يُعَدُّ قطاع الأسمنت من أهم القطاعات الصناعية في المملكة نظراً للارتفاع المتواصل في حجم الاستثمارات الموجهة للبنى التحتية الإنشائية بمختلف فئاتها، من طرق وجسور وأنفاق ومشاريع إسكان ومبانٍ حكومية وتجارية، حيث تجاوزت الكمية المنتجة لشركات الأسمنت المدرجة في السوق السعودية في عام 2012، 53 مليون طن، وهي التي كانت أقل من نصف ذلك في عام 2005.
وحسب بعض التوقعات قد تصل الكمية المنتجة لهذا العام إلى 69 مليون طن، وأن الكمية المعروضة للسنوات الأربع المقبلة لن تفي بمتطلبات السوق، على الرغم من وجود 14 شركة رئيسة عاملة، إلى جانب شركة أسمنت الصفوة وشركة أسمنت الرياض وشركة أسمنت الجزيرة. يرى بعض المختصين في الاستثمار في شركات الأسمنت أنه إذا زادت كمية الأسمنت المنتج للنسمة الواحدة في أي دولة عن واحد طن، فلا بد أن يحدث نوع من التصحيح في السوق؛ لأن الإنتاج يزيد على الاستهلاك المتوقع للفرد الواحد، غير أن الكمية المنتجة في السعودية تجاوزت هذا المعدل قبل سنوات عدة، وحالياً يقترب الإنتاج إلى نحو طنين للشخص الواحد. لكن مثل هذه التقديرات ليست دقيقة ولا تأخذ الحالة الاقتصادية للدولة في الاعتبار ولا طبيعة الاستهلاك، حيث نجد - على سبيل المثال - أن مساحة البناء للمنازل في المملكة أكبر بكثير من أغلبية الدول، والأسمنت المادة الرئيسة في البناء، وليس الأخشاب ولا الحديد ولا الحجر. إذاً إلى متى سيستمر ازدياد الإنتاج لمادة الأسمنت؟
الأسمنت مادة عجيبة تم اختراعها قبل نحو 200 عام، وكانت في حينها ثورة صناعية كبرى فتحت آفاقا كبيرة في عالم البناء والتشييد. واكتشف القدماء قبل مئات السنين أن رماد البراكين الناتج عن صهر الصخور واحتراقها مع معادن ومكونات أخرى أنتج مسحوقاً ناعماً يمكن خلطه مع الماء والرمل والحصى فيتصلب ويتماسك بقوة مذهلة. حالياً يتم تصنيع الأسمنت بمصانع كبرى تعمل بالطريقة الرطبة أو الجافة، ويتطلب ذلك الحصول على محاجر تحتوي على كميات مناسبة من الأحجار الجيرية ونوعيات معينة من الطين والطفل والحديد والطباشير والجبس.
وتبدأ عملية التصنيع بتكسير الأحجار الجيرية وخلطها مع الطين ومن ثم إحراقها تحت درجات حرارة عالية، تتجاوز 1000 درجة مئوية وتصل أحياناً إلى 2500 درجة مئوية، حسب طبيعة الأحجار ومكوناتها والمرحلة التي تمر بها عملية التصنيع، فينتج عن ذلك مادة الكلنكر التي تخلط مع الجبس وتسحق لتستخلص منها مادة الأسمنت المعروفة.
أكبر دولة منتجة للأسمنت في العالم، بحسب إحصائيات عام 2011، هي الصين بمقدار 1500 مليون طن (أي نحو 30 ضعف الإنتاج السعودي)، تليها الهند بفارق كبير عند 300 مليون طن، ومن ثم الولايات المتحدة بمقدار 114 مليون طن. وأكبر شركة منتجة للأسمنت في العالم هي الشركة الفرنسية (لافارج)، التي تمتلك 166 مصنعاً حول العالم، وتنتج نحو 225 مليون طن في العام (أكثر من أربعة أضعاف الإنتاج السعودي مجتمعاً)، وتمتلك 25 في المائة من شركة أسمنت الصفوة السعودية التي تستخدم تقنية (لافارج) في مصانعها في جدة.
بعد هذه الدول تأتي من حيث ترتيب الإنتاج كل من تركيا وروسيا وفيتنام وإيران واليابان والبرازيل، وفي المركز العاشر تأتي دولة باكستان بإنتاج يبلغ 65 مليون طن. وأول مصنع للأسمنت في المملكة كان لشركة الأسمنت العربية المحدودة في مدينة جدة، حيث بدأ إنتاجه في عام 1959م بطاقة إنتاجية تساوي 300 طن من مادة الكلنكر. تتميز شركات الأسمنت السعودية بانخفاض تكلفة الإنتاج لديها بسبب الدعم الحكومي في تأمين المحاجر ودعم الوقود وانخفاض تكلفة الأيدي العاملة، لذا فإن هامش الربحية لشركات القطاع يتجاوز 50 في المائة من إجمالي المبيعات.
