الاقتصاد الدولي في غيبوبة ... وعلاجه عودة الأمل

21/04/2013 5
إبراهيم شكري دبدوب

أردنا من خلال ندوة بنك الكويت الوطني السنوية هذا العام أن نقدم قراءة متكاملة حول الاقتصاد العالمي، من الولايات المتحدة الأميركية إلى أوروبا فالصين، إلى جانب أسواق الأسهم والسلع.

فجاء اختيار الأسماء المشاركة على خمسة من الزملاء من أعضاء المجلس الاستشاري الدولي لبنك الكويت الوطني من ذوي المكانة العالمية المؤثرة، لكي يتحدث كل في اختصاصه: جوزيف أكرمان عن أوروبا، مارتن فيلدشتاين عن الولايات المتحدة الأميركية، بيل رودز عن الصين، محمد العريان عن الأسواق العالمية، وإدوارد مورس عن أسواق النفط. أما الخلاصة الأبرز التي خرجت بها الندوة فهي أن الاقتصاد العالمي منهك.

في الواقع، إن الاقتصاد العالمي هو أكثر من منهك، بل هو في غيبوبة. وما إجراءات البنوك المركزية حول العالم من برامج تيسيرية وضخ سيولة ضخمة إلا محاولات بائسة لإخراجه من هذه الحالة، مثلها مثل الجرعات الطبية الحادة التي يعطيها الأطباء لمريض في غيبوبة، فلا يظهر ردات فعل لها إلا في بعض المؤشرات التي سرعان ما تعود وتخمد، من دون أن تنجح في إخراجه من غيبوبته.

وبالنسبة للاقتصاد العالمي، تتمثل ردات الفعل هذه بالأسواق المالية التي تشهد ارتفاعات «غير محمودة» كما وصفها محمد العريان- إذ إنها ترتكز فقط على سيولة البنوك المركزية. أما المؤشرات الحيوية الأهم مثل معدلات النمو والبطالة، فتزداد مأسوية. وتكفي الإشارة إلى ارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب في أوروبا إلى أكثر من 30 في المئة لكي ندرك أن الأمور لا تسير بالشكل الصحيح.

لكن ما الذي يمكن استنتاجه من هذا الواقع؟

أولا، ان الأزمة مستمرة وممتدة: فالولايات المتحدة راكدة ومقيدة بحسابات سياسية بانتظار الانتخابات الرئاسية. وأوروبا تتخبط بغياب القرار الموحد لإنقاذها. بالأمس انضمت قبرص إلى قافلة الدول المفلسة، وغدا فرنسا قد ترفع الراية البيضاء. أما الصين، فتبقى أفضل حالا نسبيا رغم أن تحدياتها- الداخلية قبل الخارجية- في تزايد. وبالنتيجة، فإن معدلات البطالة ترتفع، والعجوزات المالية تتسع، والتباينات بين التكتلات الاقتصادية المختلفة، وبين أعضاء التكتل الواحد، تتعمق.

ثانيا، ان الأزمة قد تتجدد فصولا: فالأزمة لن تستمر بوتيرة واحدة، بل إنها قد تتخذ أشكالا لم نشهدها بعد. فبالإضافة إلى الضغوطات الاجتماعية والسياسية المتزايدة حول العالم نتيجة ارتفاع معدلات البطالة وتشدد خطط التقشف الحكومية، هناك تخوف كبير من ارتفاع معدلات التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع نتيجة السياسات النقدية التوسعية التي تتبناها البنوك المركزية، والإجراءات التيسيرية التي تسمتمر باتخاذها (والتي لم يعد يصح وصفها بالاستثنائية لتكرارها).

وإذا ما بدأت الضغوط التضخمية بالظهور قبل أن يتعافى النمو الاقتصادي وتتراجع معدلات البطالة، وقبل أن تسيطر الحكومات على عجوزاتها المالية، فقد نشهد فصلا جديدا من فصول الأزمة قد نتناوله ربما في ندوة بنك الكويت الوطني المقبلة في العام المقبل.

ثالثا، والأهم في رأيي، هو تبدد الأمل، ليس على مستوى المحللين وعموم المواطنين فحسب، بل على مستوى صناع القرار والقادة السياسيين أيضا. إذ بعد نحو ست سنوات، لم يفلح القادة السياسيون حول العالم في عكس مسار الأزمة، بل الأسوأ من ذلك، أنهم لم يفلحوا حتى في ايجاد أرضية مشتركة لمناقشة تطورات الأزمة ومحاولة مواجهتها.

ففي الولايات المتحدة الأميركية، بات الكثيرون مقتنعين أن لا جديد متوقعا قبل الانتخابات الرئاسية، أو حتى بعدها إذا لم يحصل أي حزب على أغلبية على حساب الآخر.

وفي أوروبا، فقد بعث السياسيون رسالة خاطئة إلى العالم في كيفية معالجتهم أزمة قبرص. إذ صحيح أن الاقتصاد القبرصي صغير وغير مؤثر على مسار الوحدة الأوروبية، لكن عدم إنقاذ هذا الاقتصاد الصغير قد فتح باب التساؤلات وعزز الشكوك حول نية الاتحاد الأوروبي وقدرته على إنقاذ اقتصادات أكبر حجما وأكثر تأثيرا مثل اسبانيا وإيطاليا واليونان، وربما غدا فرنسا.

كما ان الجهود الرامية إلى الحفاظ على الوحدة النقدية قد تحولت، في ظل غياب القرار الموحد والجاد، إلى مساع مضنية للحفاظ على ما تبقى من هذه الوحدة، فيما تتوسع دائرة الدول المفلسة التي بات هذا النقاش لا يعنيها أصلا. وإذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال، فقد لا تجد ألمانيا من تناقشه في أهمية هذه الوحدة، فيما الدول الأخرى غارقة في عزلتها وهمومها.

لا شك في أنني أتناول هنا السيناريو الأسوأ والأكثر تشاؤما. لكنني أرى أن الوحدة الأوروبية تسير في الاتجاه المعاكس: من واقع اختبرته أوروبا منذ معاهدة ماستريخت، إلى مفهوم وفكرة مجردة عن الواقع.

لأن نقاشات السياسيين وخلافاتهم باتت معزولة أكثر فأكثر عن هموم الشارع في ظل ارتفاع معدلات البطالة وغياب الأمل. إذ هل يسأل المواطن العاطل عن العمل، في أي بلد كان، ما العملة التي سيقبض بها دخله، إذا كان هذا الدخل قد توقف أصلا؟

في رأيي، إن ما يحتاجه الاقتصاد العالمي اليوم هو عودة الأمل. وهذا لا يأتي إلا بإظهار القادة التزاما جديا بالعمل على وضع الحلول والخروج من الأزمة، وليس فض اليدين وإخلاء الساحة للبنوك المركزية التي تبين عجزها عن مواجهة الأمور لوحدها.

باختصار، على الولايات المتحدة الأميركية أن تخرج الاقتصاد عن مسار الحسابات الانتخابية. وعلى الصين أن تشارك في جهود إنقاذ الاقتصاد العالمي بما يعكس وزنها في هذا الاقتصاد. وأخيرا، على أوروبا أن تحيد خلافاتها وتعمل على إنقاذ اليورو، لأني أوافق زميلي جوزيف أكرمان قوله ان تكلفة انهيار اليورو أعلى كثيرا من تكلفة انقاذه.

نقلا عن جريدة الراي