افاق اقتصاد المملكة فى 2010 بين التفاؤل والواقع!! 2/2

07/02/2010 1
د . جمال شحات

استكمالا لما بداناه فى المقال السابق لو نظرنا إلى فرص الاستثمار المتاحة لوجدنا أنّ آفاق الاستثمار في قطاع العقارات لا تزال تُغري كبار المستثمرين، وإنْ بدرجة أقل من التي برزت مؤخرا.. إذ يرى رجال الأعمال السعوديون أن مخاطر الاستثمار في العقارات محدودة.. وعندما سئلوا عن أكثر الأصول ربحاً، أجاب 47.2 % من المديرين التنفيذيين للشركات بأنّ عائدات الاستثمار في العقارات أكبر من عائدات الاستثمار في الأسهم أو السندات المالية أو العملات الصعبة ـ وهذه النسبة أقل من التي رصدت في سياق إعداد تقرير الربع الرابع من عام 2009، وقدرها 59.4 %.

كما خسرت العقارات جزءاً من جاذبيتها لصالح العملات الصعبة والأسهم ـ ثاني وثالث أكثر الأصول إغراءً في نظر مديري الشركات .. إذ رأى 26.6 بالمائة من الذين استُطلعت آراؤهم (مقابل 21.5 بالمائة في الربع الرابع من العام الماضي) أنّ العملات الصعبة توفّر أفضل فرص الاستثمار على المدى المتوسط، بينما فضّل 21 بالمائة منهم الاستثمار في الأسهم (مقابل 12.7 بالمائة في الربع الرابع من العام الماضي)، في حين، فضل 5 بالمائة منهم السندات المالية.

تميل غالبية الشركات السعودية إلى الاعتقاد بأنّ أسعار العقارات المحلية في استقرار إذ توقّع 65.5 بالمائة أنْ ترتفع أسعار العقارات في المملكة أو أنْ تبقى ثابتة خلال الربعيْن المقبليْن. ورأى 43.4 بالمائة من المديرين أنّ أسعار العقارات سترتفع، بينما رأى 23.9 بالمائة منهم أنْ أسعار العقارات ستنخفض خلال نفس الفترة. إذاً، ضعفت جاذبية العقارات بشكل طفيف منذ الربع الأخير من عام 2009 ـ لأنّ نسبةً أكبر من الذين استُطلعت آراؤهم حينذاك (26.7 %) توقعت أنْ تنخفض أسعار العقارات.. تاريخياً تعزّز اهتمام المديرين التنفيذيين بالاستثمار في العقارات بسبب شعورهم بأنّ الاتّجاه المستقبلي لسوق الأسهم المالية أصبح غامضاً، مع أنّ هذه السوق نمت بنسبة 14 بالمائة بين سبتمبر وأواخر يناير مدعومةً، بالدرجة الأولى، بارتفاع أسعار أسهم شركات الصناعات البتروكيماوية.

وتمثّلت الإجابة الأكثر شيوعاً على السؤال حول الأداء المتوقّع لأسواق الأسهم في الربعيْن المقبليْن بـِ"لست متأكّداً".. وكانت هذه إجابة 42.4 % من المديرين التنفيذيين، بينما تنبّأ 22.7% منهم بأنّ أسعار الأسهم سترتفع ورأى 19.7 %منهم بأنّها ستنخفض.. وعلى صعيد قطاعات الأسهم، قال 47.7 % من رجال الأعمال إنّ البتروكيماويات هي قطاعهم المفضّل، بينما أشار 34 % منهم إلى أنهم يفضّلون القطاع المصرفي.

وعلى صعيد التضخم عاد ارتفاع الأسعار إلى دائرة اهتمام المديرين التنفيذيين للشركات .. لكنّ الدراسة أظهرت أن أقلية نسبية فقط %43.4  تتوقع أنْ يرتفع معدل التضّخم خلال الربعيْن القادميْن؛ وهذه هي نفس النسبة التي سُجّلت في الربع الرابع من العام الماضي. في المقابل، توقّع 23.9 %من الذين استُطلعت آراؤهم أنْ ينخفض المعدل الوسطي للتضّخم خلال الربعيْن القادميْن، بينما رأى 22.1 % منهم أنّه لن يتغيّر خلال نفس الفترة.في الوقت نفسه، تجلّى لنا أنّ نسبة مثيرة من الذين استُطلعت آراؤهم (83 %) تميل إلى استبعاد حدوث أي تغيير في سعر صرف الريال السعودي خلال الربعيْن المقبليْن. وتربط المملكة عملتها الوطنية بالدولار الذي يساوي 3.75 ريال.. كما أنّ صنّاع السياسة السعوديين أكّدوا في مناسبات عديدة أنّ ربط الريال بالدولار يُعدُّ أحد مصادر الاستقرار بالنسبة للمستثمرين، وأنهم سيواصلون الحفاظ عليه. ونحن نعتقد أنه لن يطرأ أي تغيير على السياسة النقدية السعودية في المستقبل المنظور.

