بلغت القيمة الرأسمالية لسوق الكويت للأوراق المالية نحو 31 بليون دينار (109 بلايين دولار).
ولا شك في أن هذه القيمة المهمة تحققت بعد أن أرتفع المؤشر السعري للسوق خلال الفترة المنصرمة من السنة بنسبة مؤثرة زادت على 20 في المئة.
وكان التداول كثيفاً في الشهور الماضية لكنه تركز على الأسهم ذات القيمة المتدنية، والتي تراجعت خلال السنوات الماضية إلى دون القيمة الاسمية، وهي 100 فلس للسهم.
لكن من جانب آخر فإن قيمة التداولات اليومية ارتفعت، وبعد أن كانت خلال العامين الماضين لا تزيد على 30 مليون دينار كمعدل يومي، أصبحت لا تقل عن الخمسين مليون دينار وزادت أحياناً عن معدل 100 مليون.
فالسيولة متاحة في النظام المالي وتبحث عن أدوات استثمار.
بيد أن التداولات ظلت متركزة على الأسهم المتدنية السعر والتي لم تثبت أنها حققت نتائج إيجابية خلال عام 2012 أو في ربع السنة الأخير المنتهي في 31 آذار (مارس) الماضي.
فالتداولات كانت مضاربة غالباً ولم تشهد السوق أي تداولات مهمة على الأسهم الرئيسية العائدة للشركات الأساسية والتي حققت نتائج جيدة العام الماضي أو في الربع الأول من العام الحالي.
لكن الشركات الرئيسية مثل البنوك وشركات الاتصال أو الشركات الصناعية والعقارية ظلت بعيدة عن التداول الكثيف.
استمرار التداول على الشركات ذات الأداء المتواضع حيّر المراقبين، فكيف يمكن للمستثمرين توظيف الأموال في هكذا شركات دون التدقيق في أدائها.
لقد كان الارتفاع اليومي لتلك الأسهم يتراوح بين 8 و10 في المئة ، لكن المبالغ الموظفة في أي من تلك الأسهم كانت محدودة قياساً إلى إجمالي قيمة التداول.
وربما كان الهدف من التركيز على هذه الأسهم من قبل المتداولين هو تحقيق أرباح رأسمالية مهمة وبأسرع وقت ممكن.
بطبيعة الحال هذا الأداء ليس حميداً أو لا يمكن أن يكون قادراً على الاستمرار ولا بد من أن يصيب السوق بحركة تصحيح حادة بعد حين.
ويتساءل مراقبون ومتداولون عن أسباب عزوف المحافظ المالية الرئيسية وكبار المستثمرين عن الولوج في السوق وشراء الأسهم الأساسية ودفع السوق إلى انتعاش حقيقي مؤكد وغير قابل للتراجع إلا بأسباب موضوعية وذات صلة بالأوضاع الاقتصادية والمالية والأداء التشغيلي للشركات المدرجة.
يعني ذلك أن غالبية المتداولين، حتى الآن، هم من صغار المستثمرين الذين يحاولون من خلال عمليات الأجل القصير تحقيق أرباح مناسبة قد تمكنهم من استرجاع الأموال التي خسروها خلال السنوات الخمس الماضية.
السوق المالية في الكويت، وإن تمتعت بعناصر جاذبة مثل توافر السيولة والأوضاع الاقتصادية والمالية الجيدة في البلاد والقوانين المعقولة، مازالت تعاني قصوراً في المحددات الهيكلية التي تجعلها أكثر ثباتاً واستقراراً.
وأهم ما تعاني منه، غياب صناع السوق المؤسسين حيث لا تزال المحافظ والصناديق الاستثمارية بعيدة عن لعب الدور المحوري في تحديد اتجاهات السوق صعوداً أو هبوطاً، أو تحديد الأموال المتدفقة للتوظيف في الأوراق المالية المدرجة فيها.
هذه المحافظ والصناديق التي تأسست منذ سنوات وتملك الأموال المناسبة، لا تزال بعيدة عن القيام بالدور الذي يقوم به صناع السوق في البورصات العالمية التقليدية.
ولا شك في أن تأسيس هيئة أسواق المال في الكويت قبل سنتين وقيامها بدور مهم في تحديد الأنظمة والشروط المتعلقة بالإدراج والتداول وتحديد أساليب الاستثمار الكبيرة، يمثل نقلة نوعية لإضفاء مزيد من التطور الهيكلي على السوق.
لكن هناك قصوراً في أداء هيئة أسواق المال يجب أن تتجاوزه، خصوصاً التأخر في تحويل سوق الكويت للأوراق المالية إلى شركة مملوكة من القطاع الخاص تخضع لمعايير السوق الطبيعية وتبتعد عن التدخلات السياسية.
وغني عن البيان أن السوق الكويتية تتطلب مزيداً من المهنية في الإدارة وتقويم الأصول وتحديد أساليب الاقتناء وتطوير آليات تمويل المتعاملين والمستثمرين من قبل النظام المصرفي.
تظل سوق الكويت للأوراق المالية البيئة الأكثر نشاطاً للمستثمرين حيث تمكن الكثير منهم من تحقيق أرباح رأسمالية مهمة على مدى السنوات الماضية، كما أن الكثير من المستثمرين تمكن من جني أرباح سنوية نتيجة احتفاظهم بأسهم شركات مهمة.
ومثّل هؤلاء، سواء كانوا مؤسسات عامة أو شركات خاصة أو رجال أعمال، أهم المساهمين أو أصحاب الحصص الكبيرة في الشركات الرئيسية مثل المصارف وشركات الخدمات والاتصالات والعقارات والصناعات التحويلية.
بيد أن المطلوب هو تطوير السوق بحيث تستوعب مزيداً من الشركات الخاصة، مثل الشركات العائلية، ومن الأوراق المالية المتنوعة المدرجة فيها ولا تقتصر على أسهم الملكية في الشركات، حيث يمكن أن تدرج السندات الحكومية والخاصة، ويكون هناك سوق ثانوية لتداولها.
وإذا تطورت آليات السوق وأدواتها، يمكن أن تصبح أداة لتقويم أفضل للأصول وترتفع قيمتها الرأسمالية بما يعكس الأوضاع المالية للبلاد في شكل أفضل.
في كل الأحوال، هناك كثير من المراقبين الذين يتطلعون إلى أداء أكثر فعالية لهذه السوق خلال النصف الثاني من العام الحالي وبعد أن تعلن الشركات المدرجة نتائجها خلال الشهرين المقبلين عن النصف الأول.
ربما تصدق التنبؤات ولكنها تظل محكومة بالتطورات السياسية المحتملة في البلاد وكيف يمكن تطوير الآليات السياسية لخدمة الانتعاش الاقتصادي وتحديث البنية القانونية التي تحكم العمل الاقتصادي، من خلال تشريعات جديدة أو تعديلات على القوانين القائمة.
نقلا عن جريدة الحياة