حقق شهر نوفمبر مكاسب قليلة بعد شهر حدثت خلاله العديد من الأحداث الرئيسية مثل الإنتخابات الأمريكية وتجدد المخاوف بشأن اليونان والأهم من ذلك "الهاوية المالية الأمريكية" أو ما يمكن تعريفه بالأثر الاقتصادي لعدد من القوانين التي (إذا لم تتغير) يمكن أن تؤدي إلى حزمة من الزيادات الهائلة للضرائب الاتحادية وخفض الإنفاق والتي من المقرر أن تصبح نافذة المفعول في نهاية عام 2012 و أوائل عام 2013 وينجم عنها خفض في العجز في الميزانية الاتحادية لعام 2013. وكان الحدث الأخير هو الدافع الأساسي المحرك خلال الأسبوع الماضي وحتى الوقت الحالي، وسبب ردود فعل غير محسوبة على صعيد السلع والأسواق المالية جراء الإشارات المربكة التي جاءت من الرئيس والكنغرس الذي تسيطر عليه أغلبية جمهورية. سوف تستمر الشكوك المحيطة بهذه المسألة في تسيير الأسواق مع تقدمنا نحو شهر ديسمبر واقتراب الموعد الأخير للبت في مسألة الحزمة المذكورة والمحدد بشهر يناير أكثر فأكثر. إلا أن الأسواق لا تزال حتى الآن تُحَدَّدُ أسعارُها وفق حلول جديرة بالإحترام لا تقبل بالفشل كخيار بالرغم من الانعدام الحالي لأي تقدم. يترك التهديد المحتمل للاقتصاد الأمريكي -المتقلب كنتيجة للهاوية المالية- الباب مفتوحا للمزيد من التقلبات في شهر ديسمبر خاصة عند دخولنا في وقت من العام تكون فيه السيولة أعلى من سعر السوق أو القيمة الاسمية العادية.
وكما نرى أدناه، فإن مؤشرات السلع الرئيسية التي نتابعها قد حققت ربحا خلال شهر نوفمبر. كان أداء مؤشر كل من ستاندرد اند بورز وجولدمان ساكس للسلع الأفضل مع تباين في الأداء، لا سيما بسبب مخصصات مختلفة في قطاع الحبوب. عانت السندات الامريكية داو جونز في المقام الأول جراء انكشافها وتعرضها الأكبر لمركب فول الصويا الذي تعرض لانتكاسة كبيرة خلال الشهر. ساعد أداء الألمنيوم والزنك والرصاص القوي في هذا الشهر القطاع الصناعي على أن يصبح الأكثر أداءا لهذا الشهر بعدما كان بطيئا خلال معظم عام 2012. كانت الآمال المتزايدة في أن الصين –المستهلك الأكبر في العالم- قد تعافت وبات من الممكن للطلب الصيني أن يبدأ باستعادة نشاطه هي السبب الرئيسي -ولكن إلى جانبها أيضا إعصار ساندي الذي ترك الآلاف من المنازل بدون كهرباء لعدة أيام- في إثارة ارتفاع في استهلاك البطاريات مما ساعد الرصاص.
ارتفعت أسعار المعادن الثمينة وفي مقدمتها البلاديوم والفضة فيما اختلط الأداء بالنسبة لقطاع الطاقة نتيجة للتخصيص المختلف بين البنزين والغاز الطبيعي وهما تباعا السلعتان الأفضل والأسوأ أداءا.
