ولايمكن أن يتصور أن المؤسسة تستقل بوضع سياسات تمس كلمة "امريكا". قناعة الحكومة السعودية بالاقتصاد الامريكي قناعة راسخة ناتجة عن "إيمان" عميق جدا يتعدى حدود المنطق والمراجعة المستمرة لكفاءة الاقتصاد الامريكي والمشكلات الهيكلية التي يعاني منها. ترى متى تخضع هذه القناعة للمراجعة؟
لا تزال هناك فرص للمراجعة بلا شك والتي قد تكون في طريقها للتلاشي شيئا فشيئاً ، اقربها الـ3 شهور القادمة . وما حدث من شلل حكومي ومحادثات سقف دين ما هو إلاّ إمتداد لازمة 2008 والتي كانت ازمة مؤسسات تم ترقيتها لازمة دولة قد تتحول إلى ازمة دول ..!!!