أدت ثورة النفط والغاز في الولايات المتحدة إلى عزل الأسواق الأميركية للطاقة عن بقية العالم وانخفاض الواردات الأميركية من النفط ومشتقاته، خصوصاً من النفط الخفيف، من نحو 14 مليون برميل يومياً في 2005 إلى نحو 10.5 مليون أخيراً، أي بتراجع 3.5 مليون برميل يومياً. لكن الانخفاض في الحقيقة أكبر من ذلك لأن علينا أن نقارن بين ما كان متوقعاً في الماضي والمستوى الحالي للواردات، وبذلك يتجاوز الانخفاض 4.2 مليون برميل يومياً، أو ما يعادل أكثر من نصف الصادرات النفطية السعودية، وهذا يعني أن لزيادة الإنتاج الأميركي، على رغم عزل السوق النفطية للولايات المتحدة، آثاراً كبيرة في أسواق النفط العالمية بسبب انخفاض الواردات. وإذا سُمِح بتصدير النفط الخام الأميركي، فسيؤثر بطريقة أو بأخرى في أسواق النفط العالمية.
كان لا بد من هذه المقدمة لأن الخلاف بين الخبراء والمحللين حول أسعار النفط في المستقبل، بما في ذلك عام 2013، يعتمد في شكل رئيس على زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة وكندا. أما الخلافات الأخرى فتعتمد على نظرة هؤلاء الخبراء والمحللين للنمو الاقتصادي ومدى تفاؤلهم بحل مشكلات الموازنة في الولايات المتحدة والوضع الاقتصادي في أوروبا. ويرى البعض أن الزيادة الكبيرة في استهلاك النفط في الدول المصدرة له ستؤثر في شكل ملحوظ في الأسعار، خصوصاً خلال فصل الصيف.
وإذا نظرنا إلى التوقعات المختلفة التي أُعلِنت في الأسابيع الأخيرة نجد تفاوتاً كبيراً في التوقعات إلا أن غالبيتها تقع من ضمن حد ضيق نسبياً، يتراوح بين 90 و115 دولاراً للبرميل. ويشير متوسطها إلى انخفاض خفيف، فمتوسط أسعار خام «برنت» بلغ في 2012 نحو 113 دولاراً للبرميل، فيما يساوي متوسط التوقعات لعام 2013 أقل من ذلك ببضعة دولارات.
وتتوقع مؤسسة «ريموند جيمس» المالية انخفاضاً كبيراً في أسعار النفط إذ يصل متوسط سعر «خام غرب تكساس» إلى 65 دولاراً للبرميل في 2013، بينما يصل سعر خام «برنت» إلى 80 دولاراً. وفي المقابل يتوقع «بنك باركليز» أن يكون المتوسط لـ «خام غرب تكساس» 115 دولاراً للبرميل ولخام «برنت» 125 دولاراً. ويبلغ متوسط هذه التوقعات 94.90 دولاراً للبرميل لـ «خام غرب تكساس» و107.83 دولار لخام «برنت». أما الأسواق المستقبلية فتشير إلى متوسط 2013 مقداره 90.23 دولار للبرميل لـ «خام غرب تكساس» و106.26 لخام «برنت»، وذلك وفق بيانات صدرت بداية الشهر الحالي. وليس من غرائب الصدف، ربما، أن يكون متوسط التوقعات قريباً جداً من متوسط الأسعار المستقبلية، أي بحدود 107 دولارات للبرميل، خصوصاً أن الأسعار المستقبلية تعكس توقعات المتعاملين فيها.
أما على مستوى المنظمات فلا تنشر «منظمة البلدان المصدرة للنفط» (أوبك) ووكالة الطاقة الدولية أي أسعار على الإطلاق، بينما تعلن إدارة معلومات الطاقة الأميركية شهرياً توقعات للأسعار، وتشير أخر توقعاتها إلى متوسط مقداره 88.23 دولار للبرميل لـ «خام غرب تكساس»، و104 دولارات لخام «برنت». وبالنسبة إلى استطلاعات رأي الخبراء والمحللين، يبرز توقعان، الأول لوكالة «رويترز» ويشير إلى متوسط مقداره 107.50 دولار للبرميل، والثاني لوكالة «بلومبرغ» ويلفت إلى متوسط يساوي 110 دولارات للبرميل. وإذا حاولنا تقويم هذه التوقعات بعيداً عن العوامل السياسية، نجد أن التوقعات فوق 100 دولار لخام «برنت» متفائلة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية والزيادة الكبيرة في إنتاج الولايات المتحدة والعراق، وعودة إنتاج النفط الليبي، وقرب عودة إنتاج النفط السوداني، وبدء الإنتاج في حقول جديدة في دول كثيرة. كذلك نجد أن توقع أسعار أقل من 90 دولاراً للخام ذاته غير منطقية في ظل الاحتياجات المالية لدول «أوبك» والفارق الكبير بين سعري «خام غرب تكساس» و»برنت».
وتمنع القوانين الأميركية الحالية تصدير النفط الخام الأميركي، ما يعني أن زيادة إنتاج أميركا الشمالية تجعل أسعار بعض الخامات أقل من سعرها العالمي بفارق قد يصل إلى 20 دولاراً للبرميل. فإذا كان سعر خام «برنت» 80 دولاراً، مثلاً، يكون سعر «خام غرب تكساس» بحدود 65 دولاراً، وهذا سيؤدي إلى تباطؤ الاستثمارات في أميركا الشمالية، وبالتالي لن تنتج المنطقة الكميات المتوقعة، وسترتفع الأسعار مرة أخرى.
وبغض النظر عن رد فعل المنتجين الأميركيين على انخفاض الأسعار إلى أقل من 90 دولاراً لخام «برنت»، يُتوقَّع أن تخفض السعودية وأعضاء آخرون في «أوبك» الإنتاج، الأمر الذي سيمنع الأسعار من التراجع. وهذا يعني أن الأسعار المستقبلية في الوقت الحالي لا تعكس الوضع الفعلي للسوق، وأن الأسعار الفعلية قد تكون أقل مما تشير إليه الأسواق المستقبلية. وعلى رغم ذلك سيكون متوسط الأسعار أعلى مما تحتاج إليه دول «أوبك» لتلبية احتياجاتها المالية والتنموية.
يُتوقَّع، إذاً، وفق المعطيات الاقتصادية والسياسية والطبيعية الحالية، أن تنخفض أسعار النفط نسبياً ويكون متوسط خام «برنت» عام 2013 بين 90 و100 دولار للبرميل، لكن أي عوامل سياسية سترفع الأسعار فوق هذا المستوى. وعند الحديث عن العوامل السياسية، من المنطقي في الوقت الحالي افتراض عدم استقرار صادرات النفط الليبي.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
من طول الغيبات جاب الغنايم. تحليل ومعلومات رائعة. شكرا يا دكتور
هذا يقودنا الي توقع استمرار فوائض الميزانية لدول الخليج العربي
لسنة او سنتين! ماذا بعد ذلك؟
ولو فرضنا انه إنتاج النفط في أمريكا سيرتفع هذا لا يعني بالضرورة إنخفاض الأسعار .. فنفط أمريكا ليس بالرخيص ولا نقيس عليه ما حدث لأسعار الغاز