 وتظهر الآراء التي أدلى بها المديرون التنفيذيون في سياق الدراسة التي أجريت لتحديد مؤشّر البنك السعودي الفرنسي لثقة الشركات السعودية بالاقتصاد المحلي خلال الربع الأول من عام 2010، تظهر أنّ تفاؤل الشركات السعودية يتّخذ منحنى تصاعداً واضحاً.. ويُجمع المديرون التنفيذيون على أنّ ترسيخ المناخ الاقتصادي الداعم لتوسيع أنشطة شركاتهم سيستغرق بعض الوقت. ومع أنّ الشركات السعودية، عموماً، تبدو متأكّدة من أنّ التباطؤ الكبير الذي شهدته المملكة في العام الماضي قد انتهى؛ إلا أنها منقسمة بشأن موعد عودة أنشطتها ومستويات الطلب إلى النمو بمعدّلات كبيرة.

واضحٌ أنه من الصعب على الشركات أنْ تتنبأ بموعد انتهاء دورة التباطؤ الاقتصادي لكي تمهد الطريق لإطلاق دورة اقتصادية جديدة أكثر نشاطاً ـ وهذا لا ينطبق على الشركات السعودية وحدها. إذ يتبن لنا في المشهد العالمي، خصوصاً في أوروبا والولايات المتّحدة، أنّ الطريق نحو التعافي الاقتصادي الكامل سيكون طويلاً وشاقّاً. على الرغم من وصول الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة الامريكية الى 5.7 % (كمعدل سنوي) في الربع الرابع في عام 2009 إلا أن اسعار الفائدة لا تزال منخفضة جداً وسوق المال في تذبذب وعدم استقرار وضعف ثقة المستهلك .. ولئن مالت الأسواق إلى الاعتقاد بأن الأمور عادت إلى وضعها الطبيعي، نتوقّع أن يظلّ التعامل مع المناخ العالمي الحالي تحدّياً صعباً خلال عام 2010، الأمر الذي قد يجعل المستثمرين أكثر تحفّظاً. ونتوقّع أيضاً أنْ يتجاوز متوسط سعر برميل النفط في عام 2010، المستوى الذي سجّله في عام 2009، لكنّنا نستبعد أنْ تبقى أسعار النفط فوق ثمانية وسبعين دولارا للبرميل (غرب تكساس) لفترات طويلة، خلافاً لتوقّعات البعض.

بدأنا لمراقبة المخاطر السلبية الخطيرة على النفط دون سعر 78 دولارا للبرميل .. فمع أنّ السنة الجارية بدأت بأسعار فاقت الثمانين دولاراً للبرميل. إلا أنّ مستوى الطلب على النفط ومخزونات الدول المستوردة له سيسهم في خفض أسعاره .. وسيكون لحالات الركود الاقتصادي آثار غير متناظرة على مستويات الطلب على النفط لأن تأثيرها في الطلب على زيت الغاز سيكون أكبر بكثير من من تأثيرها في الطلب على البنزين. وقد كان وقوع الأزمة المالية العالمية على المملكة أخفّ من وقوعها على العديد من باقي دول مجموعة العشرين .. وبواقع 3.3 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي كعجز في ميزانية المملكة، كانت هذه النسبة أقل من نصف نظيراتها التي توقّعتها بقية دول مجموعة العشرين في عام 2009.

في الماضي القريب فقدت سوق الأسهم السعودية الكثير من بريقها في نظر المستثمرين السعوديين الذين اختاروا الاستثمار في العقارات، أو فضلوا ادخار أموالهم في البنوك. وقد يترك سنّ بعض التشريعات خلال الشهور المقبلة أثراً إيجابياً على هذا المنحى .. لكنّ قانون الرهن العقاري المرتقب ـ الذي قد يدخل حيّز التنفيذ في النصف الأوّل من العام الجاري ـ قد يحتاج إلى بعض الوقت لإعادة كامل الزخم إلى قطاع العقارات. ويعاني قطاع العقارات السعودي من نقص حادّ في العَرض مما أبقى معدلات تضّخم أسعار الإيجار عند مستويات مرتفعة للغاية خلال السنتيْن الماضيتيْن. ولم يتعرّض قطاع العقارات السعودي إلى التصحيحات الكبيرة التي شهدتها قطاعات العقارات في الدول المجاورة، مثل الإمارات وقطر، لسبب رئيسي هو عدد المواطنين السعوديين الكبير نسبياً .. ومعدل التضخم لا يمثل قلقا هاما في معظم دول الخليج حيث إن بعض البلدان ومنها الإمارات وقطر لا يزالون في درب الانكماش.

