أكثر من خمسة آلاف خطأ طبي سجَّلت في السنوات الثلاث الماضية، عرضت على الهيئات الشرعية المختصة بالفصل والحكم بهذا النوع من القضايا ومن المهم أن نعلم أن هذا العدد هو ما وثق رسميًّا بشكاوى من المتضررين وذويهم بمعنى أن هناك أخطاءً تحدث ولا يتم التقدم بشكوى ضد المنشأة أو الموظف المختص طبيًّا المتسبب بها وهذا يعني ضرورة أن ترفع مستويات الرقابة والتدقيق أكثر مع التوعية للمواطنين والمقيمين بضرورة تسجيل شكاواهم على أيّ خطأ طبي مهما كان حجمه.
وبداية فإنَّ الأخطاء الطّبية ليست استثناء في المملكة، بل هي ظاهرة عالميَّة وتسجل بدول متقدِّمة كأمريكا أرقام كبيرة من الأخطاء سنويًّا تصل إلى مائة ألف حالة تفوق تكلفتها الثلاثين مليار دولار لكن ذلك لا يعني تبريرًا للأخطاء والتساهل بالتعاطي الإحصائي والإعلامي معها، فما يجب أن يطبِّق عمليًا هو التوثيق لكل حالة، فمن خلال حصر الأخطاء ونوعيتها سيتطوّر مستوى الخدمة الطّبية لأنَّه سيعالج أسباب الخلل الذي يُؤدِّي لهذه الحالات وكذلك تقييم دقيق لمستوى المنشآت الطّبية والعاملين بها.
ولتحسين مستوى جودة الخدمة الطّبية لا بُدَّ وأن يأخذ بعين الاعتبار مجمل الأسباب المؤدية لحدوث الخطأ الطّبي سواء مستوى المنشأة من حيث التجهيزات ومستوى تأهيل الكادر الطّبي والفني وحجم الضغط على الطّبيب بحيث لا يسمح له بمعاينة عدد يفوق طاقته إلا أن أيّ تطوّر يحدث بجودة الخدمة يتطلب أيْضًا تطوَّرًا لمستوى وأسلوب الرقابة الطّبية وانتشارها ليكون عاملاً وقائيًّا يقلل كثيرًا من إمكانية حدوث هذه الكوارث التي تصل لمرحلة من الضرر كبيرة جدًا، فقد برزت تقديرات بأن حالات الوفاة المشكوك بأن خطًا طبيًّا يقف خلفها وصل عددها إلى 2500 حالة سنويًّا.
وللوقوف على انعكاسات الأخطاء الطّبية لا بُدَّ من التركيز على دراسة الأضرار الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي تحدثها الأخطاء لتقدير آثارها وأبعادها على المريض المتضرر الذي يبقى حيًا وتلازمه آثار الضرر أو المتوفى وما يترتَّب على أسرهم معنويًّا وماديًّا لكي يكون معوضًا لجزئية وجانب من الضرر ولو أن الوفاة والاعاقة لا يعوّضها شيء لكن يبقى التعويض الجيد مخففًا لبعض الآثار السلبية التي تنعكس على المريض المتضرر وأسرته.
إن الوصول لذلك يتطلب إعادة النظر بالتشريعات والقوانين الناظمة لمعالجة الأخطاء الطّبية وأضرارها ولا يكفي إقرار التأمين على أخطاء المهنة بل يجب القفز لتقديرات واقعية تأخذ بعين الاعتبار احتواء السنوات الطويلة التي يبقى فيها الأثر الكارثي على المريض وأسرته وكذلك على تقدير حجم الهدر بالعلاج والتشخيص وكذلك استمرار احتياج بعض الحالات للعلاج والمتابعة مدى الحياة فكلها خسائر كبيرة وهدر ليس له مبرر لو تَمَّ التحوط بصورة أكبر من خلال الرقابة الصارمة ويكفي أن نذكر نوعية من الأخطاء لحالات تَمَّ تشخيصها بان لديها أمراضًا خطيرة كالسرطان واتضح بعد رحلة علاج مضنية أن التشخيص كان خاطئًا من البداية وبعضهم خضع لعمليات جراحية مازالت آثارها الكارثية تلازم المرضى فهل حصلوا على ما يخفف معاناتهم بالقدر المناسب معنويًّا وماديًا ومن سيتحمَّله كاملاً؟
نقلا عن جريدة الجزيرة
اللهم اجرنا في مصيبتنا