الحساسية المفرطة للبورصات العربية في الأزمات

22/08/2013 0
عامر ذياب التميمي

تأتي المشاكل السياسية والأوضاع الأمنية في أكثر من بلد عربي لتنعكس سلباً على أداء الأسواق المالية وتداولاتها، ليس فقط في البلدان العربية ذات الصلة ولكن في بلدان عربية أخرى، ربما تكون بعيدة جغرافياً. ومنذ بداية «الربيع العربي» آخر 2010 وأول 2011 يعاني العديد من البلدان العربية حالاً من عدم الاستقرار السياسي والأمني أدت إلى تراجع النشاط الاقتصادي وتقلص حجم الاستثمارات المباشرة وتدفقها.

وهناك بلدان مثل تونس ومصر وسورية واليمن تعرضت إلى تراجع في التدفقات المالية الناتجة من الإيرادات السيادية المتمثلة بمداخيل السياحة أو الصادرات السلعية أو غيرها من مداخيل مرتبطة بالنشاطات الاقتصادية في هذه البلدان. لذلك ليس مستغرباً أن تواجه الأسواق المالية تراجعات في التداول أو انخفاضات في قيم الأوراق المالية المتداولة.

وهناك العديد من الشركات المدرجة في تلك الأسواق التي تعطلت قدرتها على تحقيق إيرادات ومن ثم أرباح تشغيلية ولذلك لا بد من أن يؤدي ذلك إلى تدني ثقة المستثمرين والمتداولين في هذه الأوراق المالية المسعرة. ونتج من تدني الأسعار وانخفاض التداولات تراجعاً في القيم الرأسمالية لعدد من الأسواق المالية العربية في مصر وتونس وسورية وغيرها.

لا تتمتع الأسواق المالية العربية بالمعطيات المتوافرة في نظيرتها في البلدان الصناعية المتقدمة، أو حتى تلك القائمة في الاقتصادات الناشئة، فالأسواق العربية تفتقر إلى البنية المؤسسية والقانونية الملائمة. وهناك غياب للشفافية بدرجة مهمة وليس هناك من صناع للسوق يستطيعون السيطرة على الارتفاعات والتراجعات في حركة الأسعار والمؤشرات.

يضاف إلى ذلك أن كثيراً من الأسواق المالية العربية لا تتمتع بالعمق، بمعنى إنها لا تعكس العمل الاقتصادي الشامل في البلاد، نظراً إلى عدم إدراج شركات ومؤسسات عديدة عاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية في السوق المالي. وكثير من الشركات النشطة شركات فردية أو ذات مسؤولية محدودة وليست شركات مساهمة عامة أو مقفلة تتحقق ملكيتها بموجب أسهم يجري تداولها في الأسواق المالية.

وهكذا تظل شركات نشطة كثيرة خارج إطار التداول بما يحرم السوق المالية من الاستفادة من إبراز قدرة هذه الشركات على تحقيق نتائج جيدة. وتؤكد هذه المسألة استمرار الأوضاع المؤسسية المتخلفة، أو البدائية، التي تحكم الأعمال الاقتصادية في بلدان عربية عديدة، كما أن هيمنة القطاع العام على النشاطات الرئيسة في هذه الاقتصادات لا تؤمّن القدرة على إدراج الشركات الرئيسة في الأسواق المالية.

جعلت هذه التطورات السياسية الراهنة والأوضاع المؤسسية العديد من الأسواق المالية ذات تأثيرات محدودة في الحياة الاقتصادية. فالمسألة الأمنية، ربما، دفعت المستثمرين إلى تسييل الأصول المسعرة والرحيل بالأموال إلى مواقع أكثر أمناً وقدرة على تحقيق العائد المناسب والمستقر. وثمة من يظن بأن الأوضاع الراهنة تؤمّن فرصاً استثمارية جيدة تمكّن من اقتناء الأسهم بأسعار مهاودة لجني الأرباح الرأسمالية بعدما تستقر الأوضاع السياسية والأمنية ومن ثم تنتعش الحياة الاقتصادية بما ينعش النشاط في الأسواق المالية.

هذه المقاربات قد تكون سليمة ومتناسبة مع التوجهات المضاربة التي تهيمن على نسبة مهمة من المتداولين والمتعاملين في هذه الأسواق المالية، ولكن هل يمكن أن تتناسب مع التوجهات الاستثمارية الهادفة إلى تحقيق عائد ملائم ومستقر من اقتناء الأوراق المالية؟

إن الأسواق المالية العربية التي لا تزال بعيدة من التطور وتفتقر إلى التنظيم المؤسسي الملائم، ولا ترصد حركة العمل الاقتصادي في شكل كاف لابتعاد العديد من المؤسسات والشركات عن الإدراج فيها، تتطلب عمليات تطوير وإصلاح واسعة النطاق وتفرض على الجهات المنظمة التعجيل في الارتقاء بأوضاعها بما يمكنها من تأمين ملاذات آمنة لأموال المستثمرين.

قد لا تكون الأسواق المالية العربية هي الوحيدة التي تواجه مشكلات السياسة والأمن، فحتى الأسواق المالية المتقدمة تتأثر بمعطيات الأوضاع السياسية والأمنية. لكن في البلدان المتقدمة ثمة معطيات تمكّن من السيطرة على المشكلات غير الاقتصادية نظراً إلى استقرار الأنظمة والبنية المؤسسية التي تحكم هذه البلدان. والبلدان العربية التي تواجه مشكلات مستمرة قد لا تستطيع أن تتجاوز محنها خلال زمن قصير لأسباب موضوعية تتعلق بدرجة الوعي الاجتماعي والاستقطابات الدينية والفئوية غير السليمة والمزمنة.

وبات على الأنظمة السياسية الجديدة أن تطور الأوضاع المؤسسية الواعدة التي قد تؤدي إلى تحصين العمل الاقتصادي من الاضطرابات المزمنة وتعزز إمكانيات استقرار الأسواق المالية وانتعاشها. يتوقع المتفائلون أن ما يجري في العالم العربي، خصوصاً في البلدان الكبيرة والرئيسة، أمر طبيعي بعد الركود في الحياة السياسية والاقتصادية ولزمن طويل، ولذلك فالتحولات حتى لو نتج منها عنفوان واضطرابات وغياب موقت للأمن لا بد من أن تؤدي إلى تقنين لأوضاع أفضل ذات مردود على الحياة الاقتصادية.

كيف سيتعامل المتداولون والمستثمرون في الأسواق المالية خلال هذه الفترة؟ في الإجابة تحديات لهم وللأسواق لا بد أن تتمثل في تراجع المؤشرات وانخفاض قيم الأصول خلال فترة زمنية ليست قصيرة.