تعتبر الصناعة الدوائية صناعة استراتيجية هامة جداً ، لانها تُسهم في تحقيق السلام الاجتماعي وتوفر بعداً هاماً لمفهوم الأمن الوطني للدولة.
وتُعد الصناعات الدوائية من الحقوق الاساسية للإنسان لكونها تتعلق بصحته وحياته.
وتُعرف الصناعة الدوائية بالصناعة الكيميائية المتخصصة في صناعة الدواء، وهي تقوم بابتكار أدوية جديدة تعرف بـ “New Molecule” وبيعها في الاسواق المختلفة ويكون مالك هذا الابتكار Brand– بمعنى أنه لا يجوز لاي مصنع أخر إنتاج هذه التركيبة “Know how”إلا بموافقة الشركة الأم صاحبة الاختراع.
وتقوم مصانع الادوية بخطوطها المختلفة بانتاج أدوية طبية انتهت فترة براءة الاختراع لها –وبيعها بالاسواق بدون الرجوع الى صاحبة براءة الاختراع وتُعرف بالادوية الجنيسة "Generic items " ، أو انها تقوم بابتكار أدوية جديدة يفوق مفعولها الادوية المتعارف عليها وتحتفظ بحق براءة الاختراع بعد تسجيلها حسب الانظمة العالمية المتعارف عليها لضمان حقوقها في المنتج الجديد.
وكوني متخصص في الصناعة الدوائية لأكثر من عقد من الزمن ،استطيع ان اوجز للقارئ الكريم ما تقوم به معظم شركات الادوية العربية كمصنعة للادوية على اختلاف تصنيفها:
تقوم بعض شركات الادوية والتي ترتبط بعلاقات تجارية بالترخيص من شركات عالمية بما يسمى Under lisence
وتقوم شركات اخرى بعمل تعاقدات وتحالفات مع كبرى الشركات العالمية Novartis , Pfizer, GSK بما يسمى Joint Venture.
وكما هو الحال مع معظم الشركات العربية ترتكز على إنتاج الأدوية والتي إنتهت براءة الاختراع لها – ويختصر دور هذه الشركات على إيجاد تركيبة مقاربة للدواء الاصيل Originator بعد ان تحصل على ملف متكامل لكيفية التصنيع ( دليل التصنيع) من الالف الى الياء من الشركات الصينية أو الهندية والتي قطعت اشواطاً في المجلات الصيدلانية،حيث يقوم قسم البحث والتطوير بعمل Pilot batches وبعد عدة محاولات يستخرج التشغيلة بالحجم الصغير ليقوم لاحقاً قسم التصنيع بانتاجها بالكميات التجارية بعد قيام الشركة اصلاً بالتسجيل الدوائي لدى دوائر واقسام وزارة الصحة.
حقيقة ان المفهوم الحقيقي للأمن الدوائي العربي غائبة أو مغيبة تماماً لاسباب مختلفة وكثيرة نذكر منها :
لا يوجد اهتمام كافي بصناعة المواد الكيمياوية للمواد الخام للادوية الصيدلانية والتي تُصنع منها الادوية الجنسية (ومن الجدير بالذكر بان الشركة صاحبة الابتكار –قد تضع المادة المبتكرة وتحضر استخدامها لفترة زمنية طويلة )، حيث ان معظم هذه المواد الخام تستورد من الهند أو الصين أو احدى دول جنوب شرق اسيا، الامر الذي يضغط على هوامش خفض الكلفة التشغيلية من ناحية ويقلل من عناصر الجودة والتي تمثل العنصر الاساسي في هذه الصناعة الحساسة.
عدم وجود العناصر الصيدلانية المدربة والمؤهلة في العالم العربي ( الفنية ،الهندسية ..الخ)، والذي يجعل من عُمر الصناعة الدوائية قصير وغير واعد.
ضعف البحوث العلمية اضاف اعباءاً اضافية على هذه الصناعة ، حيث ان هذه الصناعة تعتمد بالدرجة الاولى على قدرة البحوث العلمية على التطوير والابتكار، والقدرة على التعاون بين مختلف الجهات العلمية العالمية ناهيك عن غياب الدعم الحكومي العربي لمثل هذه الابحاث والدراسات.
غياب التكامل الدوائي للمصانع في البلد الواحد ( وكما هو الحال في جميع مصانع الادوية العربية)– على سبيل المثال لا الحصر - مادة مافيناميك اسيد تُصنع في جميع مصانع الادوية في هذه الدولة أو تلك ، لدرجة انك تستطيع توقع الاصناف المتوفرة والمنتجة في مصنع معين، اذا علمت بتوفرها في المصنع الاخر لدولة ما – بالطبع فأن تكرار التصنيع لنفس المادة الدوائية اضر كثيراً بالتسعير الحقيقي والجودة لمثل هذه الادوية ، والذي دفع ببعض الشركات باستيراد ارخص المواد الخام جودة لتستطيع المنافسة من ناحية والرضى ايضاً بهوامش ربحية متدنية جداً، والتي اضرت بالصناعة الدوائية من ناحية الرضى المطلوب، وبنوعية وجودة العمالة والتي تعمل في هذا القطاع الحيوي ، وعدم القدرة على التطوير والتخصص لمثل هذه الصناعة الحساسة والتي تستلزم عمالة مؤهلة وصاحبة كفاءة عالية وقادرة على احداث الفارق.
عدم وجود هيئات متخصصة لتطوير الصناعة الدوائية في العالم العربي ، ادى الى غياب مفهوم الصناعة الدوائية المتطورة القائمة على البحث والابتكار ( الجدول -1 يوضح الميزانيات الضخمة المرصودة للبحث والتطوير لدى الشركات العالمية وعلى راسها الاميركية ).
غياب التشريعات والقوانين في معظم الدول العربية لنقل التكنولوجيا Tech-Transfer بين شركات الادوية في العالم العربي وبين شركات الادوية العالمية اضر كثيراً بتقدم الصناعة الدوائية العربية وخلق فاصل ضوئي بين هذه الشركات المطورة والشركات الادوية العربية والتي لا زالت تُعطي المادة الجنيسة جُل الاهتمام.
واخيراً ، فأن الوصول الى الأمن الدوائي العربي يجب ان ينظر اليه كجزء من المنظومة العربية المتكاملة تُسخر له الامكانات والطاقات البشرية للوصول الى هذا الهدف الاستراتيجي الحيوي.
جدول – 1 تشمل تلك القائمة مصانع الأدوية العالمية مصنفة بحسب قيمة إنتاجها لعام 2007 ، وهي تتضمن تكلفة البحث العلمي والتطوير.
المصدر: Pharmaceutical Executive, „Our 9th Annual Report on the world’s Top50 Pharmaceutical Companies“, May 2008
الكاتب المحترم : تطرق الى نقاط جوهرية وهي اعتماد الشركات على الادوية الجنيسة - وعدم قدرتها على مواكبة التقدم الهائل في الصناعات الصيدلانية
لقد اصاب الهدف. ولعل من احد الاسباب هو توجه العالم نحو التقنيه والتي تدر مالا اكثر. واسرع