شهد مسار ارتفاع الأسعار مطلع شهر فبراير الحالي توقفاً حاداً في الوقت الذي ألقت فيه قوة الدولار الأمريكي المتجددة والتوترات المتزايدة فيما يتعلق بأسواق الديون السيادية بظلالها على حالة الشعور العام وأسعار السوق.
وقد شهدت أسواق الأسهم البرتغالية والأسبانية يوم الخميس الماضي أكبر انخفاض يومي منذ عام 2008 في ظل انتشار المخاوف المحيطة بالأزمة في اليونان وتأثيرها على الاقتصادات الضعيفة لدول منطقة اليورو. وقد أدى هذا القلق إلى تراجع حاد في أسعار الأسهم عبر القارات ليسارع العالم بذلك إلى حماية الدولار والخزانات الأمريكية. وهبطت قيمة اليورو لتصل إلى أدنى معدلاتها خلال سبعة أشهر في الوقت الذي تلاشت فيه التوقعات باستمرار ضعف الدولار الأمريكي لمدة سنة في الوقت الراهن على الأقل.
علاوة على ذلك، بدأت أسواق السلع الأساسية تداولاتها في شهر فبراير بمستوى ارتفاع قوي على خلفية التحسن الملحوظ في بيانات مؤشر مدراء المشتريات لقطاع التصنيع المحسن (PMI’s) من الولايات المتحدة وأوروبا والصين علاوة على قرار أستراليا بعدم تغيير سعر الفائدة. لكن مع الأسف اتضح أن التحسن المذكور كان قصير الأجل حيث تسبب انتعاش قوة الدولار في إزالة الدعم وأظهرت صفقات البيع التي تلت مخاوف المتداولين من تعرضهم للمخاطر لاسيما تلك المتعلقة بالمخاوف المالية.
جدير بالذكر أن إصدار البيانات الشهرية المهمة الخاصة بمعدلات البطالة الأمريكية يوم الجمعة الماضي قد أدى إلى بعض الهدوء في الحالة العامة بالأسواق إذ جاءت النتيجة ضمن نطاق التوقعات.
علاوة على ذلك، انخفض مؤشر رويترز – جيفريز/ سي آر بي، الذي يشتمل على 19 خام بمعدل يتجاوز 10 في المائة مقارنة بالمعدلات المرتفعة التي شهدها في السادس من يناير، ويفسر ذلك، من الناحية الفنية، بمرور هذا المؤشر بمرحلة هبوط ليصل إلى أدنى مستوياته منذ أكتوبر 2009. ويمثل قطاع المعادن في المقام الأول العامل الرئيسي في تراجع مستويات هذا المؤشر حيث شهدت أسعار الفضة والنحاس تراجعاً بمعدل تسع وست نقاط مئوية على التوالي.
وسجلت أسعار الفضة انخفاضا بمعدل 15% وهو يتجاوز نسبة انخفاض الذهب خلال الأسبوعين الماضيين، ويجب أن تستقر هذه النسبة سريعاً حتى يتمكن السوق من البحث عن نقطة تحول إيجابية. كما سجلت كل من أسعار الذهب والفضة يوم الخميس أدنى انخفاض لها مما ينذر بحدوث مزيد من الانخفاض على المدى القريب.
وقد أدى انخفاض أسعار الذهب إلى مفاجأة الكثيرين فيما يتعلق بتوجه الكثيرين نحو البيع المكثف عقب رفضهم التام البيع عند مستوى 1125 دولاراً أمريكياً خلال الأسبوع. والحقيقة أن قيام المتداولين بالبيع الكثيف للذهب على خلفية وصول الأسعار بر الأمان قد خلف الكثيرين في دوامة الحيرة. وكما ذكرنا سابقاً، جاوزت معدلات أسعار الذهب العديد من المعادن الأخرى المحفوفة بالمخاطر كالفضة والنحاس ولكن ظلت ضغوط البيع من جانب المتداولين في محاولة منهم لجني الأرباح لتعويض خسائرهم في الأسواق الأخرى العامل المؤثر في هذا الانخفاض. جدير بالذكر أن أكبر شركات صناديق الاستثمار في الذهب المتداولة على البورصة (ETF) في العالم، شركة إس بي دي آر جولد تراست في نيويورك قد أعلنت عن انخفاض مخزونها بمعدل 7.37 طن خلال الأيام الأربعة الأولى للتداول في فبراير، بعدما سجلت انخفاضاً في مخزونها بلغ 21.7 طن في شهر يناير.
