إذا نظرنا إلى كلفة النفط الخليجي على أنها السعر الذي يضمن تسيير أمور هذه الدول كما هي عليه الآن، فهي تعتبر من الأعلى في العالم، أي أن الخاسر الأكبر من انخفاض أسعار النفط ليست رمال القار الكندية أو النفط في أعالي البحار، بل دول الخليج، وفق نظرية اقتصادية قديمة مفادها أن كلفة الإنتاج من مصدر ناضب لا تتعلق باستخراجه فحسب، بل تشمل كلفة «الاستعمال»، التي تتضمن نفقات إيجاد بديل له أيضاً.
وتتباين الآراء حول مفهوم «البديل»، فهل هو مجرد برميل آخر، أو مصدر آخر يساويه في كمية الطاقة؟ وإذا كانت كلفته تتضمن البديل، فهل تشمل تكاليف الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد غير ريعي؟ مهما يكن الأمر، فإن الواقع يشير إلى أن بعض دول الخليج لا يستطيع أن يتحمل أسعار نفط أقل من 80 دولاراً للبرميل حالياً، ويزيد مع الزمن، كي تستطيع هذه الدول الوفاء بمتطلبات البرامج التنموية والاجتماعية فيها.
إن السعر الحالي للبرميل (100 دولار) يعتبر جيداً، لكن في الأفق ما يشير إلى أن الأمور قد تنقلب بين عشية وضحاها، ليس بسبب الثورة النفطية والغازية في الولايات المتحدة فقط، إنما بسبب التحسن التكنولوجي في الشهور الأخيرة، الذي خفض تكاليف إنتاج النفط والغاز، وكذلك الإنتاج من رمال القار الكندية.
احتُسِب السعر الذي تطلبه دول «أوبك» لتحقيق استقرارها الاقتصادي، وبالتالي السياسي، بطرق خاصة، وهو يختلف عن السعر الذي تبنى عليه موازنات هذه الدول، حيث يتضمن معدلات النمو المستهدف، وخلق الوظائف، والاستقرار السياسي، ومتطلبات الإنفاق الأخرى التي تتم خارج الموازنات، والتنمية، والبرامج الاجتماعية المختلفة، إضافة إلى الإعانات الخارجية. وباستعراض هذه الأرقام نجد أن السعودية والعراق وليبيا والجزائر وإيران تحتاج إلى أسعار بحدود 90 دولاراً للبرميل، بينما تحتاج فنزويلا إلى سعر 80 دولاراً، وأنغولا والكويت إلى سعر بنحو 70، بينما هو في الإمارات 67، وفي قطر 60 دولاراً. وإذا نظرنا إلى المتوسط المرجح، وفق كميات الإنتاج، نجد أن متوسط السعر الذي تتطلبه دول «أوبك» يبلغ 85.26 دولاراً للبرميل، وهذا الرقم مماثل لسعر النفط الذي بنيت عليه الموازنة العمانية، وأقل من الرقم الذي تتطلبه الموزانة الروسية، والذي يقدر بـ97 دولاراً للبرميل.
يتفق الخبراء على أن شركات خاصة في دول خارج «أوبك» هي أكبر منافس لشركات النفط الوطنية فيها، فإذا كانت تكاليف إنتاج هذه الشركات أقل من الأسعار التي تتطلبها دول المنظمة، وإذا كانت هذه التكاليف تنخفض باستمرار بينما يرتفع السعر الذي تطلبه دولها باستمرار، يمكن الاستنتاج أن الأخيرة في خطر. وتشير نظرة سريعة لحقول الولايات المتحدة، إلى أن التكاليف فيها أقل من 85 دولاراً، وأغلبها يمكن أن ينتج حتى لو انخفضت أسعار النفط إلى 60 دولاراً للبرميل، ففي حقول الميسيسيبي لايم، شمال ولاية أوكلاهوما وجنوب ولاية كنساس، تبلغ التكاليف بحدود 47 دولاراً للبرميل، وتتضمن الضرائب والريع، بينما تبلغ في حقول يوتيكا في أوهايو، حدودَ 60 دولاراً للبرميل. هذه التكاليف تُعَدّ مغرية، لأن النفوط من هذه الحقول هي من أنقى الأنواع في العالم، وبذلك فإن أسعار مثيلاتها العالمية تفوق 100 دولار للبرميل.
هذا النوع من النفوط لا ينافس النفوط الخليجية، التي تعد في المتوسط من الأنواع الأثقل، لهذا ذُكر في مقالات سابقة أن زيادة إنتاج النفط الأميركي لن تؤثر كثيراً في دول الخليج، ولا في واردات الولايات المتحدة من السعودية تحديداً. إلا أن المنافس الكبير لدول الخليج هي كندا، التي تنتج أنواعاً مختلفة من النفوط الثقيلة، جزء كبير منها يأتي من رمال القار في ولاية ألبرتا. وقد يقول بعضٌ إن من المستحيل أن ينافس النفط من رمال القار، الذي يكلف إنتاجه أكثر من 90 دولاراً للبرميل، النفطَ الخليجي الذي يكلف إنتاجه بضعة دولارات. والحقيقة أن هذا الكلام أصبح من الماضي، حيث ذكرنا سابقاً أن السعر الذي تحتاجه دول الخليج يتجاوز 80 دولاراً، وتكاليف إنتاج النفط من رمال القار ليست أقل من 90 دولاراً للبرميل فقط، بل إنها تنخفض باستمرار، في وقت يزداد السعر الذي تتطلبه دول الخليج يوماً بعد يوم.