ويُحتمل أنْ يبلغ المعدّل الوسطي للتضّخم 4.3 بالمائة في عام 2010، لأنّ مستوى النشاط الاقتصادي ومعدّل الطلب المحلييْن سيُساهمان في بقاء الضغوط السعرية ثابتة .. وارتفاع سعر الدولار وانخفاض معدل التضخم في منطقة اليورو عاملان أساسيان في انخفاض أسعار السلع المستوردة. نحن نتوقّع أنْ ينمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمعدّل 3.9 بالمائة في العام الجاري، بالمقارنة مع 0.2 بالمائة في العام الماضي، وذلك بفضل التحسّن العامّ المرتقب في أداء القطاعيْن العام والخاص .. لكن إحجام البنوك عن توسيع نشاطها الائتماني بوتيرة عالية سيبقى عائقاً رئيسياً أمام التعافي الكامل للاقتصاد السعودي. ومع أنّ البنوك السعودية غارقة في السيولة منذ فترة طويلة، إلا أنها تفضّل تفادي مخاطر التسليف.

في الوقت ذاته، تراجعت رغبة القطاع الخاصّ في التوسّع مقارنةً بالسنوات السابقة، خصوصاً قبل عام 2008. وقلّصت هذه الظروف أرباح البنوك السعودية في عام 2009، كما ساهمت في انتشار سياسات تفادي المخاطرة على نطاق واسع. ومثّل تقليص البنوك لحجم القروض التي قدمتها إلى القطاعيْن العامّ والخاصّ في العام الماضي أحد الأسباب الرئيسية للتباطؤ، الذي سجّله الاقتصاد السعودي خلال ذلك العام. وتعاملت الحكومة مع هذا التباطؤ، بشكل أساسي، من خلال برنامجها الانفاقي التحفيزي الذي اعتمد على أصول الدولة المملوكة في الخارج.

وفي عام 2010، أعلنت المملكة عن أكبر ميزانية عامّة في تاريخها، مما قد يحسّن أداء الاقتصاد السعودي خلال الأشهر القادمة لأنّ مستويات الانفاق الحكومي العالية سوف تستمر. ومن شأن تنامي أرباح البنوك أن يؤدي إلى تحسين أداء سوق الأسهم أيضاً. لكننا لسنا متأكدين من مدى تأثر سوق الأسهم السعودية إيجاباً بتحسّن أداء أسواق الأسهم العالمية .. لكننا نتوقّع أنْ تتأثر سوق الأسهم السعودية دائماً بعمليات التصحيح التي تشهدها أسواق الأسهم العالمية .. وظل حجم التبادلات في سوق الأسهم المحلية متواضعاً نسبياً لأنّ المستثمرين توخّوا الحذر في إنفاق أموالهم أو فضلوا استخدامها في تعزيز سيولة شركاتهم، بسبب شحّ القروض المصرفية الناجم عن سياسة تلافي المخاطر.

وتُمثِّل رغبة القطاع الخاصّ في التوسّع والنمو، الجانب الآخر من معادلة النمو. فقد قامت الحكومة باللازم وستبدأ البنوك بتوسيع نشاطها الائتماني بشكل تدريجي .. لكن البيئة العالمية أثبتت عدم قدرة أيّ اقتصاد في العالم عن حماية نفسه من الهزات الارتدادية لزلزال الركود العالمي .. فالثقة، أو درجة انعدامها، التي ستسود العالم في عام 2010، ستؤثّر حتماً في توجّهات الشركات المحلية السعودية .. ونحن نتوقّع حدوث تقلبات كبيرة في اتجاه السوق السعودية خلال الجزء الأكبر من العام الجاري.

الله اسأل أن يعم الخير والرخاء على ربوع المملكة وأهلها وان يجنبنا تداعيات الأزمات ويوفقنا جميعا لما فيه خير البلاد والعباد انه ولي ذلك والقادر عليه .......