عيون قراءة الأحداث وشطحات النخب

06/03/2013 5
د. عبد العزيز الغدير

أثناء احتدام الاحتجاجات في البحرين قال لي صديق يقرأ كل حدث بعيون عقائدية: إن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعم الشيعة في البحرين ليسيطروا على الحكم لينضموا فيما بعد لإيران لأن المسيحيين يميلون للمذهب الشيعي لتشابههما في الفكرة، حيث كل منهما أوجد مقدسا من دون الله ووضعه بين الله والخلق، بينما المذهب السني يقوم على عبادة الله وحده مباشرة دون وسيط، نبيا كان أو إماما أو وليا صالحا، وحينها استغربت كثيراً وقلت لصاحبي اطمئن فهذا لن يحدث، فالولايات المتحدة يحركها الاقتصاد ومصالحها، وهي ضد فكرة تكون غول كبير في المنطقة يخرج عن طوعها متى شاء ليطيح أو يلحق الضرر بمصالحها، وقلت له لا تقرأ الأحداث وتحلل وتفسر وتتوقع المستقبل بعين عقائدية فقط وحاول أن تقرأها بعين الآخر الذي تنتظر فعله أو ردة فعله لا بعينك أنت لتكون أقرب للصواب.

آخر يقول إن معظم الحروب في العالم وراءها الولايات المتحدة بهدف تشغيل مصانع الأسلحة التي تستهلكها الحروب بشكل كبير وحينما رد عليه محلل ضليع في فهم السياسات الأمريكية وحجم قطاعاتها الاقتصادية ونسبة مساهمة كل قطاع في إجمالي الناتج المحلي بقوله إن الحرب آخر وسيلة سياسية تستخدم للحصول على المكاسب أو منع الخسائر وإن تجارة الأسلحة الثقيلة لا تشكل أكثر من 15 في المائة من تجارة السلاح في العالم، وإن الأسلحة الخفيفة تشكل الباقي وتلك تنتج في معظم دول العالم فمَن المستفيد من الحروب إذا كانت هذه الأرقام وهذه المبادئ السياسية؟ هنا تراجع الناظر بعين المؤامرة عن تحليل الأحداث وتساءل عن أسباب أخرى للحروب.

آخر يرى أن السبب الرئيس لكثير من المشاريع الإنشائية في بلادنا ليس المقصود منها تطوير البنى التحتية بقدر ما يقصد طرح مشاريع مليارية لتكبر الاختلاسات والعمولات والرشاوى، وهنا تظهر قراءة عيون الشك والريبة نتيجة المناخ العام الذي تندرج في إطاره الأقوال حول تلك المشاريع، ولكن بكل تأكيد هي مشاريع تنموية تستهدف تطوير البلاد وإن اعتراها ما اعتراها من المشاكل والأخطاء والفساد الإداري والمالي.

إذن نحن أمام عيون كثيرة لقراءة الأحداث والمواقف والقضايا والمشاكل عيون عقائدية وطائفية وعرقية ومناطقية وعيون شك وريبة وعيون ثقة وتفاؤل إلى غير ذلك من العيون، وأكاد أجزم بأن العين العقائدية هي عين قراءة الأحداث والقرارات والمواقف لدى أهم النخب المؤثرة في بلادنا وهي النخبة الدينية المتمثلة في العلماء وطلبة العلم الذين يعتبرون قادة فكر ورأي في بلادنا لمدة طويلة وما زالوا رغم تصاعد القوة التأثيرية للنخب الأخرى خصوصا النخب الاقتصادية التي تدفع بالأمور كافة نحو مصالحها جنباً إلى جنب مع جهدها لتعزيز موقعها المؤثر في حاضر البلاد ومستقبلها، ولا شك أن العين العقائدية لم تعد العين المثلى الصالحة لقراءة الأحداث خصوصا أن الإمبراطورية الأمريكية والدول الكبرى تنطلق في جميع استراتيجياتها من أسس اقتصادية.

