بعد فترة من التفاؤل التي سادت تركيا بشأن ترقية تصنيف سنداتها السيادية خلال الفترة الأخيرة من شهر مايو والحماسة التي سادت بين المستثمرين والتي أدت إلى ارتفاع في سوق الأسهم، شهدت تركيا اضطرابات وفوضى وتقلب في أسواق السندات والعملات وذلك بسبب الظروف التي تمر بها الأسواق المحلية والعالمية.
تراجعت مؤشرات الأسهم الرئيسية في تركيا يوم الأربعاء بأكثر من 15 بالمائة بعد الارتفاعات التي شهدتها أواسط مايو وكان معدل صرف اليورو مقابل الليرة مرتفعاً بنسبة 6 بالمائة ليصل إلى حوالي 2.50 ويقترب من المستويات المرتفعة التي شهدها طوال عدة سنوات.
أما على المستوى المحلي فقد شهدت تركيا فترة من الاضطرابات الملحوظة التي انتشرت بعد الحملة الشرسة التي شنتها الشرطة على المتظاهرين من المناصرين للبيئة في اسطنبول.
وهو ما تسبب في انتشار سلسلة من الاعتصامات ضد حزب العدالة والتنمية والاتجاه الذي يسلكه البلد في ظل قيادة هذا الحزب.
إن استجابة الحكومة المستغربة والتي تظهر عدم اهتمام والتقليل من أهمية الاعتصامات فاقم من ردود الأفعال والتظاهرات وأدى إلى انتشار التظاهرات المضادة.
ويأتي هذا كله كجزء من إشكالية طويلة الأجل عانت منها تركيا وهي تحاول تعريف نفسها، وخاصة فيما يتعلق بالعلمانية وتعاظم الإرادة نحو تحقيق شفافية وديمقراطية أكبر.
ولذلك يجب خلق تناغم بين نوعين من التطورات حتى تتمكن الاسواق التركية من الانتعاش: أولهما الوضع السياسي فهو يحتاج إلى تهدئة حتى تعود الأوضاع طبيعية، وذلك بالاتجاه أكثر نحو التهدئة من خلال التسوية بدل التهدئة من خلال زيادة السيطرة واتخاذ إجراءات صارمة والتدخل العنيف.
أما التطور الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول فيتمثل في الحاجة لتحقيق مزيد من الهدوء في الأسواق العالمية.
والمخاطرة التي تواجه تركيا في هذا تتمثل في مزيد من الضعف في التوجه العالمي نحو المخاطرة واستمرار الاضطرابات السياسية وهو ما قد يجعل الأسواق التركية عرضة بشكل خاص لهذه المخاطر بسبب الارتفاعات الشديدة التي شهدتها قبل بدء المظاهرات والاعتصامات.
إضافة إلى ذلك، سبق وأن كان البلد عرضة نوعاً ما لفترة من التداول بعيداً عن المخاطر التي يشهدها العالم والسبب في ذلك يرجع إلى عيب الحسابات الجارية الواسعة النطاق (أكثر من خمسة في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2012) وسياسة المصرف المركزي التي تتسم بميلها إلى إحداث تغييرات بالنظر إلى معدل التضخم.
ولذلك فإن الإجراءات التي سيتخذها المصرف المركزي في تركيا تعتبر عامل حسم مهم. لقد اختار البنك خفض أسعار الفائدة في حين بدأت عوائد السندات في أماكن أخرى ترتفع.
لقد كانت حركة الليرة قوية كفاية بحيث أن المصرف المركزي في تركيا سبق له أن وجد نفسه مجبراً على التدخل بعد يوم استثنائي من بيع الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي مع نشر جدول لعمليات بيع جديدة إن اقتضت الحاجة. إن هذه الحركة ساهمت في إبقاء معدل صرف الليرة التركية مقابل الدولار دون مستوى 1,9000 ولكن ارتفاع الدولار مقابل عملات الأسواق الناشئة وارتفاع العوائد في الاقتصادات المتقدمة سيضع مزيداً من الضغط على أسواق الأسهم في تركيا وعلى عملتها،وقد يضطر المصرف المركزي في تركيا في نهاية المطاف إلى إرسال إشارة بشأن تحركات معدل الصرف للحماية ضد هبوط العملة إذا استمرت الفوضى التي تشهدها الساحة المحلية والدولية.