أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتية ذكرى الرشيدي أخيراً أنها ستعمل على خفض الأيدي العاملة الوافدة في الكويت بمقدار مئة ألف سنوياً حتى يصل العدد إلى مليون شخص بعد 10 سنوات. ولا شك في أن الوزيرة وضعت نفسها أمام تحدٍ صعب يتطلب وضع إستراتيجية واضحة وخطة عمل واقعية تحظى بدعم من المؤسسات السياسية.
لكن هل يمكن تحقيق هذا الهدف عملياً؟ علماً أن عدد سكان الكويت يبلغ 3.8 مليون شخص منهم 1.2 مليون كويتي، و2.6 مليون وافد.
وتتوزع الأيدي العاملة الوافدة بين مؤسسات القطاع الخاص حيث يعمل 1.2 مليون شخص والقطاع المنزلي حيث يعمل 600 ألف والقطاع العام حيث يعمل 80 ألفاً. ويتضح من البيانات أن الوافدين يتركزون في القطاعين الخاص والمنزلي، وغالبية هؤلاء من الأيدي العاملة غير الماهرة ذات التعليم المتوسط أو المتدني.
لكن هناك كثيرين من أصحاب الشهادات العليا مثل الأطباء والمهندسين والمحاسبين والقانونيين ناهيك عن المدرسين والممرضين وغير ذلك ونتج هذا التوسع المتراكم في الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة في الكويت عن وجود سياسات وغياب أخرى، ارتبطت بالمنهج الاقتصادي الريعي منذ بداية عصر النفط.
فالكويت في بداية الخمسينات، عندما بدأ عصر النفط فيها، كانت بلداً محدود السكان، بواقع 100 ألف شخص، وأفسحت المجال أمام استقدام الأيدي العاملة من الخارج لمواجهة متطلبات إنجاز مشاريع البنية التحتية وتقديم الخدمات وتشغيل المرافق الحيوية. وكانت ثمة متطلبات أساسية للأيدي العاملة الوافدة في مجالات التعليم والرعاية الصحية فلم يكن في البلاد مواطنون مؤهلون للعمل في النشاطات الأساسية التي مكنت إيرادات النفط من إيجادها.
لكن على مدى السنوات الـ 60 منذئذ، تمكن الكويتيون من تحصيل التعليم على مختلف المستويات وفي العديد من التخصصات، لكن البلاد لا تزال تعتمد على الأيدي العاملة الوافدة في مختلف النشاطات الحيوية. وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن نسبة الأيدي العاملة المحلية في سوق العمل لا تتعدى 16 في المئة من إجمالي عدد العاملين في البلاد، أي أن 84 في المئة من الأيدي العاملة في الكويت وافدة.
ويجب إيضاح أن نسبة عالية من المواطنين المنخرطين في مختلف المهن والأعمال في الكويت يعملون في القطاع الحكومي وقد تقارب نسبتهم أكثر من 80 في المئة من الأيدي العاملة المحلية، ما يعني أن الأيدي العاملة المحلية تتكدس في القطاع الحكومي.
إن تبني سياسة جديدة لتخفيف الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة في الكويت أو خفض أعدادها، كما تطرح وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، يستلزم تبني سياسات واضحة وقابلة للتنفيذ. يجب أولاً تحديد المهن التي يعتمد أن لا يشغلها سوى كويتيين ووقف استقدام الوافدين لشغلها.
كذلك لا بد من إلغاء نظام الكفالة الذي أدى إلى فساد كبير في عمليات جلب الأيدي العاملة إذ أسِّست شركات وهمية لجلب أيدٍ عاملة من دون توافر وظائف ثابتة في مقابل جني إتاوات من المستقدمين.
ولذلك باتت مطالبات منظمة العمل الدولية ومنظمات حقوقية أخرى بإلغاء نظام الكفيل محقة، خصوصاً أن هناك توافقاً مبدئياً بين دول مجلس التعاون الخليجي لإنهاء هذا النظام.
وطرِح خلال السنوات الأخيرة مشروع قانون لإنشاء هيئة تختص بالأيدي العاملة لربط كل عامل في البلاد بهذه الهيئة التي تحدد الجهة التي يعمل لديها، بما فيها حسابه الخاص، إلى جانب حقوقه وواجباته وفق قانون العمل.
لكن لا بد أيضاً من تقنين أوضاع الأيدي العاملة المنزلية فلا قانون يحدد الحقوق والوجبات في هذا القطاع، وهناك العديد من الثغرات التي تمكن من تشغيل العاملين والعاملات في المنازل في أعمال أخرى قد لا تكون قانونية.
والأهم هو تحديد كيفية تشغيل الأيدي العاملة المحلية على أسس منهجية من أجل خفض الحاجة إلى الأيدي العاملة الوافدة. وهناك مسألة التأهيل المهني ومدى إمكانية تعزيز قدرات الكويتيين للعمل في مختلف التخصصات لدى القطاع الخاص وفي مؤسساته المتنوعة. ويبدو أن النظام التعليمي لم يتأسس بما يكفل إنتاج أيدٍ عاملة ماهرة تتناسب مع احتياجات سوق العمل.
وعلى رغم أن التعليم النظامي انطلق عام 1936، هناك عجز في أعداد المعلمين الكويتيين في تخصصات مهمة مثل الرياضيات والعلوم واللغة العربية واللغة الإنكليزية بما يؤكد ضرورة التعاقد مع معلمين عرب من كل الجنسيات كل عام نظراً إلى تزايد أعداد طلاب المدارس.
وهكذا تتضح أهمية تطوير الأنظمة التعليمية لمواجهة متطلبات تأهيل المواطنين، وأهمية تعزيز ثقافة العمل واحترام المهن والحرف بين المواطنين الذين نهلوا من ثقافة الاتكال. وتتعلق مسألة أخرى بتشجيع المواطنين للعمل في الوظائف والأعمال المتاحة في القطاع الخاص.
فلا يعقل أن يرفع مجلسا الوزراء والأمة الرواتب والأجور والمنافع الأخرى للعاملين في القطاع الحكومي أو العام بما يعطل قدرة القطاع الخاص على جذب الأيدي العاملة المحلية فيما تنتهج الدولة سياسة تشجيع عمل المواطنين في القطاع الخاص.
فالمطلوب سياسات تعمل على ترشيد مخصصات الرواتب والأجور في الحكومة وحفز القطاع الخاص على تحسين الميزات لتشجيع المواطنين على الانخراط في وظائفه. ومهما يكن من أمر فإن إمكانية خفض الأيدي العاملة الوافدة، كما حددت الوزيرة، تتطلب عزماً شديداً وقدرات على تبني سياسات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.