صنّاع القرار والخيار الصعب (بعض رجال الأعمال ضد القوى العاملة)

19/01/2013 10
د. أنور أبو العلا

 اعتراض بعض ما يسمى رجال الأعمال على توظيف السعوديين كما تبين لنا بشكل صريح من رفضهم قرار فرض 200 ريال رسوم شهرية على استخدام العمالة الأجنبية وتهديدهم بأن تطبيقه سيضطرهم إلى ترك أعمالهم، كشف لنا مدى هشاشة هذا القطاع وبأنه بوضعه الحالي لايستطيع أن يعيش إلا على جثة القوى العاملة الوطنية (تعطيل شباب البلد) وهذا يضع صانع القرار أمام خيار صعب اما أن يرضخ لطلباتهم ويتخلى نهائياً عن عملية السعودة فيترك الشباب عاطلاً بكل مايتبع ذلك من مضاعفات خطيرة تضر جميع نواحي الحياة في المملكة بما فيهم الذين يستفيدون مؤقتاً من إعاقة السعودة. أو أن يختار صانع القرار أن يمضي قدماً في توطين العمالة وعلى المعترضين إما أن يتأقلموا ويندمجوا تدريجياً في عملية السعودة وإلا إذا لم يستطيعوا - كما يقولون - التأقلم فمن صالحهم وصالح الوطن أن يتركوا الصنعة فهو خير لهم وللوطن فاستمرار وضعهم الحالي سيؤدي حتماً إلى تدمير اقتصاد البلد بكامله لأنه من المستحيل أن يعيش اقتصاد أي دولة من دول العالم على استخدام الإيدي العاملة المستقدمة من الخارج وطرد الأيدي العاملة الوطنية من غير أن تكون حتماً نهاية هذا الاقتصاد الدمار.

المقارنة الجادة بين الخيارين بالتأكيد سترجّح حتما كفة خيار التوطبين لأنه بأي حال من الأحوال لا يمكن الأستمرار في التضحية بالقوى العاملة الوطنية (أهم عنصر في عناصر الإنتاج) من أجل فئة قليلة تعتقد خطأ أن مصالحها تتعارض مع مصالح كامل الوطن.

لقد تنبّهت المملكة منذ الطفرة الأولى إلى أهمية القطاع الخاص وضرورة مشاركته في تحقيق أهداف خطط التنمية لاسيما إيجاد الوظائف للمواطنين وتنويع مصادر الدخل (تقليص الاعتماد على البترول) لكن لعدم توفر الأيدي العاملة الوطنية الكافية حينذاك "فقد دعت الخطط 2 و3 و4 إلى التوسع في الاستقدام من أجل تنفيذ التجهيزات الأساسية" وفقاً لتعليق سعادة الأستاذ الفاضل حسين سجيني (وكيل وزارة التخطيط سابقاً) على مقالي المنشور في هذه الزاوية بعنوان خطة التنمية الأولى (ماهو مصير أهدافها الثلاثة) بتاريخ 8 مايو 2010 (العدد 15293).

إذن التوسع في الاستقدام أساساً كان متعمداً لأداء عمل مؤقت يقتصر على تنفيذ التجهيزات الأساسية في الخطط 2 و3 و4 يكون في نهايتها قد أدى المطلوب منه وتم خلالها إعداد الكوادر الوطنية لتنفيذ الخطط التالية وبالتالي يمكن تقليص الاستقدام تدريجياً وإحلال القوى العاملة الوطنية. لكن الذي حدث هو العكس لعدم متابعة الجهات المعنية على أرض الواقع مع القطاع الخاص عملية الإعداد والإحلال وبالتالي استحلى القطاع الخاص التوسع في عملية الاستقدام حتى أصبح لايستطيع الاستغناء عنها.

الدرس المستفاد الآن من تجربتنا الماضية هو يجب أن نعيد النظر ولا نتسرع في عملية الخصخصة (تحويل النشاط الاقتصادي الحكومي إلى القطاع الخاص) إلا بعد أن نضع القواعد الأساسية التي تضمن بأن يكون القطاع الخاص جاداً ومؤهلاً للقيام بالمهمة والاستدامة والتي أوّل شروط مؤهلاته واستدامته (كما يحدث في جميع بلاد العالم) الاعتماد كلياً على القوى العاملة الوطنية.

موضوع زاوية السبت القادم - إن شاء الله - سيكون عن المنشآت الصغيرة وتصحيح مسارها قبل فوات الأوان حتى لا تتكرر وتتراكم الأخطاء وتتفاقم المعضلة.