نعم الولايات المتحدة وغيرها من الدول لا ترى العالم للوهلة الأولى إلا أدوات إنتاج وموارد وأسواق وتضع خططها الاستراتيجية ابتداء على أساس الفوز بأكبر قدرات إنتاجية والحصول على الموارد اللازمة للإنتاج بشكل مستمر وبأفضل الأسعار والهيمنة على حصص كبيرة من الأسواق في جميع القطاعات ثم بعد ذلك تستخدم الفرص المتاحة كافة لتحقيق ذلك بما في ذلك التركيبات العقائدية للوصول إلى مآربها، ولكن بكل تأكيد لا تنطلق من أسس عقائدية في الهيمنة على العالم سوى بعض دول العالم الثالث كالجمهورية الإيرانية الدينية التي وجدت في المذهب الشيعي وسيلة مثلى لتحقيق النفوذ الذي تطمح إليه للهيمنة وفرض إرادتها في المنطقة.

وبالوصول لهذا الفهم يجد كل مَن يتابع وسائل الإعلام كافة بما في ذلك الإعلام الاجتماعي الجديد أن هناك صعوداً لعيون جديدة تقرأ الأحداث والقرارات والمواقف بغير العين العقائدية بل ترفض تلك القراءة على اعتبار أنها لا تصلح لتحليل الأحداث والقرارات الدولية والمحلية وتفسيرها بطريقة سليمة ما يؤصل لمواقف سلبية تجاه الكثير من الأحداث والقرارات والقضايا النافعة لتضيع الفرص وتتفاقم المشاكل، وهذا الجيل الجديد يطالب بقراءة الأحداث والمواقف والقضايا والمشاكل بعيون فكر الآخر المؤثر الذي تحول من مستشرف للحدث لصانع له كما نعرف جميعاً.

يقول المفكرون الموغلون بالفكر الاقتصادي المحرك الأساس لجميع الدول الغربية ومن تدور في فلكها من الدول الآسيوية إن تحليل وتفسير الأحداث والقرارات والمواقف بعين عقائدية تختزل الحراك الدولي حيال كل قضية أو مشكلة في الانتماء الديني أو في الانتماء الطائفي أو العرقي لا يصل بنا إلى تشخيص سليم وبالتالي يدفع بنا لمواقف وسلوكيات سلبية تضر بنا أكثر مما تضر بالآخر، وتحقق للآخر مآربه وتمنعنا من تحقيق مآربنا وغاياتنا،ولذلك تجدنا نفقد الكثير من الفرص ونتعرض للكثير من المخاطر على مستوى المجتمع وعلى مستوى الأفراد.

ويبدو لي أن قراءة مظاهر مواقف الآخر والأحداث الناشئة عن حراكه السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي والقضايا التي يطرحها والمشاكل التي تترتب على تصرفاته بعين القارئ لا بفكر الآخر الفاعل وما يترتب عليها من شطحات مضحكة في كثير من الأحيان تسود في مجتمعنا بسبب أنها الطريقة الأسهل والأيسر ولا تحتاج إلى استقراء أو بحوث أو دراسات أو الرجوع لمؤشرات مرجعية علمية دقيقة وحديثة والتي هي الأخرى شحيحة جداً في مجتمعنا مقارنة بدول العالم الأول.

ختاماً: أتطلع أن تتجاوز النخب السعودية في كافة المجالات مرحلة قراءة الأحداث والمواقف والقضايا والمشاكل بعيونها إلى مرحلة القراءة بعيون الآخرين الفاعلين لنتمكن من التحليل الاستراتيجي الدقيق والتشخيص السليم وبناء القرارات والمواقف عالية الفاعلية والكفاءة لاغتنام الفرص وتجنب المخاطر سواء على مستوى الوطن والمجتمع أو على مستوى الأفراد.