لماذا تعترض المانيا على برنامج شراء السندات الأوروبي

12/06/2013 2
محمد جلال

اليوم تبدأ المحكمة الدستورية الالمانية في جلسة مناقشة مدى شرعية "برنامج شراء السندات – التعاملات النقدية المباشرة" الذي أعلن عنه البنك المركزي الأوروبي في السادس من ايلول 2012.

معلومات هامة:

رئيس البنك المركزي الألماني السيد  ينس وايدمان يتزعم جبهة المعارضة للبرنامج منذ اعلانه في اليوم الاول.

السيد يورج اسموسن عضو المجلس التنفيذي بالنبك المركزي الأوروبي يمثل البنك امام المحكمة وهو اقتصادي الماني عمل مع انجيلا ميركل و ينس وايد مان من قبل.

تم تقديم 36 الف دعوى قضائية ضد البرنامج في المانيا.

البنك المركزي الالماني اكبر مساهم  في رأس مال البنك المركزي الأوروبي بنسبة 18%.

برنامج شراء السندات الأوروبي لم يتم استخدامه حتى الآن.

في هذا المقال نهدف منه إلى القاء الضوء على الابعاد القانونية الاساسية التي وضعت برنامج شراء السندات محل انتقاد و تشكك لدى البعض بأن البنك المركزي الأوروبي برئاسة ماريو دراغي قد تخطى القوانين و الاتفاقيات عند الاعلان عن هذا البرنامج.

البنك المركزي الاوروبي يعمل بشكل مستقل في اتخاذ قراراته التي يراها مناسبة لتحقيق الهدف الرئيسي للبنك وهو استقرار الاسعار. وهذا يعني التزام البنك "ببروتوكول النظام الأوروبي الاساسي لعمل البنوك المركزية و البنك المركزي الأوروبي" وفقا للمبادئ المنصوص عليها في "معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي".

ماهي فكرة برنامج شراء السندات الخاص بالبنك المركزي الأوروبي:

من أجل ان يساهم البنك الأوربي في احتواء أزمة الديون السيادية و مساعدة الدول المتعثرة، جاءت الفكرة بأن يدخل البنك المركزي الأوروبي كمشتر لسندات تلك الدول المتعثرة من السوق الثانوي بقيم و كميات غير محدودة وبالتالي ينتج عن تلك العملية خفض للعائد على تلك السندات ومن ثم تسطيع الدولة المتعثرة الاقتراض من الاسواق بتكلفة اقتراض منخفضة تمكنها من سدادها مستقبلا. 

البنك من خلال هذا البرنامج وضع سندات ذات آجال من عام إلى ثلاث أعوام كمستهدف للبرنامج.

وحدد البنك المركزي الأوروبي شروط لتفعيل ذلك البرنامج تتضمن قيام الدولة المتعثرة بتقديم طلب للمساعدات من آلية الاستقرار الأوروبي و من ثم تلتزم الدولة بإصلاحات مالية و اقتصادية.

لماذا تعترض ألمانيا:

يرى البنك المركزي الألماني أن البنك المركزي الأوروبي تخطى حدود الاتفاقيات الدولية و بروتوكول عمل البنك، و يعرض اموال دافعي الضرائب الالمان إلى مخاطر من جراء برنامج مثل ذلك.

المبادئ الاساسية لعمل البنك

تكفل القوانين استقلال البنك المركزي الاوروبي ووفقا لقواعد البنك فإنه يندرج  ما يسمى بعمليات السوق المفتوحة تحت السياسة الكمية للبنك و التي تخول للبنك بالتدخل في الاسواق المالية لتحقيق الهدف الاساسي للبنك وهو استقرار الاسعار.

من ضمن عمليات السوق المفتوحة أن يقوم البنك بالتدخل في اسواق الدين و اكرر هنا "السوق الثانوي" سواء بائع او مشتر لتحقيق هدف ما في فترة زمنية ما. وهنا لا توجد أية مشكلة أو تعارض مع القوانين و الاتفاقيات.

أما المشكلة الأساسية في ان يقوم البنك بالتدخل في السوق الاولي "سوق الاصدار (الاكتتاب) " كمشتر لسند دولة ما وهذا ما تمنعه القوانين وهذا ايضا لم يقم به البنك المركزي.

وتظهر لنا احكام المادة 21 من الفصل الرابع في بروتوكول النظام الاساسي لعمل البنك المركزي الأوروبي التي تلزم البنك المركزي الأوروبي بل و تحظر عليه تقديم تمويل مباشر لأي حكومة من حكومات منطقة اليورو في اي شكل من الاشكال و الصور.

نص المادة 21 من بروتوكول النظام الأوروبي الاساسي لعمل البنوك المركزية و البنك المركزي الأوروبي*:

بند رقم 1 : وفقا لأحكام المادة 101 من "معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي" فإنه يحظر على البنك المركزي الأوروبي و البنوك المركزية المحلية اجراء عمليات سحب على المكشوف أو تقديم اية تسهيلات ائتمانية في اي شكل من الاشكال لصالح مؤسسات او هيئات مجتمعية او حكومات مركزية او هيئات اقليمية او محلية او عامة او غيرها من الهيئات الأخرى خاضعة لحكومة او مشاريع عامة تابعة للدول الاعضاء. وكذا يحظر على البنك المركزي الأوروبي و البنوك المحلية شراء أية ادوات دين بشكل مباشر مما سبق الاشارة اليهم. (يقصد المشرع هنا عدم الشراء مباشرة من سوق الاصدار او التمويل المباشر لأي حكومة كما يحدث في الدول الاخرى).

