أم الأزمات المالية

08/10/2013 0
د. إحسان بوحليقة

ما لبث تعبير «أم المعارك» أن طوي في مكان قصي من أرشيف الذاكرة حتى قرأت بالأمس تعبير «أم الأزمات المالية» يستخدم من قبل «خدمة البث العامة» (PBS)، وهي من أكثر مؤسسات البث التلفزيوني تأثيرًا في الولايات المتحدة؛ إضافة لكونها تجمع أكثر من 350 قناة تلفزيونية فهي كذلك مؤسسة غير ربحية.

ورغم أن بين ظهرانينا -كما يقال- من لا يقلقه ما يحدث في الكونجرس من تعطيل لتمويل لأنشطة الحكومة الأمريكية، يبدو أن آخرين تقلقهم تبعات ما يحدث في حال امتد صراع الديكة في واشنطن ليتجاوز السابع عشر من أكتوبر، أي لعشرة أيام أخرى.

ما الذي يمكن أن يحدث؟ وحتى أتحوط من أسهم «غير القلقين» فأجيب بما قالته وزارة الخزانة الأمريكية وفقًا لتقرير صدر في 3 أكتوبر عن خدمة البث العامة الأمريكية.

لقد حذرت وزارة الخزانة الأمريكية من أن فشل الحكومة الأمريكية في سداد التزاماتها التي ستحل في شهر أكتوبر سيعني انتشار التأثير الاقتصادي فالأسواق المالية قد تتجمد وقيمة الدولار قد تهوي وأسعار الفائدة قد ترتفع صاروخيًا، وقد تحدث أزمة مالية وركود مثيلة بأحداث 2008 أو ربما أسوء.

الجملة كلها وفقًا لما قالته وزارة الخزانة الأمريكية، وهي في تقديري كافية لتجعل أيًا منا يشعر بالقلق وأن يطرح سؤالًا: ماذا إذا تفاقم العناد والكيد بين سياسي الكونجرس وامتدت الأزمة إلى الجزء الأخير من أكتوبر؟ هناك من قد يقول: لا تقلق، سيتفقون ليس من أجل العالم المتعلق نظامه المالي بالدولار الأمريكي، بل سيتفقون من أجل مصالح أمريكا التي ستكون الخاسر الأكبر.

هذا طرح معقول لولا أنه يحمل قدرًا من الاطمئنان يفوق ما صرحت به وزارة الخزانة.

هل وزارة الخزانة الأمريكية تبالغ في الإعراب عن قلقها لتضغط على السياسيين؟ قد يكون، لكنها عشرة أيام وقد تبدأ الخزانة هناك في التأخر في سداد التزاماتها، عندئذ ستفقد أدوات الدين الحكومية الأمريكية الكثير من بريقها، إذ لم يسبق للخزانة الأمريكية أن تأخرت في سداد ديونٍ مستحقة.

ما يهمنا في الأمر يتجاوز مجرد ترابط الاقتصاد العالمي وأسواقه المالية إلى ما تستثمره دول العالم من احتياطياتها في أذونات الخزانة الأمريكية، ويقدر بنحو 5.6 ترليون دولار أمريكي، أي ما يعادل نحو ثلث الدين الحكومي الأمريكي، نصيب الصين بمفردها منه نحو 1.28 ترليونًا، أما الدول المصدرة للنفط مجتمعة (بما فيها نحن) فحصتها نحو 258 مليار دولار حتى يوليو 2013 وفقًا لإحصائيات رسمية صادرة عن الخزانة الأمريكية.

مبررٌ أن يقلق الأمريكان ومعهم العالم من لعبّ الكونجرس بالنار -على حدّ تعبير وزير الخزانة- فأذونات الخزينة الأمريكية أضحت بمثابة حصالة العالم التي ليس من مصلحة أحد أن تُهشم، لكن ليس مبررًا ألا نشعر نحن بشيء من القلق فأموالنا داخل تلك الحصالة.

نقلا عن جريدة اليوم