ودائع الناس عند البنوك تبلغ اليوم تقريباً 1.3 تريليون ريال أي مليون وثلاثمائة ألف مليون، أو إن شئت فقل ألف وثلاثمائة مليار ريال، أي ما يوازي أكثر من دخل المملكة، وما يساوي تقريباً مرة ونصف مرة ضعف الميزانية السعودية، أو ثلاثة أضعاف ميزانية العراق، أو سبعة أضعاف ميزانية قطر، أو ثلاثين ضعف ميزانية الإمارات، أو 86 ضعف ميزانية السودان. هذه الودائع هي سلعة البنوك التي تعيد بيعها فوراً بهوامش ربح مختلفة تتفاوت بتفاوت المخاطرة. وبسبب الفتوى الذهبية فتقريباً ثلثي كلفة سلعة البنوك تقريباً تحصل عليها بالمجان. وأما الثلث الأخير، فغالبه كلفته منخفضة جداً عن سعر بيعه، وذلك -وبسبب الفتوى الذهبية- لعدم وجود سوق مالية متطورة عندنا تنافس البنوك على الودائع والتمويلات.
الريال لا يبيت ليلة واحدة عند البنوك دون أن تتحصل البنوك على فوائده. فأي مبلغ يدخل للبنك ولم يعد البنك إقراضه، يقوم البنك بإيداع هذه الريالات عند مؤسسة النقد بالفائدة في اليوم نفسه (وذلك لربط بالدولار).
وباستثناء الاحتياط الإلزامي، فإن ما تودعه البنوك عند مؤسسة النقد بالفائدة هو ما تستطيع البنوك الإقراض منه، وهو ما يسمى باحتياطيات البنوك الفائضة، أي أن الزبون مضمون لبضاعتها المتوفرة للبيع. (ولا فرق بين بنك تقليدي أو غيره اللهم أن المتأسلم يحصل من المؤسسة على قروض مجانية توازي ما أودعه عندها). ولذا فاحتكارية بنوكنا عالية، ولا تكترث بتوجيه أموال المودعين إلى أفضل الاستثمارات النافعة بل لأكثرها رهوناً.
فلو أخذنا مثلاً عام 2007 فقد كانت ودائع الناس تحت الطلب -وهي التي لا تدفع البنوك فوائد عليها- 311 مليار ريال،وكان الريبو العكسي 4.7%، والاحتياطيات غير الإلزامية للبنوك المودعة عند مؤسسة النقد حوالي 60 ألف مليار.
أي أن الفائدة التي حصلت عليها البنوك مجاناً من مؤسسة النقد في عام 2007 تقارب ثلاثة مليارات ريال هبة دون عمل وبلا كلفة ولا منة ولا إعلام ولا عين حاسد ببركة الفتوى الذهبية.
754 مليار ريال ودائع تحت الطلب بلا فوائد مطلقاً - بسبب الفتوى الذهبية - لو توسطنا بـ5% بين فوائدها العالية والمنخفضة (مقابل المخاطرات والإفلاسات) التي تتحصل عليها البنوك من جراء إقراضها فإن أرباح البنوك المجانية تبلغ حوالي أربعين ملياراً، أي ضعف ميزانية السودان، ومجانيتها بسبب الفتوى الذهبية.
(وإذا استثنيا مواقف التحوط ونحوه)، فعموماً يكون انخفاض الفوائد نعمة على البنوك لأنها تخفض كلفة البنوك وتحرك الطلب على التمويلات، اللهم إلا عند بنوكنا. فانخفاض الفوائد لن يؤثر عليها من ناحية الكلفة لأن بنوكنا لا تدفع شيئاً عليها تقريباً، ولكن انخفاض الفوائد سيحرمها من تحصيل ربح مجاني مضمون كبير من مؤسسة النقد. ولذا بسبب انخفاض الفائدة اليوم، فإن بنوكنا تتنافس اليوم على التمويلات الاستهلاكية لأنها عالية الفائدة وقليلة المخاطرة برهن الراتب.
ولأوضح المسألة، ففي السنوات العجاف عندما كانت البنوك تقرض الحكومة، كانت الفائدة ما بين 6-9%. فكانت البنوك تقرض الحكومة ثم الحكومة تنفقها على الرواتب ثم الرواتب تنتهي إلى البنوك التي تعيد إقراضها مرة أخرى للحكومة، وهكذا سنة بعد سنة. ولو أن البنوك لم تقرض الحكومة لأودعت رواتب الناس عند مؤسسة النقد بالنسبة نفسها تقريباً وهي لا تكلفها الودائع شيئاً.
