كل عام وأنتم بخير، فقد شارف العام 2012 على الإنتهاء وسيبدأ بعد غد عامُ جديد، نرجو الله أن يكون عام خير وبركة على أمتنا العربية والإسلامية، وأن يحفظها المولى من كل سوء، وأن يديم الاستقرار على هذا البلد الكريم وأن يحفظ أهله وقادته،،،، إنه على الإجابة قدير، وبعباده خبير بصير. وقد يكون من المفيد ونحن على أبواب عام جديد أن نستذكر ما طرأ على ملامح الاقتصاد القطري من تغيرات وتبدلات فيما مضى من شهور العام 2012، وأبدأ هذه السلسلة من المقالات بالحديث عن مستويات معدل التضخم في قطر كما يقيسه المؤشر المعروف بإسم الرقم القياسي لأسعار المستهلك، وهو المؤشر الذي يصدر شهرياً عن جهاز الإحصاء.
المعروف أن معدل التضخم هو مؤشر يقيس ما يطرأ على أسعار المستهلك من تغيرات في فترات منتظمة مقارنة بما كانت عليه في نفس الفترة من العام السابق. وهو بذلك من المقاييس الاقتصادية المهمة جداً لاتصاله بحياة الناس كافة سواء في ذلك الأفراد أو المؤسسات، وله علاقة بالميزانيات وبالقوة الشرائية للنقود ومستويات المعيشة. كما أنه يحظى باهتمام بعض أجهزة الدولة وفي مقدمتها إدارة حماية المستهلك التي تراقب مستويات أسعار السلع والخدمات المقدمة للمستهلكين وتحرص على ضبطها ومعاقبة التجار المخالفين لقوائم الأسعار التي تصدر عنها، كما يحظى باهتمام من مصرف قطر المركزي الذي يرسم -بناء عليه- سياسته النقدية بما يساعد على الحيلولة دون خروج المعدل عن السيطرة.
ووفقاً للبيانات التي صدرت مؤخراً عن جهاز الإحصاء فإن معدل التضخم في قطر قد بلغ مستوى 2.6% في شهر نوفمبر الماضي. ومعنى ذلك أن مستويات أسعار المستهلك في شهر نوفمبر كانت أعلى مما كانت عليه في نوفمبر 2011 بما نسبته 2.6%، وهو معدل منخفض إذا ما قيس بالمعدلات السائدة في العالم، ويعكس في المتوسط استقراراً في مستويات الأسعار بوجه عام خلال السنة المنتهية بنهاية نوفمبر 2012، وإن كان هذا الاستقرار يختلف في درجته من مجموعة إلى أخرى بين مجموعات السلع والخدمات المكونة لسلة قياس المعدل. فمجموعة الغذاء والمشروبات ارتفعت أسعارها في المتوسط عن نوفمبر 2011 بما نسبته 3.1%، بينما ارتفعت أسعار مجموعة الإيجار والوقود بنسبة 1.9%، وارتفعت أسعار مجموعة النقل والاتصالات بما نسبته 1.7%. وهذه المجموعات الثلاث مجتمعة تشكل في أهميتها للمستهلك ما نسبته 65.9%، أي ما يقرب من ثلثي مجمل إنفاقه على السلع والخدمات. وهناك مجموعات أخرى تشكل ثلث الإنفاق المتبقي وأهمها مجموعة التسلية والترفيه والثقافة وتشكل 10.9% من إنفاق المستهلك في قطر في المتوسط، وقد ارتفعت أسعار هذه الفئة بما نسبته 5.8% عن نوفمبر 2011، يليها مجموعة الأثاث والمنسوجات التي ارتفعت أسعارها بنسبة 2.4%، ثم مجموعة السلع والخدمات المتفرقة وارتفعت أسعارها بنسبة 3.3%، فمجموعة الملابس والأحذية وارتفعت أسعارها بنسبة 2%، فمجموعة العناية الطبية وارتفعت أسعارها بنسبة 1%.
والملاحظ أن الزيادة في الأسعار كما عبر عنها معدل التضخم قد جاءت محدودة، رغم أن الفترة شهدت زيادة في الرواتب والأجور للقطريين بنسبة 60%، وهي زيادة كانت كفيلة في ظروف مختلفة بإحداث زيادة في الطلب على السلع والخدمات، يتربتب عليها زيادة في الأسعار وهو ما لم يحدث. فلماذا بقي معدل التضخم مستقراً ولم تطرأ عليه إلا زيادة محدودة إذا ما قورن بمعدل التضخم في العام السابق الذي كان في حدود 2%؟
الحقيقة أن ذلك يرجع إلى تباطؤ نمو القطاعات غير النفطية، وتباطؤ نمو السكان، واستمرار وجود فائض كبير من الوحدات السكنية رغم ما يجري من عمليات هدم في إطار برامج التخطيط العمراني. وقد سجل مؤشر مجموعة الإيجار زيادة في أسعاره بنسبة 1.9% عن نوفمبر 2011، وهذه المجموعة كبيرة الوزن وتشكل بمفردها ثلث الإنفاق الاستهلاكي. ومن جهة أخرى ارتفعت أسعار بعض المجموعات كالنقل والاتصالات، ومجموعة الأحذية والملابس بنسبة 2% فقط أو أقل، مستفيدة في ذلك من التحسن الذي طرأ على سعر صرف الريال مقابل العملات غير الدولارية كاليورو والين والإسترليني، حيث أدى هذا التحسن إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة بتلك العملات.
