أزمة مصر اقتصادية وليست مالية

18/08/2013 1
أ. عمر الشنيطي

بعد عامين ونصف من المخاض السياسى، يعانى الاقتصاد المصرى من أزمة تزداد حدتها مع تعقد الأوضاع السياسية والتى وصلت إلى وضع متأزم. و على الرغم من تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها الاقتصاد الحقيقى إلا أن القطاع المالى مازال حتى الآن فى مأمن من هذا التدهور المتسارع.

يطلق مصطلح الأزمة الاقتصادية على إصابة الاقتصاد الحقيقى بالتباطؤ فى النمو والذى قد يؤدى فى بعض الأحوال إلى إنكماش الاقتصاد. وينعكس ذلك عادة على ارتفاع معدلات البطالة ليدخل الاقتصاد فى حالة من الركود. وقد يتزامن ذلك مع ارتفاع فى الأسعار لأسباب مختلفة قد يكون منها تدهور العملة والذى يؤدى إلى ركود تضخمى.

على الصعيد الآخر، يطلق مصطلح الأزمة المالية على إصابة القطاع المالى بأزمة تؤدى إلى انخفاض حاد فى قيمة الأصول المالية مثل العقارات أو الأسهم أو القروض المصرفية. عادة ما يأتى هذا الانخفاض نتيجة وجود فقاعة فى السوق تشهد خلالها أسعار الأصول المالية ارتفاعات غير منطقية ثم تنهار بعد ذلك. وقد تنخفض قيمة الأصول المالية أيضا نتيجة الركود الاقتصادى وانخفاض الطلب بشكل عام.

دائما ما يخلط الناس بين الأزمة الاقتصادية والأزمة المالية لكنهما فى الواقع مختلفتان، حيث تضرب الأزمة الاقتصادية الاقتصاد الحقيقى من زراعة وصناعة وتجارة بينما تضرب الأزمة المالية الأصول المالية المختلفة. وقد يعانى الاقتصاد من وقت لآخر من إحدى الأزمتين لكنهما قلما تتزامنا. وفى حالة تزامنهما، فإن الاقتصاد يمر بوضع حرج قد يحتاج لإجراءات استثنائية.

إذا نظرنا إلى حال مصر، نجد أن الاقتصاد يواجه أزمة اقتصادية منذ ثورة يناير ٢٠١١ تزداد بمرور الوقت بسبب عدم الاستقرار السياسى والاعتصامات المستمرة التى عرقلت عملية الإنتاج ورفعت من خطورة الاستثمار ودفعت السياحة للركود، مما أدى إلى تباطؤ النمو وارتفاع البطالة خلال العامين ونصف المنصرمين.

وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة فى عجز الموازنة والتى اعتمدت الحكومة فى تمويله على الاقتراض المحلى مما أثقل كاهل البنوك المحلية التى توجه جزءا كبيرا من مواردها لتمويل عجز الموازنة على حساب تمويل المشرعات و هو ما يزيد بدوره من حدة الركود. وقد صاحب ذلك الركود تضخما كبيرا بسبب انخفاض قيمة الجنيه.

لكن على الرغم من الأزمة الاقتصادية المتصاعدة إلا أن القطاع المالى ما زال بحالة جيدة حيث إن الأصول المالية من عقارات وأسهم فى البورصة وقروض مصرفية يتم تداولها بأسعار منطقية، بل فى كثير من الأحوال بأسعار منخفضة مما يجعل وجود فقاعة على وشك الانهيار احتمالا ضعيفا.

وإذا نظرنا إلى القطاع المصرفى باعتباره أحد المصادر المحتملة للأزمة المالية، نجد أن المؤشرات الكلية للقطاع طبقا لبيانات البنك المركزى فى الربع الثانى من ٢٠١٣ ما زالت فى نطاق مطمئن حيث تبلغ القروض المتعثرة ١٠٪ من إجمالى القروض ومخصصات القروض ٩٧٪ من إجمالى القروض المتعثرة، مما يعنى أن القروض المتعثرة مغطاة بالكامل عن طريق المخصصات ولا يوجد قلق حقيقى من مخاطرها.

بشكل كلى، نجد أن إجمالى أصول القطاع المصرفى بلغت حوالى ١٬٥٥٠ مليار جنيه يتم تمويلها عن طريق ودائع بنسبة ٧٤٪ ورأس مال ومخصصات للبنوك بنسبة ٢٦٪. ويتم استخدام هذه الأصول فى تمويل عجز الموازنة من خلال السندات والأذونات الحكومية بنسبة ٤٢٪ وتمويل الشركات والأفراد من خلال القروض بنسبة ٣٥٪ (و هو ما يجعل القروض تمثل ٤٨٪ من إجمالى الودائع، بينما يتم استثمار النسبة المتبقية البالغة ٢٣٪ فى أصول أخرى أغلبها ذات طبيعة سائلة).

من ناحية أخرى، بلغت مجمل الودائع فى القطاع المصرفى حوالى ١٬١٥٠ مليار جنيه (٧٤٪ من إجمالى الأصول) و هى موزعة بين ودائع حكومية بنسبة ١١٪ وودائع لقطاعى الأعمال العام والخاص بنسبة ٢٠٪ وودائع للأفراد بنسبة ٦٩٪، وبالتالى فإن ودائع الأفراد تمثل ٥١٪ من إجمالى أصول القطاع المصرفى والجزء الأكبر من هذه الودائع مربوط فى حسابات توفير وودائع آجلة.

بناء على ذلك، يمكن القول بأن القطاع المصرفى فى وضع آمن مما يجعل دخول الاقتصاد فى أزمة مالية فى المستقبل القريب احتمالا ضعيفا. ولعل السبب فى ذلك هو التوجه المتحفظ الذى ينتهجه القطاع المصرفى وعملية إعادة الهيكلة التى حدثت فى العديد من البنوك قبل ٢٠١١ مما أوصل القطاع المصرفى إلى وضع جيد جعله قادرا على تحمل العبء الأكبر من تمويل عجز الموازنة.

وعلى الرغم من التدهور الاقتصادى المتوقع فى الفترة القادمة إلا أن القطاع المصرفى ما زال لديه القدرة على تمويل عجز الموازنة على المدى القصير وحتى المتوسط. لذلك فما يتم إثارته مؤخرا عن إفلاس البنوك وضياع حقوق المودعين لا أساس له من الصحة، حيث يضمن البنك المركزى ودائع البنوك كاملة ومن غير المنطقى أن يقف عاجزا أمام أزمة سيولة فى الجنيه وهو الجهة المصدرة له ولديه العديد من الأدوات للتدخل والتحكم فى الكمية المعروضة منه فى السوق.

الخلاصة أن الاقتصاد يعانى من أزمة اقتصادية بسبب عدم الاستقرار السياسى مما دفع الاقتصاد للدخول فى حالة من الركود التضخمى والتى تزداد حدته بمرور الوقت وتعقد الوضع السياسى خاصة بعد ٣٠ ــ يونيو. لكن هذا التدهور لم يصب القطاع المالى الذى ما زال متماسكا بسبب السياسية المتحفظة للقطاع المصرفى لسنوات ما قبل ٢٠١١ مما أعطاه القدرة على تحمل أعباء تمويل عجز الموازنة وأعفى الاقتصاد من مشقة مواجهة أزمة مالية فى المستقبل القريب.

 

نقلا عن بوابة الشروق