ففي تلك السنوات العجاف كان كل المجتمع يعاني اقتصادياً ما عدا البنوك التي ازدهرت بسبب ارتفاع الفوائد التي تحصلها من الحكومة أو مؤسسة النقد دون كلفة تُذكر عليها. ولولا هذه الفتوى الذهبية لكانت عوائد الفوائد من إقراض الحكومة ومن مؤسسة النقد توزع بين البنوك وبين الناس، مما سيجعل البنوك تتحرك للبحث عن تمويل أعلى فائدة لتغطية الكلفة، ولا يكون ذلك إلا بتشجيع استثمارات نافعة للبلاد تعود بأرباح كثيرة.
أسرع وأبسط حل لتفادي وضع البنوك في السنوات العجاف هو أن تصرف البنوك إلزاماً الفوائد على الودائع بغض النظر عن العميل إن أرادها أو لا. ففي أمريكا تدخل الفوائد إلى حسابك دون طلب منك، فهذا ما يدفع البنوك على أداء عملها الحديث في الاقتصاد اليوم. السكوت عن هذا الحل البسيط والسريع سببه الفتوى الذهبية وجهل الناس في دينهم واقتصادهم.
الفتوى الذهبية صدرت في زمن يُعَدُّ عصراً حجرياً بالنسبة لوضع الاقتصاد اليوم، وكل محظور احتاط له العلماء في ذلك العصر قد انقلب إلى عكسه مع زوال كل حيثيات الفتوى الذهبية من الناحية الشرعية بالكلية. وأما التصورات التي بنيت عليها الأحكام والتي كانت من أثار الحرب الباردة وبقايا روايات شكسبير والتي كأنها من أساطير الجن لم يعد لها حقيقة اليوم اللهم إلا في كتب الاقتصاد الإسلامي وعلى ألسنة فقهائه.
إشغال الناس بعمل امرأة أو كشف وجهها أو سياقتها أو إشغاله بكتاب ومقولة هو غطاء للمسكوت عنه من أخطاء الفقهاء قديماً والجهل المتأصل حديثاً واللذان دمرا ديناميكية اقتصاد المسلمين وحولت فقه المعاملات إلى متناقضات وحيل وكسر لكل أصول الدين كالنية وأصول الاستنباط وتحريف النصوص واللعب والهزل. ولو علم الناس ما في هذه الفتوى الذهبية وتبعياتها من آثار خطيرة عقائدية وفقهية واقتصادية واجتماعية لأدركوا أنهم في مطاردتهم «احتساباً» للنسوة ونحوه وتجاهلهم عن الفتوى الذهبية وملحقاتها كمن قتل الحسين ويسأل عن دم البعوضة.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
المقال مع. احترامي لكاتبه فيه من المبالغة ودغدغة العواطف مافيه؟؟ عشت في امريكا سبع سنوات ولم يضيف ال بنك في حسابي دولار واحد مع ان رصيدي دائما جيد....ولو سألوني لرحبت !! ثم تصويره بان البنوك هنا دائما خصم ولص ووو ...مع الاسف وانت اكاديمي بجامعة الامام لذا اعتبرك مجازا متدين ولكن لم يمنعك ذلك من رمي التهم انا متاكد ان اي من البنوك لم يطرق بابك لتودع به ثروتك ... نعم البنوك ليست ممتازه او حتي جيده ولكن بالنسبة لك ففي الجوي غيم!!!
هناك خطأ فى السطر الاول والصحيح تريليون و300 الف مليون .... فمن حيث اراد التفسير اوقع القارىء فى مزيد من اللبس ....!!
السطر صحيح، هو قال إن 1.3 تريليون هي مليون وثلاثمائة ألف مليون يعني 1,300,000 مليون، كذلك أكدها هو على أنها ألف وثلاثمائة مليار ريال.
يجب منع الفتاوى في الأمور التخصصية إلا من خلال مجلس وطني متخصص... المطاوعة هداهم الله يا ما أوقعونا في حيص بيص وذهبت أموال مهولة في أيدي لصوص وضعاف ذمة بسبب المطاوعة... هذا على بلاطة وبوضوح تام.
والله كلامك معقول ...!!
وش تبي بالضبط؟ تبي نأخذ فوائد على أموالنا بالبنوك؟؟ يعنى ربا ,, إللا اذا عندك تفسير فقهي غير هالكلام
يا دكتور الحكومه لولا وجود اقوى بنك في البلد من ضمن ثروات ثاني رجل في الدوله وربعه لتم لعن ابو خير البنوك ..
