تصريحات وأخبار متباينة نسمعها باستمرار مابين من يرى أن الغاز الصخري سيكون له تأثير سلبي على صناعاتنا البتروكيماوية وطرف آخر لا يرى ذلك الأثر إطلاقاً بل يعتبر أن قدرة شركاتنا على المنافسة ستبقى قائمة بسبب التحفيز الكبير الذي تحظى به هذه الصناعة الإستراتيجية باقتصادنا الوطني ومما لاشك فيه أن لكل طرف مبررات لوجهة نظره فمن يرى التأثير السلبي قادم لا محالة ينظر إلى تكاليف الغاز الصخري التي انخفضت إلى مستويات تتراوح مابين 4 إلى 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بالمقياس البريطاني وأن تكلفة اشتقاق غاز الايثان ستكون منخفضة أيضا مما أتاح لعودة الروح لصناعة البتروكيماويات بأميركا تحديدا وهذا بدوره سيضيف طاقات إنتاجية كبيرة خلال الخمس السنوات القادمة وسيسمح لها بالمنافسة من جديد بأسواق آسيا وداخل أمريكا نفسها التي تراجع إنتاج البتروكيماويات فيها خلال العقدين الماضيين.
ومع قدرة شركات أمريكا العملاقة على تطوير تقنيات الإنتاج وكذلك إمكانياتها التنافسية بالجودة وتكاليف التشغيل والتسويق فستكون قادرة على ابتلاع حصص من السوق العالمي وهذا بدوره سيكون على حساب شركات أبرزها الخليجية كون الكثير من الشركات بأوروبا واليابان تحديدا لن تستطيع أن تنافس لكونها تعتمد على النافتا بالتكسير لاستخراج الايثان والذي ترتفع تكلفته عن الغاز الطبيعي أو الصخري بأربع أضعاف وحتى إن الكثير من الشركات أقفلت وحدات التكسير لديها لارتفاع التكاليف وعدم الجدوى الاقتصادية في هاتين المنطقتين من العالم ومع ضعف تعافي الاقتصاد العالمي فإن المنافسة تصبح شرسة ونتائجها بالتأكيد خروج بعض المصنعين من الأسواق .
وبما أن المصنعين بالخليج عموما مستوردين للتقنية فإن منافستهم ستكون فيها صعوبات بالإضافة لعوامل أخرى يرونها عامل ضغط على تنافسيتهم كالقدرة على التوسع بإنتاج الغاز لمواكبة الطلب عليه بالوقت المناسب لتطلعات المصنعين أو المستثمرين لزيادة إنتاجهم أو تأسيس مصانع جديدة وكذلك النية لرفع أسعار اللقيم الذي جرى الحديث عنه منذ عدة سنوات ولم يطبق إلى.الآن.
لكن وجهة النظر الأخرى التي لا ترى أي سبب يدعو للقلق من هذه المنافسة المحتملة على صناعة البتروكيماويات الوطنية تستند على أسس عديدة أيضا فالتحفز القائم حاليا متعدد ومتنوع فسعر المليون وحدة حرارية المباعة للمصنعين من الغاز يبلغ 75 سنت وهي بعيدة كثيرا عن تكلفة نظيرتها من الغاز الصخري على المصنعين الذين يعتمدون عليه حاليا ومستقبلا وحتى مع احتمال رفع السعر المقترح إلى 1،25 دولار لكل مليون وحدة حرارية أيضا سيبقى بعيد وهذا التحفيز بسعر اللقيم يضيف ما لا يقل عن 30% أرباح للشركات الوطنية كما أن توفير البني التحتية من الحكومة وتكاليف الانتفاع منها الرخيصة للمصنعين تضيف تنافسية عالية أيضا بالإضافة للتمويل من الصناديق الحكومية الذي أضاف الكثير من القدرات لإنشاء مصانع بتكاليف أقل من حيث سرعة وفرة التمويل وتكاليف خدمته المنخفضة يضاف لها رخص تكاليف الطاقة والخدمات بالمملكة وكذلك رخص تكاليف الأيدي العاملة كما أن إزاحة منافسين عالميين كما ذكرت بالفقرة السابقة سيكون عامل دعم إضافي لتنافسية الطلب على منتجاتنا بالإضافة للموقع الجغرافي المتوسط عالميا والقدرة على الوصول للأسواق بسرعة وتكلفة أقل للمستورد.
وتشير دراسات إلى أن سعر الغاز لن يبقى رخيصا عند دخول المصانع المنتجة عالميا خصوصا بأمريكا لأن الطلب سيرتفع قياسا بالعرض الذي زاد قبل التوجه لإنشاء مصانع جديدة والتي ستدخل الإنتاج عالميا خلال سنوات قليلة وهذا بدوره سيدعم ربحية شركاتنا لأن الأسعار للمنتجات سترتفع ولكن ستبقى تنافسية المنتجين من خلال تكسير النافتا المشتقة من النفط ضعيفة بخلاف عوامل أخرى كالتوجه للصناعات التحويلية بالمملكة والتي ستسحب جزءا من الإنتاج المحلي بدلا من تصديره وسيعزز من تنوع الأسواق للمصنعين المحليين.
من الواضح أن هناك مبالغة إلى حد ما بتأثير الغاز الصخري بأمريكا أو العالم على الصناعة المحلية لأن الأسواق الناشئة تتوسع كثيرا بالطلب ولن يضر اعتماد أمريكا أكثر على إنتاجها المحلي بصناعاتنا لأن هناك أسواقا أقرب ستعوضهم ولكن ما يبرز حقيقة الحاجة إلى أن تقوم الشركات بالعديد من الحسابات المستقبلية فالتفكير بالاندماجات والاستحواذات يعد من أهم الخطوات نحو تنافسية أكبر وكذلك يفترض أن لا تنظر الشركات القائمة أو التي يتوقع تأسيسها إلى التحفيز بأسعار اللقيم كعنصر أساسي وحيد لجدوى المشروع فالنظر لسنوات طويلة قادمة يستوجب التوقع باحتمال حدوث تغيرات كبيرة بالأسعار خصوصا أن هذه الثروة هي ملكية عامة وبيعها بأسعار السوق له مردود أوسع على الاقتصاد كما أن الشركات الحالية أو القادمة يفترض أن تصب تفكيرها على الصناعات التحويلية النهائية للاستفادة من الإنتاج المحلي الكبير من المواد الأساسية والوسيطة والتي وصلت المملكة بحجمها إلى مصافي العشر الكبار عالميا بالإنتاج فتطوير الأداء التشغيلي وشراء التقنية والعمل على تطويرها أو اختراعها وتكوين كيانات كبيرة هو السبيل لتنافسية عالمية قوية يدعمها التحفيز الحكومي كعنصر إضافي لرفع هوامش الربحية وليس كأساس للمنافسة لأن البيع يبقى بأسعار دولية بينما التفوق يبقى برفع كفاءة التشغيل للمصنعين المحليين وإلا لماذا تأتي شركات عالمية كداو كيميكال الأمريكية وغيرها للشراكة والاستثمار محليا إذا كانت تنظر إلى أن التنافسية للمنتج السعودي ستكون ضعيفة؟
نقلا عن جريدة الجزيرة
شكرا جزيلا للكاتب ، موضوع مهم وضع الكاتب جميع وجهات النظر والإحتمالات وبين وجهة ظرة وإقتراحاته
استخدام تقنيات الانتاج والتسويق الأحدث والمراهنة على ديناميكية وشفافية الادارة سيكون هو الفيصل....وهذه ليست في صالح المنتجين الخليجيين.