ومن الناحية الفنية، أدى الانخفاض دون مستوى القاع المزدوج بمعدل 1.075 دولار أمريكي، والذي خلف موجات من عمليات البيع الفنية، إلى ترك المجال مفتوحاً لمزيد من الخسائر مع وجود دعم أساسي بين معدلي 1.026 و 1.022 كونها نقطة التركيز القادمة متبوعة بمعدل 1000 دولار أمريكي. ولاتزال العوامل التي دفعت بالذهب إلى مستويات قياسية في عام 2009 قائمة.وإذا ما تحولت مشكلة الديون السيادية المستمرة إلى أزمة ثقة متفجرة فسيؤدي ذلك إلى انتعاش أسعار الذهب مجدداً. أما في الوقت الراهن، وعلى الرغم من أن الجهود المتضافرة للحد من تعرض الذهب للخسارة قد تركت المجال مفتوحاً للارتداد وصولاً إلى سعر 1.075 الذي يمثل نقطة المقاومة الرئيسية.
جدير الذكر أن معدن الفضة كما ذكرنا قد تحمل وطأة عمليات البيع الأخيرة بعد أن سجل تراجعاً بنسبة 23 من أعلى مستويات له في شهر ديسمبر 2009. وقد عانت أسواق الفضة مؤخراً من نقص في السيولة. وعلى اعتبار أن معدن الفضة أحد المعادن الصناعية، فقد أثرت محاولة الإنعاش الحالية على عوامل الدعم القوي الذي شهدناه مؤخراً. علاوة على ذلك، أدى تجاوز مستوى مؤشر فيبوناتشي 38.2% عند مستوى 15.24 دولار أمريكي إلى خطر تعرضه للانخفاض إلى مستوى 14.00 دولار أمريكي.
وفيما يتعلق بمعدن النحاس عالي الجودة، الذي يعد الرابح الأكبر في عام 2009، فقد خضع لعمليات بيع فني دون مستوى 300 دولار. جدير بالذكر أن عطلة السنة القمرية الجديدة في الصين إضافة إلى مكانة الدولار المعززة قد تركتا المجال مفتوحاً أمام الدولار للتعرض لعملية تصحيح. لكننا نتطلع للوصول إلى مستويات الدعم عند 265 دولار و250 دولار للعقود الآجلة تسليم شهر مارس.
أما النفط الخام على غرار بقية السلع فقد شهد تراجعاً سريعاً من مستوى 78 دولاراً وهو المستوى الذي شهده مؤخراً، في الوقت الذي أسهمت فيه معدلات الطلب الضعيفة في الإلقاء بقصة التعافي بعيداً. وقد فاجأ تاريخ التخزين الأسبوعي السوق مرة أخرى حيث أظهر زيادة أخرى في المخزون.
وستمثل بعض المستويات الفنية الهامة عامل فصل فيما بتعلق بتحديد مصير ازدهار قطاع الطاقة على المدى القريب إذ بلغ مستوى الدعم للنفط الخام في شهر مارس 72.40 دولاراً أمريكيا، كما بلغ مستوى الدعم لزيوت التدفئة 189 دولاراً أمريكياً، علاوة على بلوغ مستويات الدعم للبنزين 190 دولاراً أمريكياً مما ساهم في الحفاظ على الأسواق من الانخفاض. وقد تذبذب سعر النفط الخام حتى الآن ثلاث مرات من مستوى 72.40 دولار أمريكي، وهناك مخاوف من أن أي انهيار للأسعار من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من عمليات البيع الفني التقليدية نحو الانخفاض الذي شهده ديسمبر بمعدل بلغ 67.45 دولار أمريكي.