فرض قواعد الحوكمة على شركاتنا العائلية، يشجعها على فصل الإدارة عن الملكية، وتوسيع ملكية رأسمالها،وإعادة هيكلتها الإدارية والمحاسبية، إضافة إلى إرغامها على تطبيق معايير الشفافية والإفصاح.
في اليابان، تُعدّ شركة "هوتشي" لإدارة الفنادق من أقدم الشركات العائلية على مستوى العالم، وأولها استخداما وتطبيقا لمبادئ الحوكمة لتستمر في أعمالها وجني أرباحها لغاية اليوم. قبل 1300 سنة استقبلت فنادق الشركة أول نزلائها، وما زال الجيل 46 من أحفاد مؤسس هذه الشركة "جاريوهوشي" يقوم اليوم بإدارة منتجعات الشركة في شمال غرب العاصمة اليابانية "طوكيو".
في الدول الخليجية، تفشل 7 من أصل 10 شركات عائلية في تنفيذ عمليات الانتقال إلى الجيل الثاني، فيما لا تصل إلى الجيل الثالث إلا واحدة فقط من كل 10 شركات، وذلك بسبب ترهل أوضاعها القانونية، وغياب تنظيم هياكلها الإدارية ولعدم تطبيقها قواعد الحوكمة، مما يؤدي إلى تشتت ثرواتها وانقراض أجيالها.
الشركات العائلية التي تطبق قواعد الحوكمة تنجح في تحقيق 5 أهداف أساسية، تصب جميعها في حماية حقوق الشركاء، وتحييد أصحاب المصالح وتطبيق مبادئ الإفصاح والشفافية وتحقيق العدالة بين مُلاَّك الشركة.
لذا تلجأ معظم الشركات العائلية إلى تسخير هذه القواعد، من خلال وضع الضوابط المالية الداخلية وتأمين الاستقلال لمراجعي الحسابات، وتوطين الرقابة وإدارة المخاطر وتوفير الموارد المتاحة للمديرين واعتماد سياسة توزيع الأرباح.
تُعرَّفُ الحوكمة بأنها السياسات الداخلية لتنظيم أعمال الشركة وموظفيها، وتتم من خلالها مراقبة الأنشطة وإدارة المشاريع بحرفية وموضوعية ونزاهة، بهدف ردع الاحتيال وتوطين سياسة المحاسبة القانونية.
كما تسعى الحوكمة إلى تحقيق أهداف الشركة الاستراتيجية الرامية لإرضاء المساهمين والدائنين والعاملين والعملاء والموردين، والامتثال للمتطلبات القانونية والتنظيمية، فضلا عن الوفاء بالمتطلبات البيئية المحلية واحتياجات المجتمع.
الدول الخليجية تزخر بالشركات العائلية التي تحولت تدريجيا من شركات تجارية صغيرة في منتصف القرن الماضي إلى شركات إقليمية وعالمية عملاقة، وبدأت تنظر بجدية لتعاقب الأجيال في هذه الشركات، من أجل الحفاظ على ثرواتها وإدارة أملاكها.
ولكن كما هو الواقع في جميع دول العالم، تواجه هذه الشركات العائلية عددا من التحديات التي تؤثر على مستقبلها، منها تحديات داخلية تتمثل في التنافس العائلي وسيطرة الأسلوب الأبوي على إدارة الشركة،والصراع على السلطة، وعدم الفصل بين الملكية والإدارة، وفشل بعضها في تهيئة الجيل الثاني للخلافة.
أما التحديات الخارجية، فتتمثل في عدم القدرة على مواكبة الطرق الحديثة في الإدارة، وتغير الظروف المحيطة،والابتعاد عن تطبيق الأنظمة الاقتصادية الجديدة، وزيادة المنافسة، وضعف هذه الشركات في مواجهة تحديات العولمة.