في الثمانينات كانت أغلب مباني البنوك مستأجره ... واليوم كلها مملوكه للبنوك !!!! هي من الفوائد التي لو أخذناها ... وعلى الأقل عبدنا بها الطرق وأصلحنا دورات المياه العامه ... لكان خيراً من تركها للبنوك ... سامح الله من كان السبب
اتفق مع الكاتب على الحقائق المذكورة لكن اختلف على الاستنتاج والحل لكن المهم الاتفاق على الحقائق اولا،،
بالنسبة للفوائد نسأل الله تعالى أن يغنينا عنها ، ولكن ما هي السبل لأسترجاعها من البنوك الغائبة عن المشاركة الإجتماعية إلاّ بنسبئة ضئيلة لا تذكر وتدفعها أغراض شخصية في الغالب ؛ ليتم صرفها في البنية التحتية من طرق ومستشفيات ومدارس وجمعيات المعاقين أو الأمراض المزمنة كالكلى وما شابهها .. وشكراً لك ..
د.حمزة .......الأهم في ما ذكرته هو الحجم الكبير للــ NIBs لدى البنوك السعودية الذي يسرته الفتاوى أما عدا ذلك فهو أمور طبيعية من أعمال المصارف. وفي ظل تدني سعر الفائدة على الــ IBs في الأعوام القليلة الماضية فقدت البنوك السعودية هذه الميزة التنافسية. أود أن أذكر بأن البنوك هدفها الربحية وهي من أفضل القطاعات تقدما في المملكة عدا مساهمتها بشكل كبير في دفع التنمية في المملكة. إن كان هناك من مأخذ فيقع على أصحاب الفتاوي ومؤسسة النقد لا سيما فيما يخص رقابتها على اسعار التمويل الشخصي. شكرا لك.
المقال موضوعي وممتاز وباعتبار انني عملت في قطاع البنوك فقد عايشت عن قرب مدى جشعها ونقصيرها في حق المجتمع , صحيح ان هدفها الربحية ولكن هذا لايعتبر مبررا للتقصير الاجتماعي واذا نظرنا الى المؤسسات المصرفية في الخارج تجد انها تقوم بدور تجاه مجتمعاتها , وللعلم فان غالبية اسهم البنوك دون استثناء تملكها نحو اثنا عشر عائلة فقط ويملك الجزء الاخر صناديق الدولة اذن فهي محتكرة احتكارا شنيعا وثروات نتائج اعمالها تذهب في معظمها الى هذه العائلات المحدودة وصناديق الدولة وكلاهما لايلتفت الى المسؤولبة الاجتماعية ولا تعنيه في شئ ...
الدولة مستفيدة من البنوك لانها تملك ٣٠٪ من اغلب البنوك من خلال صناديقها. و البنوك أعلى القطاعات توظيفاً للسعوديين. البنوك قطاع حيوي مهم في المجتمع لا يستطيع احد إنكاره. لذلك أقول باختصار (سمننا في دقيقنا) كلما زادت أرباح البنوك زادت أرباح الدولة منها بحكم أنها المالك الأكبر في كامل القطاع...
مادام الآمر فيه فتوى شرعية من أهل العلم وأهل الحل والعقد فيه ، فلا ارى حاجه من كاتب الموضوع في طرح الموضوع للعامة ومحاولة استصدار تأييد لما يطرحه في هذا الموضوع مع علمة بخطورة وحساسية طرحه على العامة ، لان مثل هذه المواضيع تحتاج اجماع وفتوى بخصوصها
أتفق معك يا دكتور حمزة في تحليلك ورؤيتك، لكني أختلف معك كثيراً في هجومك المستمر على أهل الفتاوى. قُل رأيك بحيادية واحترام لخصومك "الفكريين والإقتصاديين" دون تجريح أو انتقاص، وسوف تجد عقولاً واعية وآذانا صاغية. وفقنا الله وإياكم للصلاح والفلاح.
وش رائك تصير مفتي في السعودية . ماكل من حصل على الدكتوراه مفتي . إشغال الناس بعمل امرأة أو كشف وجهها أو سياقتها أو إشغاله بكتاب ومقولة هو غطاء للمسكوت عنه من أخطاء الفقهاء قديماً والجهل المتأصل حديثاً
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
سلمت يا دكتور حمزة بس اسمح لي ( ما في الحمض أحد) فكل ما يقال من عندهم مقدس ولا يجب المساس به سبحان الله هل هم رسل ؟هل هم اهل الأختصاص في مثل تلك القضايا؟ هل هم نسقوا مع المجامع الفقهية في البلدان الاسلامية الاخرى؟ بالطبع لا وانظر للتناقض الكبير بيننا وبين الازهر في مثل تلك القضية فقط وليس هناك شيئا مقدسا كل قابل للمناقشة والحوار والرجوع للحق فضيلة والله المستعان