من جهة أخرى يشكل انخفاض معدلات فائدة الاقتراض من البنوك إلى أدنى مستوى تاريخي له عامل ضغط إضافي على أسعار السلع والخدمات المختلفة، وكان ارتفاع تلك المعدلات إلى 10% أو أكثر في فترات سابقة مبرراً لزيادة الأسعار.
وإذا نظرنا إلى عام 2013، فإننا سنجد أن المعدل العام للتضخم مرشح لأن يظل دون مستوى 3% سنوياً، وذلك لنفس الاعتبارات المشار إليها أعلاه حيث أن الزيادة التي ستطرأ على الإيجارات ستكون محدودة لاستمرار وجود الفائض في المعروض من الوحدات السكنية. كما أن سعر صرف الدولار-ومن ثم الريال- مرشح للاستقرار إن لم يكن الارتفاع أمام العملات الأخرى بما يحافظ على أسعار السلع المستوردة. وستظل معدلات الفائدة منخفضة في ظل احتمالات تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وعدم خروج أوروبا من دوامة أزمة الديون. الجدير بالذكر أن معدل التضخم في شهر نوفمبر كان قد انخفض إلى 2.6% من 2.7% في نوفمبر، وهو ما يعكس ضعف العوامل المحفزة لارتفاع الأسعار في هذه الفترة.
وفي سياق متصل بهذا الموضوع أشير إلى ما جرت عليه العادة من استبعاد مجموعة الإيجار والوقود من الرقم القياسي للأسعار –رغم أهميتها النسبية المرتفعة في إنفاق المستهلك- وذلك لحساب رقم معدل للتضخم لا تظهر فيه آثار التغيرات الاستثنائية والكبيرة في بند الإيجار. ولقد كان لهذا الاستبعاد مايبرره في السابق عندما كانت تلك التغيرات كبيرة ومؤثرة كما حدث في فترة الطفرة حتى منتصف عام 2008، أما وقد تقلصت تلك التغيرات إلى حد كبير فإن عملية الاستبعاد ستصبح بدون معنى حيث أن معدل التضخم بعد الاستبعاد لن يختلف كثيراً عنه قبل الاستبعاد.
وأود أن أختم هذا الموضوع بالحديث عن مؤشر آخر هو الرقم القياسي لأسعار المنتجين، ذلك أن هذا الرقم يُستخدم في الدول الصناعية كمؤشر آخر على معدل التضخم إلى جانب الرقم القياسي لأسعار المستهلك، إلا أن هذا الأمر لا يصلُح في قطر باعتبار أن معظم المواد المنتجة التي يقيسها الرقم هي مواد للتصدير كالنفط والغاز والبتروكيماويات، حيث تتحدد أسعار هذه المنتجات وفقاً للبورصات العالمية للسلع. وعليه فإن من الخطأ أخذ التغير في الرقم القياسي لأسعار المنتجين كمقياس للتضخم في قطر، حيث أن أرقامه ستكون مختلفة تماماً عن أرقام أسعار المستهلك، والأخذ بها يكون مضللاً. وقد أشرت إلى هذه الملاحظة في مؤتمر الإحصاء الأخير وطالبت بأن يؤكد جهاز الإحصاء على أن الهدف من إنتاجها هو استخدامها في حساب الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة. وأرجو أن يلتفت الأخوة في مصرف قطر المركزي إلى هذه الملاحظة عند إعداد تقريرهم السنوي.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
بالفعل أخوي بشير فـ مؤشر قياس المستوى العام للأسعار من المؤشرات المهمة في بناء سياسة الدولة المالية والنقدية والأقتصادية وبناء عليه يتم اتخاذ القرارات ويتأثر مباشرة بالعرض والطلب على جميع السلع ونحن في قطر وانت تعلم أستاذي أننا مقبلين على طفرة اقتصادية كبيرة مع أستضافة كأس العالم والتي تتطلب معها زيادة السكان بشكل كبير والسكان هم الأساس في زيادة الطلب على اي منتج وينتج عن ذلك زيادة السعر وبالتالي التضخم .. والملاحظ في دولتنا أنها لم تضع الاحتياطات اللازمة في كبح الأسعار من خلال اقامة الصناعات الغذائية والاسكان ومواد البناء او الاسعار الاخرى على المنتجات المتنوعه من خلال وضع السياسات والبدائل لأحتواء أي زيادة في الأسعار .. وأنا أتوقع أستاذي أن دولتنا ستواجه أرتفاعات قياسية في الأسعار مع الأقتراب من موعد تنظيم كأس العالم لعدم وجود العرض الكافي من السلع والمنتجات .. أخوك فواز الهاجري - دولة قطر