هل ازداد السعوديون فقراً

11/09/2013 40
عصام الزامل

سؤال يتكرر دائما، ويدور في المجالس والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعية عبر الانترنت، هل ازداد السعوديون فقرا؟ هل أصبحت تكاليف المعيشة أعلى على رب الأسرة، هل تآكلت القوة الشرائية للطبقة المتوسطة؟ وتآكلت معها الطبقة المتوسطة؟ الحقيقة التي لا تخطئها العين أن تكاليف الحياة ارتفعت بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية. والحقيقة الأخرى أن مستويات الرواتب والدخول لم ترتفع بشكل ملحوظ يوازي الارتفاع الذي شهدته أسعار السلع والخدمات والعقار خلال الثلاثة عقود الماضية. ولا يختلف اثنان أن المواطن الذي يعمل موظفا حكوميا في بداية الثمانينات لن يجد صعوبة في توفير تكاليف الزواج وامتلاك منزل وسيارة، بل قد يتمكن من ادخار جزء من دخله للاستثمار في سوق الأسهم أو العقار.

"الطبقة المتوسطة لم تنكمش ولكن طموحها ازداد" بهذه الكلمات رد وزير الاقتصاد محمد الجاسر على سؤال يتعلق بانخفاض مستوى دخل المواطن، وأكد الوزير أن لديهم دراسات تثبت ذلك، قبل أن نوضح حقيقة ما قاله الوزير، أود أن أشير أن الطبقة المتوسطة هي مسألة نسبية، بالتالي الطبقة المتوسطة قد لا تنكمش أبدا، حتى لو انخفض متوسط الدخل للمواطنين بنسبة كبيرة. لأن الطبقة المتوسطة يتم احتساب دخلها من خلال مقارنتها ببقية الدخول لكل طبقات المجتمع، حتى الدولة الفقيرة لديها طبقة متوسطة ولكن مستوى معيشتها سيكون أقل بكثير من مستوى الطبقة المتوسطة في دولة غنية. لذلك المعلومة الأدق التي نبحث عن إجابة لها من معالي الوزير، هل انخفض وانكمش متوسط دخل الطبقة المتوسطة خلال الثلاثة عقود الماضية أم لا.

إذا كانت الشواهد للمواطن البسيط تدل وبوضوح أن القوة الشرائية لمتوسط الدخل تآكلت بشكل كبير، فإن الأرقام الاقتصادية تثبت ذلك أيضا. في المقالات السابقة، تحدثنا عن طريقة حساب الناتج المحلي الإجمالي ثم طريقة تصحيح هذا الرقم ليأخذ بالحسبان مستوى التضخم وفوارق أسعار اصرف العملة، وبعد التصحيح يمكننا تقسيم هذا الرقم على عدد السكان لنخرج بالناتج المحلي الحقيقي للفرد وهو أحد أهم الأرقام التي تعكس مستوى المعيشة والإنتاجية والتقدم الاقتصادي لأي بلد. كما أنها تقيس مستوى النمو الحقيقي ويمكن استخدام الرقم للمقارنة بين أكثر من دولة لمعرفة الدول الأكثر والاسرع نموا.

البنك الدولي يقوم سنويا بنشر أرقام الناتج المحلي الحقيقي للفرد في كل دول العالم، كما يوفر البنك البيانات التاريخية لكل دولة لعشرات السنوات، أرقام البنك تشير إلى أن الناتج المحلي الحقيقي للفرد في السعودية عام 1980 كان يتجاوز 126 ألف ريال، أما في عام 2011 – وهي آخر سنة نشرت فيها الأرقام –فقد كان الناتج المحلي الحقيقي للفرد في السعودية لا يتجاوز 82 ألف ريال. أي أن الناتج المحلي الحقيقي للفرد في السعودية انخفض بنسبة تصل لحوالي 35%، أما في السنوات العشرين الماضية فلا يكاد يكون هناك أي نمو يذكر في الناتج المحلي الحقيقي للفرد. لنقارن هذه الأرقام مع أرقام كوريا الجنوبية، الناتج المحلي الحقيقي للفرد في كوريا في عام 1980 كان أقل من 21 ألف ريال سعودي (أي أقل من خمس الناتج المحلي الحقيقي للفرد في السعودية في 1980)، وهذا يفسر وجود عمالية كوريا في السعودية في تلك الفترة، وفي عام 2011 تجاوز الناتج المحلي للفرد في كوريا 100 ألف ريال سعودي (أي أكثر من الناتج المحلي الحقيقي للفرد في السعودية بنسبة 20% تقريبا). الناتج المحلي للفرد في كوريا ارتفع بنسبة 400% خلال الثلاثين سنة الماضية. في المقابل انخفض الناتج المحلي للفرد في السعودية بنسبة 35%. في أمريكا وألمانيا ارتفع الناتج المحلي الحقيقي للفرد خلال ثلاثين سنة حوالي 66%. وفي تركيا ارتفع أكثر من 125%، بل أن الناتج الحقيقي للفرد في العالم كله، بدوله الفقيرة والغنية، ارتفع بمعدل 70% خلال الثلاثين سنة الماضية.