الحقيقة المؤكدة أن النمو المتواصل في إنتاج الأسمنت غير ممكن أن يستمر مدة طويلة، وتجارب الدول كثيرة في هذا السياق، منها الولايات المتحدة التي انخفضت كمية استهلاك الأسمنت فيها لأكثر من النصف خلال السنوات السبع الماضية، حيث كان الاستهلاك في 2005 نحو 122 مليون طن، وانخفض العام الماضي إلى 66 مليون طن، ما نتج عنه خسارة تجاوزت 1.70 مليار دولار في عام 2011 لشركة (سيميكس) التي تعتبر أكبر شركة منتجة في أمريكا. أما أسهم شركة لافارج الفرنسية فقد انخفض سعرها من نحو 120 دولارا في أول عام 2008 إلى نحو 25 دولارا في آخر عام 2011، وأهم أسباب الانخفاض لهذه الشركة وغيرها من شركات الأسمنت الأوروبية والأمريكية يعود لضعف الطلب نتيجة التغيرات الاقتصادية العالمية.
ماذا على شركات الأسمنت السعودية عمله في حال انخفض الطلب على الأسمنت في السنوات المقبلة؟ أولاً علينا أن ندرك أن طبيعة الاستثمار في شركات الأسمنت تتطلب استثمارات كبيرة بشكل أصول ثابتة، وهي سلاح ذو حدين، تؤدي إلى أرباح عالية عندما تكون الدورة الاقتصادية في عزها، حيث تغطي المبيعات التكاليف الثابتة وتكون الرافعة المالية في صف الشركة. أما في حالة ضعف الطلب، فإن التكاليف الثابتة تضغط على الأرباح بشكل عنيف وتنقلب الرافعة المالية ضد الشركة.
هناك حلول قد تساعد على التخلص من الإنتاج الزائد عن طريق التصدير إلى الدول المجاورة التي في حاجة إلى إعادة البناء عقب الظروف السياسية والأمنية الصعبة التي تمر بها حالياً، إلا أن مشكلة تصدير الأسمنت أن تكاليفه عالية وكثير من الدول المجاورة، باستثناء قطر، محدودة في قدرتها الشرائية، ما سيجبر الشركات السعودية على القبول بهوامش ربحية أقل بكثير مما تحققه الآن، وقد لا تكون العملية مجدية للمصانع الواقعة بعيداً عن حدود المملكة. كما أن القرارات الحكومية لمنع التصدير تأتي بين الحين والآخر، وتتسبب في عرقلة خطط الشركات، الأمر الذي جعل بعض الشركات تلجأ لطرق تسويقية مبتكرة، مثل ما تم أخيرًا بين أسمنت الشمالية وأسمنت العربية من تبادل لمادة الكلنكر من خلال مصانعهما في الأردن.
لذا على الشركات التحسب للمستقبل بالعمل على تقليص التكاليف وعدم التوسع في بناء المصانع ما لم تكن هناك دراسات دقيقة لمستوى الإنتاج المطلوب من عشر إلى 20 عاماً قادمة. كما أن هناك حاجة إلى البحث عن أفضل الطرق لإنتاج مادة الكلنكر دون استهلاك طاقة حرارية عالية أو استخدام بدائل للطاقة أقل تكلفة من الاعتماد الكلي على البترول. وهناك فرص للتحكم في كمية المواد الخام اللازمة لإنتاج الأسمنت دون الإضرار بجودة المنتج النهائي، حيث يقدر أن إنتاج طن واحد من الأسمنت يستهلك نحو 1.6 طن من المواد الخام؛ لذا قد يكون تردد وزارة البترول والثروة المعدنية في منح تراخيص المحاجر ليس فقط بسبب التخوف من استنزاف خامات الحجر الجيري والآثار السلبية على البيئة بسبب التلوث، بل لربما يكون لطبيعة المنافسة بين الشركات ومستوى الإنتاج دور في ذلك.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
د. فهد شركة اسمنت الجزيره, لا تعلم ولم تحصل على محجر او وقود حتى الآن
هلا بالباحث... كلامك صح، وقد ورد ذكر اسمنت الجزيرة من ضمن كمية المعروض للسنوات الأربع القادمة على فرض حل مشكلتها مع وزارة البترول أو تفوز بالرخصة أو أن يكون هناك تحالف مع آخرين للحصول على الترخيص.
موضوعها أمام لجنة تصفية المساهمات المتعثره, ولا أتوقع انها ستحصل على رخصه
مره أخرى أسمح لي د. فهد بعدم الاتفاق معك على ان (((وحسب بعض التوقعات قد تصل الكمية المنتجة لهذا العام إلى 69 مليون طن،))) كما ذكرت في مقالك,,والسبب ان أغلبية المصانع ( وبخاصه الحيتان منهم,, السعودي والجنوبيه وينبع واليمامه) يعملون بطاقتهم التصميميه او أعلى, وليس هناك في الافق الا شركة اسمنت حائل والتي ولن تنتج اكثر من مليون الى مليون ونصف طن فقط في 2013,, لذا فانتاج 69 مليون طن اسمنت مستحيييل في الوقت الحاضر , بل سأدعي انهم لن يستطيعوا ان ينتجوا 60 مليون طن في عام 2013
قد يكون يا باحث، ولكن هذه تقديرات "جدوى" وأتفق معها لأن الانتاج في 2012 لبعض الشركات أقل من الأعوام السابقة... على سبيل المثال، اسمنت القصيم 2012 أقل كمية من كل سنة من الثلاث سنوات الماضية، كذلك اليمامة الأقل منذ عامين، وهذا يدل على أنهم ينتجون أقل من طاقتهم.