إن المشاريع الأولى لاستخراج النفط من القار تمَّتْ في ظل أسعار منخفضة، وكانت هذه المشاريع تتطلب أسعاراً تقدر بـ35 دولاراً للبرميل. هذه الحقيقة لم تتغير كثيراً بالنسبة لهذه المشاريع، والذي تغير هو أن تكاليف المشاريع الجديدة ارتفعت بشكل كبير مع ارتفاع أسعار النفط، حتى وصلت إلى 85 دولاراً للبرميل. إلا أن التطور التكنولوجي في السنوات الثلاث الأخيرة مكَّن من خفض التكاليف بشكل كبير، حيث إن كل مشاريع رمال القار يمكنها أن تحقق أرباحاً تتجاوز 10 في المئة إذا كانت أسعار النفط بحدود 75 دولاراً. وإذا نظرنا إلى عائدات المشاريع الحالية في ظل أسعار نفط بحدود 100 دولار للبرميل، نجد أن المرحلة الرابعة من مشروع «فيرباج» تحقق عائداً بحوالى 40 في المئة، بينما تحقق مشاريع أخرى، مثل «كولد ليك» والمرحلة الثالثة من «فيرباج 3» و «صنرايز»، عائداً بحدود 20 في المئة، وحققت أخرى عائداً أقل، بحدود 10 في المئة، مثل «كيرل». فهل يستطيع بعض دول «أوبك» أن يعيش بـ75 دولاراً لبرميل النفط؟
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
مقال رائع ومليء بالارقام التي توضح مسارات الانتاج والتحولات في اسعار النفط. مقال ثري ولكنه يدعو للقلق.
كالعادة مقال رائع من الكاتب.
ليش تكلفة استخراج النفط عندنا صار اعلى؟ المفروض مع التقدم التقني يحصل العكس؟ احد عنده علم؟
لأن تقنية أستخراج النفط لا نملكها و يجب ان نشتريها من غيرنا أو ندفع للغير حتى يستخرج لنا النفط بمبلغ و قدره.
اخي الكريم: تكلفة اسنخراج النفط لدينا لا تزال منخفضة جدا. ما يتحدث عنه الكاتب هو قيمة او سعر النفط التي تريده الدول المصدرة لتحقيق اهدافها الاقتصادية كموازنة الانفاق التنموي بالايرادات.
اسال المسئوليين عندنا لماذا يبيعوا هكذا بشراهة ولا يحملوا هم الاجيال القادمة؟؟؟
لو فعلا استوعبت المقال لعرفت ان الافضل هو بيع النفط الان واستخدام ايراداته لتحقيق دخول مستدامة. مافائدة الاحتفاظ بنفطك ذو الجودة المتوسطة الان بينما نفط الرمال الكندي المنافس تكلفته الاقتصادية تقل يوما بعد يوم بينما حاجتنا لايرادات نفطية ترتفع يوما بعد يوم. للتقريب والتبسيط: من المقال سعر النفط لمتابعة الانفاق الحكومي في السعودية يبلغ 90 دولار للبرميل بينما نفط الرمال الكندي يحقق ربح عند سعر 75 دولار. يعني لو نزل سعر النفط الى 75 دولار لتعطل الانفاق الحكومي لدينا بينما شركات نفط الرمال تربح 10 بالمائة على الاقل.
فيه تداخل بين كلفة الانتاج للبرميل الواحد وبين سعر البرميل الذي تتحدد به عجز الميزانيات للدول, فا90 دولار هو سعر افتراضي لكي تستمر السعوديه في الصرف بنفس المستوى,, لكن كلفة الانتاج للبرميل الواحد بالسعوديه أقل من 5 دولارات
مقال اقتصادي بامتياز من متخصص قدير ياليت قومي يعون. ( الخالدي)
أرامكو تبني المصافي في الدول الأخري وتبيع الخام عليها بسعر منخفض تحت ضغط تلك الدول وابتزازهما لآرامكو وحتى تظهر المشروع ناجح وهو فاشل والنهب شغال
ارامكو تبني المصافي في الخارج لضمان وجود طلب للنفط. اما نظريات المؤامرة بخصوص الابتزاز وغيرها اللي تعشش في رأسك فلا حل لها!
في رأيي المتواضع وربما اكون مخطأً ان الكاتب خلط الحابل بالنابل ووضع حسابات و اخفى او سهى او تغافل عن اخرى.