وحتى تكون الصورة أكثر جلاء، فقد كانت السعودية عام 1980 تحتل المرتبة الرابعة كأكبر ناتج محلي حقيقي للفرد في العالم، وفي عام 1990 انخفض ترتبينا للمرتبة الثامنة والعشرين، ثم شهد ترتيبنا مزيدا من الانخفاض في عام 2000 ليصل للمرتبة الثالثة والخمسين، وأخيرا وصل الترتيب في عام 2010 إلى ثلاثة وأربعين. خلال ثلاثين سنة، أكثر من 39 دولة تجاوزتنا في سباق التنمية الاقتصادية، غالبية هذه الدول ليس لديها دخل نفطي أو مورد طبيعي يضمن لها رؤوس الأموال التي تبني من خلالها البنية التحتية وتحسن والتعليم وتدعم الإنتاج والتصنيع، ورغم هذا استطاعت تلك الدول أن ترفع من دخلها سنة بعد سنة.

قتامة الصورة لا تقتصر على أن الناتج المحلي الحقيقي للفرد انخفض كثيرا، وأن كثيرا من الدول تجاوزتنا، ولكن المؤلم أنه حتى الناتج المحلي الحالي الذي انخفض، لا يعكس إنتاجية حقيقية، وإنما هو انعكاس لما تصدره الدولة من نفط وما تستهلكه داخليا. اقتصادنا ما زال يعتمد وبشكل شبه كامل على مداخيل النفط، لقد فشلنا في أن ننوع اقتصادانا ونتحرر من اعتمادنا على مصدر وحيد للدخل وهو النفط. إذا كان ناتج الفرد قد انخفض 35% خلال ثلاثين سنة وترتيبنا على العالم تراجع 39 مرتبة رغم أن أسعار النفط وصلت ذروتها في السنوات الأخيرة، وانتاجنا للنفط بلغ مستويات تاريخية، واستهلاكنا الداخلي له وصل لأرقام غير مسبوقة، فإن الناتج سيشهد مزيدا من الانخفاض لو تعرضت أسعار النفط لأي انخفاض، أو لو ازداد استهلاكنا الداخلي لمستويات أكبر تمنعنا من تصدير كمية كافية من النفط وتقلل عوائد مصدر دخلنا الرئيسي وهو تصدير النفط. وفوق كل ذلك، فإن توزيع الثروة ومستويات الدخل ازداد التفاوت فيه، فبينما كان غالبية المواطنين يعملون في القطاع الحكومي ويستلمون مرتبات متقاربة، تضاءلت فرص العمل في القطاع الحكومي وبدأ التركيز على استقطاب العمالة الوطنية في القطاع الخاص، حيث يحصل موظف القطاع الخاص على مرتبات أقل بكثير (قد تصل لنصف معدل ما يحصل عليه موظف الحكومة)، وهذا يعني نشوء شريحة جديدة من المجتمع تعيش على مستوى دخل أقل من المستوى السائد. الأمر الآخر أن النمو العالمي المستمر – حتى في الدول الفقيرة – سيعني حتما ارتفاع أسعار السلع والخدمات في العالم، وبما أننا نعتمد بشكل شبه كامل على استيراد كل ما نستهلك، فإن ذلك سيزيد من الضغوط التضخمية وتتآكل معها القوة الشرائية للمواطن.

لا خيار لنا، إن أردنا الخروج من تلك الدوامة، إلا بتسريع عجلة النمو الاقتصادي الحقيقي، وليس النمو الاقتصادي القائم على زيادة الدعم الحكومي غير المستدام أو الإنفاق الحكومي المرتبط بزيادة عوائد النفط، عندما يشتكي الناس عبر تويتر وعبر وسائل الإعلام من انخفاض الرواتب وأنها لا تكفي الحاجة، فشكواهم حقيقية ومبررة ولكن ما يعانون منه هو عرض من أعراض المرض الاقتصادي الذي نعانيه، والشكوى التي يجب أن تتجه لها البوصلة هي أن (النمو الاقتصادي لا يكفي الحاجة)، النمو الاقتصادي الحقيقي هو الذي سيرفع مستوى الدخل ويحسن المستوى المعيشي للمواطنين، وهو الذي سيضمن لنا وللأجيال القادمة – بإذن الله – حياة كريمة ورفاهية غير مرهونة بمؤشر أسعار النفط أو تآكل انتاجه بسبب الاستهلاك المحلي.

رسم بياني يوضح مستوى النمو للناتج المحلي الحقيقي للفرد خلال الثلاثين سنة الماضية لكل من السعودية (الخط الأحمر) وأمريكا (الخط الأزرق) وكوريا الجنوبية (الخط البنفسجي)

ترتيب السعودية بين دول العالم في الناتج المحلي الحقيقي للفرد (عام 1980) 

ترتيب السعودية بين دول العالم في الناتج المحلي الحقيقي للفرد (عام 2011)