استعرضت في عدة مقالات تجربتي النرويج وتشيلي في إدارة اقتصادهما وهما الدولتان اللتان تعتبران من بين أبرز دول العالم الغنية بالموارد الطبيعية كفاءة في إدارة إيرادات تلك الموارد، يدل عليه أداؤهما المتميز جدا في مؤشر حاكمية الموارد Resource Governance Index 2013، الصادر عن معهد مراقبة الإيرادات Revenue Watch Institute، حيث احتلت النرويج المرتبة الأولى على مستوى العالم بينما جاءت تشيلي في المرتبة الثامنة.
وقد كان من أبرز ما حافظت عليه النرويج وتشيلي هو استقرار معدلات الإنفاق الحكومي بوضعها الأطر التشريعية التي تقيد إمكانية رفع معدلات الإنفاق الحكومي، ما مكنهما من المحافظة على استقرار اقتصادهما بما في ذلك استقرار معدلات التضخم ومعدلات النمو الاقتصادي، وحمتا اقتصادهما من حدوث هيمنة مبالغ فيها للقطاع الحكومي على النشاط الاقتصادي، بصورة تضعف من أداء القطاعات الأخرى وتحد من قدرتها على المحافظة على دور مهم متنامي في النشاط الاقتصادي.
المشكلات التي نعاني منها حاليا المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم بصورة لا تبررها مستويات التضخم عالميا، إلى جانب إشكالات اقتصادية عدة من بينها مشكلة الإسكان وتزايد الفقر والتباين في مستويات الدخل في المجتمع، كلها مؤشرات تظهر أن مبالغتنا في زيادة الإنفاق الحكومي خلال السنوات القليلة الماضية لم تكن جميع نتائجها إيجابية، من ثم فنجن بحاجة إلى مراجعة سريعة لسياسات الإنفاق بشكل يضمن تحقيق استقرار في هذا الإنفاق بل حتى تخفيضه عن معدلاته الحالية المرتفعة.
فالإنفاق الحكومي في المملكة الذي لم يتجاوز 295 مليار ريال عام 2005 وصل في عام 2012 إلى 853 مليار ريال، أي بزيادة هائلة بلغت نسبتها 190% في 7 سنوات فقط، أي أنه ارتفع بمتوسط سنوي بلغ 27%، ومن المؤكد أن هذا الإنفاق سيتجاوز هذا العام حاجز ال 900 مليار ريال دون أدنى شك.
ومن المؤكد أنه من الصعوبة بمكان أن يستوعب اقتصاد ما مثل هذه الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي وفي مثل هذه الفترة الوجيزة، ومن الطبيعي أن ينتج عنه ارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم، وأن تتضخم أسعار الأصول العقارية والمالية، وأن ترتفع تكلفة المشاريع على الدولة بصورة تحد من كفاءة وجدوى هذا الإنفاق، وأن تزداد حدة التفاوت في مستويات المعيشة كون شريحة واسعة في المجتمع أصبحت غير قادرة على زيادة دخولها بنسبة تكفي للحد من تأثير السلبي لارتفاع معدلات التضخم على مستويات معيشتها.
والحقيقة أن أي نمو إضافي في الإنفاق الحكومي خلال المرحلة القادمة سيزيد من التأثيرات السلبية لهذا الإنفاق ويقلل من التأثيرات الإيجابية له، ما يجعل من الضروري جدا وقف هذا النمو في الإنفاق العام، بل حتى بذل كل جهد ممكن للحد من معدلاته الحالية لترتفع كفاءته وجدواه ويصبح هناك مجالا أوسع للقطاعات الأخرى في الاقتصاد لتنمو وتضطلع بدور أكبر في النشاط الاقتصادي وفي توظيف الموارد البشرية، فهذه القطاعات هي ما سيبقى لنا عند نضوب النفط وهي المرحلة التي يجب أن نعنى بالاستعداد لها الآن وقبل فوات الأوان.
نقلا عن جريدة الجزيرة
انفاق حكومي جبار و توسع كبير من قبل البنوك السعودية في اعطاء القروض الشخصية وانفجار سكاني مستورد (عمالة) كل هذا جعل من التضخم كابوس مرعب يجثم فوق صدور السعوديين ليل نهار ويجعلهم في رعب دائم من المستقبل المجهول.
مقال جميل وواقعي