بند رقم 2 : يسمح للبنك المركزي و البنوك المحلية أن يكون بمثابة وكلاء ماليين للمؤسسات و الهيئات السابق الاشارة إليها في بند رقم 1 .

بند رقم 3: لا تسري احكام هذا القانون على مؤسسات الائتمان المملوكة للقطاع العام بما يتسق مع الاحتياطي المودع لدى البنوك المركزية المحلية الخاضعة لها، وتحظى هذه المؤسسات نفس المعاملة من قبل البنك المركزي الأوروبي و البنوك المركزية المحلية مع مؤسسات الائتمان الخاصة.

نص المادة 101 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي *:

نظرا لطول هذه المادة فإنه يمكن تلخيصها على انها   "مادة المنع و الحظر و هي مادة تحتوى على احكام ومبادئ عامة للحيلولة دون ابرام اتفاقيات بين دولتين او اكثر او قرارات منفردة من شأنها ان تؤثر على التجارة بين الدول الاعضاء ويكون هدفها أو اثرها هو منع او تقييد او تشويه المنافسة داخل السوق الداخلية".

 وتفصل المادة كافة اشكال الانتهاكات التي قد تضر التجارة بين الاعضاء او حصول افضلية وميزة تنافسية بما ما يضر بدولة اخرى وهنا نفسر تلك المادة وفقا الموضوع الذي نحن بصدده في أن الدعم المباشر للبنك المركزي الأوروبي لأي دولة من الدولة يعطيها ميزة تنافسية على حساب الدول الأخرى.

اين المشكلة:

البنك يتعرض لانتقاد بأنه يقوم بعمل ما يسمى تسييل الديون على اساس ان البنك عند شراؤه لسندات سيادية لدولة ما من الاعضاء فإنه حيازة السند تؤول إليه في النهاية حتى لو قام بالشراء من السوق الثانوي (لا تمنع القوانين الشراء من السوق الثانوي) ويعني ذلك أن البنك يتعرض لمخاطر فيما إذا لم تستطيع تلك الدولة سداد الدين لكن في نفس الوقت البنك المركزي نفسه قد يتساهل في استرداد الدين.

لكن يجب ان ننوه بأن ذلك يعتبر امر عادي في دول اخرى مثل الولايات المتحدة على سبيل المثال لكن المعضلة تكمن في ان البنك المركزي الأوروبي ملك للعديد من الدول و ليس له الحق في اجراء خطوة مثل ذلك إن حدثت.

لذا فإن البرنامج لا يخل بالاتفاقية صراحة لكن فيما يبدو أن البنك المركزي الأوروبي قام بالالتفاف حولها و ذلك من جانبين الأول هو استخدام البنك للموارد لديه و توجيه شراء سندات سيادية في السوق الثانوي لدول ذات تعثر مالي بشكل خاص، و الجانب الثاني هو أن البرنامج مشروط بموافقة 17 دولة (أعضاء منطقة اليورو) بمعنى آخر حتى يتم تفعيل البرنامج يجب أن يتم الموافقة أولا على تفعيل " آلية الاستقرار المالي الأوروبي (ESM) " و تقديم حزم المساعدات المطلوبة للدولة المتعثرة. 

و في هذه الحالة تحدث الواقعة المنشئة لمصطلح "تسييل الديون" الذي يعني قيام البنك المركزي بتمويل عجز الحكومة على خطوتين: الخطوة الأولى – تقوم الحكومة بإصدار سندات و طرحها في السوق الأولى ، و الخطوة الثانية يدخل البنك المركزي كمشتري لتلك السندات في السوق الثانوي و بالتالي أصبح السند في حيازة البنك المركزي و كأنه قد قام بتمويل الحكومة منذ البداية و إن كان في هذا البرنامج الجديد (OMTs) لن يقوم البنك بطباعة ورق بنكنوت جديد.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الفرق بين سياسة التخفيف الكمي (طبع ورق البنكنوت و ضخها في الاسواق) و تسييل للديون هو الغرض الذي تم توظيف هذه السياسة له، فإذا كان الغرض هو تحفيز الاقتصاد و مستويات النمو فكان ذلك ضمن أهداف سياسة التخفيف الكمي، أما إذا كان الغرض هو تمويل عجز الحكومة فكان ذلك "تسييل للديون".

ولمعرفة ما إذا كان البنك يقوم بعملية "تسييل الديون" إذا استمر البنك في شراء السندات السيادية في الوقت الذي يكون فيه التضخم أعلى من المستوى المستهدف و الحكومة مصدرة السند تعاني من مشكلات في التمويل وذلك  حسب تعريف البنك الفيدرالي في "سانت لويس" –الولايات المتحدة الأمريكية- لعملية "تسييل الديون" المنشور الصادر بتاريخ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني. 

كما تحدث أيضا رئيس البنك الفيدرالي في ولاية دالاس السيد "ريتشارد.و.فيشير" بأنه عندما يضع البنك المركزي عائد السندات السيادية ضمن أولوياته في ظل وجود عجز للموازنة، يتزايد القلق على الفور بمسألة "تسييل الديون".

اخيراً:

تستمر الجلسة في المحكمة يومي 11 و 12 حزيران و تشير وتشير الاحتمالات إلى ان المحكمة الالمانية ربما ترسل القضية إلى المحكمة الاوروبية لأخذ الرأي فيها وبالتالي قد يأخذ ذلك وقتا طويلا و تشير بعض التوقعات إلى ان الحكم قد يأتي بعد انتخابات ميركل في ايلول المقبل.