ميزانية قياسية واقتصاد محبط ...أين الخلل ؟!

29/12/2012 15
طارق الحيدري

ونحن ننتظر هذه الايام اعلان الميزانية السنوية للدولة و المتوقع أن تكشف عن ارقام قياسية ضخمة سواء في اجمالي الايرادات و المصروفات آو الفائض فلا بد من رؤيتها بمعاير حقيقية تعكس عن تاثير ما تم تحقيقه من ايراد او ما تم صرفه من مبالغ على واقع و مستقبل المجتمع المعني القريب والبعيد , فغاية كل دولة هي تطوير مجتمعها و رفاهية و تامين مستقبل آمن لأجيالها اللاحقة .

إن القارئ الجيد لحال اقتصادنا يدرك جيدا أنه على الرغم من النتائج القياسية لميزانيات السنوات القليلة السابقة إلا أن ذلك لم ينعكس على المواطن بما يوازي تلك النتائج و قد يعود ذلك الى سوء المعايير المستخدمة في قياس تحسين الاداء لدى صناع القرار و التي وجب تطويرها فاذا كانت هذه المقايس رديئة لقياس رفاه المجتمع و تطويره فاننا نسعى حينئذ إلى تحقيق هدف خاطئ , و قد يؤدي الى نتائج عكسية.

من أهم هذه المقاييس قياس الناتج المحلي الإجمالي , فنصيب الفرد من الناتج المحلى الاجمالي يقيس مثلا مقدار ما ننفقه على الرعاية الصحية ولا يقيس كفاءة مخرجاتها ( اي حالتنا الصحية كما يعكسها العمر المتوقع مثلاً ) ونتيجة لذلك يزداد عدم كفاءة نظام الرعاية الصحية لدينا , ربما يبدو ان هناك نمو في زيادة ما ننفقه في الصحة مع ان النتائج الصحية تتراجع مقارنة بدول اخرى في الانفاق و النتائج ( إنفاق اقل و نتائج أعلى ) و يعني ذلك ان نظامنا الصحي اقل كفاء ة .

من الأمثلة على الطبيعة المضللة لمقاييسنا المعيارية أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي يرتفع مع ان معظم افراد المجتمع يعيشون حالاً اسوء و ذلك لتزايد انعدام المساواة في المجتمع , فقد كشفت السنوات الماضية عن تصدعات في مجتمعنا بين اثريائه و بقة افراد المجتمع, وبينت كيف تجمدت او تراجعت مداخيل الاغلبية في حين حققت الصفوة قفزات مذهلة و تم الإغفال أو التستر على العواقب , وبدلا من ذلك تم تشجيع اصحاب الدخل القليل و المتوسط على مواصلة الاستهلاك كما لو أن مداخليه سترتفع و ذلك عن طرق الاقتراض الاستهلاكي من البنوك و الذي شجع الاستهلاك و تحفظ على الإقراض الإنتاجي مع أن غاية الإنتاج في النهاية هي زيادة رفاه أعضاء المجتمع و ذلك عن طريق خلق فرص العمل الجيدة و تحقيق استقرار معيشي لهم.

استند نمونا الى الاقتراض من المستقبل فنحن نصرف أكثر من مواردنا و نستند في ذلك الى استنزاف الموارد الطبيعية و سيكون نتيجة لذلك ترك الأجيال القادمة لوضع صعب .

إننا بحاجة إلى مقاييس تعكس مستوى الأداء و التأثير بطريقة اكثر وضوحاً و مناسبة كمقياس الدخل الوسطي ( و هو المبلغ الذي يمكن تقسيم المجتمع فيه إلى فئتين متساويتين تماما فئة تملك دخلا اقل و فئة تملك دخلا أعلى ) , الاستدامة ( مقاييس تأخذ في الحسبان على سبيل المثال استنزاف الموارد و تلوث البيئة و زيادة المديونية) و مستوى الصحة و التعليم.

إذا أردنا إنفاق الأموال بطريقة جيدة فلا بد من التفكير عن ما هو وضعنا اليوم و شان ماذا نريد و الى اين نذهب, وذلك يتطلب تفكيراً ( رؤية ) على المدى الطويل , هنا يجب إن نشير إلى أن جل خططنا الخمسية لم تستطع الوصول إلى أهدافها مع أن الإيرادات الفعلية فاقت المتوقعة بكثير و ذلك يشير الى احد سببين سوء التخطيط او ضعف التنفيذ أو كليهما و كلا السبين  ليسا مبررين لإعاقة التنمية في بلدنا الحبيب .

إذا فبداية الإصلاح تكون في الاقرار بمشاكلنا الاقتصادية بدءاً من أننا لم نستطع إلى آلآن تقليل الاعتماد على النفط بصورة شبه كليه في ايرادات الدولة, كذلك اعتماد القطاع الخاص على الانفاق الحكومي في استثماراته و مشاريعه , مرورا بسيطرة العمالة الاجنبية على سوق العمل لدينا و زيادة معدلات البطالة بين المواطنيين بصورة مخيفة وانتهاءً بقضايا الفساد المتعددة كالمبالغة في قيم المشاريع و سوء التنفيذ لها و احتكار الأراضي و غيرها  التي نهبت ثروة الوطن.

لذا وجب علينا سلسلة اصلاحات تبدأ بتقليل الاعتماد على تصدير النفط الخام و تحويله الى مشتقات تحقق دخلاً اعلى و توجد فرص عمل من استثمارات و وظائف , و تشمل اصلاحات اخرى كصرامة  توزيع التنمية بين المناطق و الاستفادة من الميز النسبية لكل منطقة و زيادة التوعية الاستثمارية بالفرص المجدية و استهداف رفع الصادرات ... القائمة تطول.

هنا يجب أن نشير إلى إن الدولة وفقها الله بدات باصلاحات لا يمكن انكارها و لكن مع تراكم الفجوة بين تزايد الخلل و بطئ الاصلاح تطلب ذلك سرعة و اصلاحاً اكبر لتفادي الوصول الى حال يصعب تدارك الأمور معه لاحقاً.
بقى إن أشير إلى أن حالة القطاع الخاص لا تزال دون المأمول كثيراً و مطلوب منه المبادرة لتحقيق اهداف التنمية و ذلك بالتعاون مع الدولة التي اسست اكثر من صندوق لدعمه وتطويره .