حتى ولو زاد انتاج اسمنت اليمامه واسمنت القصيم,, فهل سيضيفان اكثر من مليون طن بالسنه؟ اذا كان كذلك فمعناه اننا سنضيف مليونيين لل53 مليون المنتجه في 2012, ونقول مليون ونصف من حائل,, وصلنا الى 56.5 مليون طن, ونقل ان البقيه سيضخون مجتمعين 1.5 مليون طن, كل ذلك اعطانا 58 مليون طن,, وهي تقريبا 10% زياده عن الانتاج في 2012,, لذا من الآن ال60 مليون طن صعبه مره على الجميع لينتجوها,, فما بالك بال69 مليون طن,,, أخيرا اذا جدوى يتوقعون ان الانتاج سيصل ل69 مليون طن,, فهذا توقع غريب من جدوى!!!!!!!!!!!!!!!!
المعدل عند 63.7 مليون طن و ال69 ليست بعيدة كرقم او كواقع.تحياتي,
في نشرة الاصدار لإسمنت نجران، ذكرت عن وجود دراسة بأن المعروض من الاسمنت سيتجاوز الطلب في خلال سنتين الى ثلاث سنوات في السعودية، لذلك لا اعتقد ان الاستثمار في الاسمنت حالياً مجدي للإستثمار طويل المدى ولا وش رايك يادكتور؟
التنمية تلتهم كل جرام من هذه المادة الحيوية ولا يلوح في الافق اي تباطؤ في التنمية على المدى المنظور بل على العكس اذا اخذنا في الاعتبار ازمة الاسكان في البلد التي تحتاج لحلول عاجلة. اي توقف (وارد جداً) لاي مصنع من المصانع العاملة لاي سبب من الاسباب سيخلق ازمة شديدة ويؤثر على الاسعار صعوداً. الخلاصة انه من الان الى عشر سنوات قادمة الاسمنتات مربحة بلاشك والله اعلم.
رأيي الشخصي إن فيه مخاطرة كبيرة خصوصاً إن كثير من المشاريع الكبرى انتهت تقريبا من العظم.
اشكرك على هذا الموضوع الهام -- ولكن لم اقرأ لاحد اخذ في الحسبان ان هناك خطوط قديمة جداً قد تخرج من الخدمة في الاعوام القادمة لبعض الشركات
شركات الاسمنت اتوقع.........لازالت متماسكة لقوة الطلب.......ومنها مثال ........مشاريع الاسكان...و لاتنسون ان الكلنكر في انخفاض..........الامر الذي يؤثر على عمليات الطلب في الثلاث السنوات المقبلة..........مما قد يزيد في الاسعار لقلة المنتج
اتوقع مع زيادة الإنتاج تنخفض الأسعار . و المستفيد من زيادة الإنتاج العقار ! ! ! .
اشكر الدكتور فهد على المقال.. وعلى الرد على اسئلة المشاركين ووالله اني اتابع المشاركات اكثر من متابعة المقال للك تحياتي يا دكتور
بعد الشكر الجزيل لك أخي الدكتور فهد على هذا المختصر الجميل, أعتقد أن هناك عاملا مهما طراء على الساحة وظهرت بوادر تأثيره على هذه الصناعة ألا وهو موضوع النقل من المصانع للأسواق . فتكلفة النقل في السابق كانت لاتمثل شيئا ومع القرارات المتسارعة بدون النظرة الشمولية مثل قرارات نطاقات ومواعيد السير اصبحت تكلفة النقل عامل مؤثر. هل تتوقع من صاحب الناقلة عندما يجد وفرة مثلا في اسمنت القصيم ويقوم بنقله الى جده التي تعاني نقصا ويفرض عليه ان يبيع بسعر محدد كما لو كان نقله من مصنع قريب, هل تتوقع منه المبادرة بتوفير المنتج. الموضوع لايحتاج ترقيعا وقرارات تصب لمصلحة جهة دون النظر لتأثيراته الجانبية.
كلام منطقي..
معلومات وافيه وشافيه وقيمه عن انتاج مادة الاسمنت يعطيك العافيه يادكتور فهد ..
وقالت شركة "ارامكو" إن شركات الإسمنت لا تعمل بكامل طاقتها الانتاجية حيث تبلغ الطاقة الانتاجية لجميع شركات الاسمنت العاملة حوالي 57 مليون طن بينما الانتاج الفعلي لا يتجاوز 52 مليون طن سنويا خلال العام الماضي.