اقتصادات الخليج وتقلب سعر النفط والطلب عليه

09/05/2013 0
عامر ذياب التميمي

تطرح بلدان الخليج منذ عقود توقعات متباينة حول مستقبلها الاقتصادي من دون التوصل إلى قناعات مفيدة تمكّن من صياغة إستراتيجية فاعلة لمواجهة تحديات المستقبل.

وكلما صدرت دراسة أو تقرير حول اقتصادات النفط،خصوصاً تلك التي تبشر بتباطؤ نمو الطلب على النفط، تثور مخاوف من عدم التمكن من مواجهة التزامات الإنفاق الحكومي ومن ثم الحفاظ على المستويات الحالية للمعيشة.

وصدر أخيراً تقرير لصندوق النقد الدولي أشار إلى ان الكويت لن تتمكن من الحفاظ على مستوى الإنفاق الحكومي من دون عجز في الموازنة العامة.

لا شك في ان كثيرين من السياسيين في الكويت يبحثون عن قضايا لمناكفة السلطات الحاكمة أو إنجاز حضور إعلامي بين المواطنين.

لكن هذه المشاكل الاقتصادية، سواء في الكويت أو غيرها من بلدان الخليج، وهي مسائل مهمة وتستحق المعالجة الموضوعية، لا تستلزم الإثارة والطرح الإعلامي بمقدار ما تتطلب صياغة رؤية واقعية لما يمكن القيام به لتجنب أخطار المتغيرات المحتملة في اقتصادات النفط وتحولات الاقتصاد العالمي وانعكاساته على اقتصادات بلدان المنطقة.

وغني عن البيان ان هذه البلدان الخليجية تخضع لانكشاف مهم على الاقتصاد العالمي وهي لن تكون متحررة من تبعات متغيراته.

ومعلوم ان بلدان الخليج تخضع لعوامل الاقتصاد النفطي منذ أربعينات القرن العشرين، واتبعت، في شكل أو في آخر، مقتضيات الاقتصاد الريعي، فالحكومات تتحمل متطلبات الرعاية الاجتماعية وتأمين الخدمات المختلفة بدعم كبير من الأموال العامة.

واعتمدت هذه البلدان لتشغيل مرافقها ومؤسساتها الاقتصادية على عمال وافدين، منهم من هم مهرة ومهنيون، لكن نسبة مهمة منهم عكس ذلك. وظلت بلدان الخليج تزيد الإنفاق العام، الجاري الرأسمالي، على مدى السنوات الطويلة منذ بداية عصر النفط، ويزيد هذا الإنفاق كلما ارتفع سعر برميل النفط في صورة مطردة.

وأدى تحسن مستويات المعيشة إلى تحقيق معدلات نمو سكانية عالية عززت الطلب على الخدمات المدعومة والأعباء الاجتماعية التي أصبحت هيكلية.

وعلى رغم الشكوى المستمرة من تدني نوعية الخدمات التي تضطلع بها الحكومات في بلدان المنطقة وعدم مجاراتها ما هو متوافر في البلدان المتقدمة، لا تزال الماليات العامة تتحمّل أعباءً ضخمة تتطلب تأمين مخصصات متزايدة سنوياً.

هذه الخدمات، ومنها التعليم والرعاية الصحية والإسكان والبنية التحتية والأمن وغيرها، تمثل مكونات مهمة في بنود الإنفاق الجاري وكذلك الرأسمالي.

وفيما تكون خدمات مثل الإسكان والكهرباء والمياه والاتصالات من مهام القطاع الخاص في البلدان التي تتبنى اقتصاد السوق، تتحمل الدول في الخليج، مع تفاوت المسؤوليات بين دولة وأخرى، أعباءً مهمة لتأمين هذه الخدمات للمواطنين والوافدين.

معلوم أن منظومة القيم المجتمعية التي تبلورت على مدى عقود وسنوات طويلة قد لا تتسق مع عمليات الترشيد المالي والتحديث الاقتصادي، لكن ما من محاولات جادة لتفعيل ترشيد الإنفاق العام أو تحويل الخدمات والمرافق إلى القطاع الخاص عبر برنامج واسع النطاق للتخصيص.

وفيما بذلت السعودية وعُمان والإمارات جهوداً مهمة في مجال الترشيد والتخصيص، لا تزال هذه الجهود محدودة وخجولة في قطر والكويت.

ولم تتمكن منظومة مجلس التعاون الخليجي، على رغم كل الاتفاقات والبرامج، من تطويع اقتصادات المنطقة من ضمن سياق موحد.

ربما لم يمكّن اختلاف الأنظمة السياسية الحاكمة من التوافق على سياسات تلتزم بها الحكومات في مجال الإصلاح الاقتصادي.

يضاف إلى ذلك أن برامج الإصلاح الهيكلي والتخصيص لم يجرِ تبنيها على أسس موضوعية وجادة نظراً إلى عدم تعرض هذه البلدان لمشاكل حقيقية مثل تراجع الإيرادات السيادية المتأتية من النفط. فالبلدان الأوروبية التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة لأزمة الديون الحكومية والديون السيادية، مثلاً، تبنت فلسفة الإصلاح والتقشف وضبط السياسات المالية الحكومية وإصلاح النظام المصرفي بفعل حدة الأزمات وشروط الدائنين.

وهكذا فإن تقارير صندوق النقد الدولي أو أي جهات متخصصة في شأن الأوضاع الاقتصادية لدول الخليج لا تستلزم الذعر بمقدار ما تتطلب معالجة للسياسات المالية والاجتماعية، فهذه البلدان لن تتمكن من السيطرة على أسعار النفط المحكومة بأوضاع العرض والطلب، على رغم قدرة «أوبك» على لعب دور مهم في هذا المجال.

وما هو ممكن أن تعمل بلدان المنطقة على مراجعة فلسفتها الاقتصادية. لكن كيف يمكن الانتقال من فلسفة الاقتصاد الريعي والاعتماد الواسع على آليات الإنفاق العام والدعم بكل صنوفه إلى فلسفة التوظيف الأمثل للموارد الحكومية والخاصة وتطوير القدرات البشرية المحلية بما يعزز مناعة الاقتصادات في المستقبل أمام التأثيرات الناتجة من التحولات المحتومة للاقتصاد العالمي؟

هناك أهمية للانتقال بالمجتمعات السكانية الخليجية إلى مستويات أفضل من المسؤولية بما يمكن الأفراد في هذه المجتمعات من تحمل الأعباء وفهم الحقوق على أسس عصرية. ولا بد أن يعي المواطنون أن هناك حدوداً لالتزامات الدولة لا يمكن التوسع فيها من دون تحمل أخطار كبيرة، ويجب أن يتحملوا هم وغيرهم تكاليف ما يحصلون عليه من خدمات بموجب آليات السوق، فالنفط جاء ليمكن من تحسين الأوضاع الحياتية ولكن ليس لوقف المشاركة الطبيعية في عملية صنع الثروة.