هوس الكونغرس ( مجلس النواب) الأمريكي

16/01/2013 3
سعيد بن زقر

هاوية مالية أم إنحدار؟ ليس مهما ما نطلقه عليها، ما يهم هو طبيعتها و(هوس) الكونغرس (مجلس النواب) الأمريكي وغبائه لخفض النشاط الاقتصادي!

ذلك لأن السؤال الذي يطرح نفسه هو: على أي ظهر ينبغي موازنة الميزانية المالية الفيدرالية؟ ضرائب أعلى أم خفض الإنفاق؟ وبينما يحتد هذا الجدال فإن السؤال الجوهري الصحيح يتم تجاهله وهو:لماذا القلق بشأن موازنة الميزانية الفيدرالية من حيث المبدأ؟

 الأفراد والأسر ليسو كالحكومات التي تصدر عملتها الحرة الخاصة والتي لا تقبل أن تحول إلى أي شيء آخر مثل الذهب أو أي عملة أخرى. الحكومة الفيدرالية الأمريكية تنتج الدولار والولايات الأمريكية ومن فيها مستهلكون للدولار الأمريكي. وبما أن ديون الحكومة الفيدرالية الأمريكية بالدولار الأمريكي، فإنه يستحيل أن تفلس الحكومة الفيدرالية الأمريكية بأي حال من الأحوال. لأنه بوسعها إصدار أي كمية من عملتها، طالما أن كمية العملة (الصرف الفيدرالي) يساوي كل ما يمكن أن ينتجه الاقتصاد المحلي الأمريكي، ولن يتكرر ما حدث في جمهورية ويمار أو زيمبابوي من تدهور في العملة المحلية وإنفجار معدل التضخم. وأكبر برهان هو ما حدث من قبل البنك المركزي الأمريكي.. إذ لم تحدث سياسات مالية أي إنهيار للدولار الأمريكي أو تترتب عليها زيادة حادة لمعدل التضخم.

ولهذا عندما نسمع بأن الحكومة الفيدرالية الأمريكية وازنت ماليتها (وفي بعض من الحالات أنتجت فائض)، فإنه فقط في سبع فترات منذ عام 1776 حققت إيرادات كافية لتغطية كل إنفاقها خلال 1817-21، 1823-36، 1852-57، 1867-73، 1880-93، 1920-30، 1998-2001. وقد شهدنا كذلك ست فترات كساد اقتصادي بدأت في 1819،1837، 1857، 1873، 1893، 1929.

هل ترى أي صلة بين الفترات المذكورة ومايجري حاليا؟ في الحقيقة إن الاستثناء الوحيد لهذا النمط (من الموازنات) ظهر في نهاية التسعينات وبداية 2000م عندما دفعت فقاعة الـ دوت كوم والعقار الأمريكي إلى استهلاك هائل لفوائض كلينتون مما نتج عنه الكساد العظيم في 2007-2009م.

ربما تساءل القاريء الآن لماذا ما يبدو كموازنة أو فائض يحدث كساداً وضررا هائلا  بالاقتصاد؟
إن الإنفاق الفيدرالي الأمريكي هو منبع الحياة ودم الاقتصاد الأمريكي، لأن المصدِّر الوحيد للدولار الأمريكي هو الحكومة الفيدرالية الأمريكية. لأن الضرائب وكل ما يدخل خزينة الحكومة الفيدرالية الأمريكية يوصف إقتصاديا بتدمير العملة لأنه يخرج العملة من الاقتصاد. وتذكَّر يا عزيزي القاريء، القطاع الخاص والأسر وباقي العالم يحتاجون للدولار (كعملة) للبيع والشراء مع الأمريكان (حكومتهم، وولاياتهم وشركاتهم وأفرادهم) وفي كل ذلك المصدِّر الوحيد للدولار الأمريكي هي الحكومة الفيدرالية الأمريكية.

إن الإنفاق العام هو بمثابة دم الحياة الاقتصادية، بدونه لن يكون هناك أي بيع وبدون بيع لا توجد أرباح، وبدون أرباح لا يوجد أي مبرر لأي جهة تعمل في القطاع الخاص أن تنتج أي منتج للسوق ونتيجة لذلك لن تكون هنالك أي وظائف. إن إنفاق أي شخص هو إيراد شخص آخر. وتعلمنا من مباديء الاقتصاد بأن الانفاق يجلب الإيرادات وأن الإيرادات أو الدخل يخلق البيع وأن البيع يوفر الوظائف.

توفير الوظائف هو ما يحتاجه أي اقتصاد يهدف للنمو ورفع من مستوى معيشة مواطنيه وتحسين جودة  الحياة لهم. ولهذا فإن معدل البطالة بمثابة مؤشر لقياس أداء الاقتصاد الكلي، وعندما يسجل معدل أعلى، فإن ذلك مؤشر على أن الصرف الحكومي ضئيل ولابد من زيادته، لأن المصدر الوحيد للعملة المحلية هي الدولة، وندرة العملة تقلل البيع وقلة البيع تقلل الدخل أو الربح وبالتالي معدل الزيادة في الوظائف!

في الأوضاع الحالية، أي نمو اقتصادي ضعيف، يستدعي من الكونغرس الأمريكي فقط النظر في ما يحدث لمعدل البطالة وبالتالي تجاهل العجز لأنه مجرد عرض. كما أن زيادة الضرائب وخفض الانفاق ستسحبان البساط من تحت أقدام المستهلكين وبالتالي يحدث الخلل في معادلة الدخل والبيع والتوظيف.