في استطلاع للرأي أجرته مجلة "المستثمر العالمي" مطلع العام الجاري، اتضح أن 80% من المستثمرين على استعداد لدفع علاوة لشراء أسهم وحصص الشركات التي تطبق مبادئ الحوكمة، وتؤمن بأخلاقيات العمل.
وأشار الاستطلاع إلى أن الشركات العائلية تمثل على مستوى العالم 76% من إجمالي قطاع الأعمال وتساهم بنسبة 81% من الناتج الإجمالي، لتلعب دورا أساسيا في توطين التقنية وزيادة النمو الاقتصادي وتوظيف القوى العاملة.
في جميع دول العالم، تعدّ الشركات العائلية العمود الفقري للاقتصاد القومي، فهي تشكل في دول الاتحاد الأوروبي نسبة 82% من إجمالي الشركات العاملة، وتساهم بنسبة 70% من الناتج القومي الأوروبي ويعمل فيها 75% من إجمالي العمالة.
وفي أميركا، يبلغ عدد الشركات العائلية المسجلة نحو 32 مليون منشأة وتمثل 49% من الناتج القومي الأميركي، ويعمل فيها 59% من إجمالي العمالة. من إجمالي عدد الشركات المسجلة في دول العالم، تمثل الشركات العائلية اليوم 95% في إيطاليا و91% في السعودية و90% في السويد و85% في سويسرا و80% في إسبانيا و75% في بريطانيا و70% في البرتغال.
وفي منطقة الشرق الأوسط، تمثل الشركات العائلية 80% من عدد الشركات، وتساهم بنسبة 40% من الناتج المحلي غير النفطي و50% من أعمال القطاع الخاص و75% من استثماراته وتقوم بتشغيل 70% من العمالة في دول المنطقة.
في الدول الخليجية، تشكل الشركات العائلية نحو 95% من إجمالي الشركات المسجلة وتوفر أكثر من 77% من فرص العمل، ويبلغ إجمالي ثرواتها واستثماراتها العالمية نحو 2000 مليار دولار أميركي، بينما تصل استثماراتها الخليجية إلى نحو 500 مليار دولار أميركي، لتغطي 72% من القطاع الاستهلاكي و48% من قطاع البناء والعقارات و32% من القطاع الصناعي و12% من قطاعات الطاقة والبتروكيماويات.
في دراسة حديثة، قَدَّرَت الغرفة التجارية الصناعية في محافظة جدة متوسط ثروة الشركات العائلية في السعودية بنحو 220 مليار دولار، بينما فاقت استثمارات أكبر 49 شركة عائلية 333 مليار دولار، ويعمل فيها 269 ألف موظف،وهو أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط.
وتشكل هذه الشركات 48% من إجمالي الشركات العائلية في الشرق الأوسط، وتتركز فيها 62% من ثروات القطاع الخاص السعودي، إذ يبلغ متوسط ثروة الشركات العائلية في المملكة 6 مليارات دولار للشركة الواحدة.
وكشفت هذه الدراسة إلى أن تراجع أداء بعض الشركات العائلية السعودية يعود إلى ضعف روح التأسيس عند غياب المؤسسين، وعدم التوسع في الاستثمار، وتفشي الخلافات وتضارب المصالح والخلط بين البعد العائلي والبعد الاستثماري، إضافة إلى غياب الإفصاح والشفافية وعدم تطبيق قواعد الحوكمة.
فرض قواعد الحوكمة على شركاتنا العائلية، يشجعها على فصل الإدارة عن الملكية، وتوسيع ملكية رأسمالها وقاعدتها التمويلية، وإعادة هيكلتها الإدارية والمحاسبية، إضافة إلى إرغامها على تطبيق معايير الشفافية والإفصاح، حتى لا تضيع ثرواتنا الاقتصادية الوطنية.
مقال جميل شكرا لك
ابدأ بالشركات الحكومية الكبرى، الاتصالات على سبيل المثال!!!!
مقال ممتاز واقتراح ضروري وملح..