عمليات أداء القطاع على مدى شهر (%)
المصدر: بلومبرغ إل. بي. و ساكسو بنك للبحوث والاستراتيجية
خلال الأسبوع الماضي من شهر نوفمبر رأينا أداءا قويا في كلا العقدين الخاصين بالقهوة بعد تعافيهما من أسبوع طويل من البيع بأسعار منخفضة مما زاد في حجم عمليات البيع بالمضاربة إلى حد غير مستديم. واصل البلاديوم ارتفاعه بالرغم من التذبذب الذي شهده في منتصف الأسبوع فيما ارتفع النحاس لأن الاقتصاد الصيني المتسارع قد ساعد على رفع توقعات الطلب. مر الذهب بأزمة ثقة غير حادة بعد أسبوع من البيع بأسعار منخفضة انخفض فيها سعر أونصة الذهب 25 دولار خلال ثوان معدودات؛ أما الغاز الطبيعي فقد تراجع لأن توقعات حالة الطقس على المدى القريب قد بشرت بدرجات حرارة أدفأ من العادة، مما خفض الطلب على التدفئة والكهرباء.
عمليات أداء على مدى أسبوع (%)
المصدر: بلومبرغ إل. بي. و ساكسو بنك للبحوث والاستراتيجية
الذهب يشهد أزمة ثقة
بات من المؤكد حصول دفعة مجددة توصل سعر الذهب إلى مستوى 1800 دولار أمريكي للأونصة الواحدة بعدما ارتفع سعره متجازوا المقاومة الأخيرة البالغة 1739 دولار للأونصة. كان السعر مرتفعا حتى يوم الأربعاء حيث باغتت عمليات البيع بالأسعار المنخفضة العديد من التجار الذين لم يكونوا مستعدين لها، وقد ساعدت على تقويض الثقة. نتج عن انخفاض أسعار البيع -الذي بلغ 25 دولار للأونصة والذي عقب تدهور السعر إلى مستوى 1737 دولار للأونصة- تسييل أكثر من 1.5 مليون أونصة خلال ثوان معدودات من المرجح أن يكون معظمها قد اشتُرِيَ بسعر أعلى من ذلك المستوى في الأيام التي سبقت ذلك الهبوط، مما ترك الكثير من التجار فارغي الجيوب.
بعد أن شهدنا انخفاضا في التوقعات المتعلقة بحدوث المزيد من الانخفاض في التضخم في الولايات المتحدة خلال شهر نوفمبر، عاد الذهب الآن إلى التداول مثله مثل أي أصل ذا خطورة تداولية يستمد الإيحاء من الأسواق المالية والدولار. ومع اضطراب الشعور السائد في الأسواق المالية وأسواق الفوركس جراء الارتباك والتشوش حول (عدم إحراز) تقدم في مباحثات الهاوية المالية، فإن الذهب قد دُفع إلى الحافة عقب التعليقات المتشائمة التي عقبها انخفاضا في الأسهم وارتفاعا في سعر صرف الدولار. لاحقا وفي نفس اليوم ظهرت تعليقات أكثر تفاؤلا إلا أن التقدم كان محتشما. استرجع الذهب القليل من توازنه مما ساعد على تأكيد وجود دعم جديد في منطقة 1705.
بالرغم من استمرار مستثمري البيع بالأسعار المنخفضة في الشراء بصناديق الاستثمار المتداولة مع ارتفاع للذهب الذي يمتلكه هؤلاء إلى كميات قياسية بلغت 2619 طن (حسب بلومبرغ). خلال الأشهر الثلاثة الماضية وحدها عندما ارتفع سعر الذهب بنحو 2.3 فقط كان المستثمرون بصدد إضافة 160 طن متري مقارنة ب90 طن متري خلال الثلاثة أشهر التي سبقته. ومع رغبة المستثمرين في دعم السوق خلال أوقات البيع بأسعار منخفضة مع تقاعس منهم في نفس الوقت عن رفع سعره عندما تلوح الفرصة، فإن الذهب من المرجح أن يبقى ضمن النطاق المقرر لشهر نوفمبر أي بين 1705 و 1750 بينما ينتظرون محرك خارجي يحركه.
تتبع أسعار الذهب، رسم بياني يومي – المصدر: ساكسو بنك
هذا المحرك قد يكون الاجتماع المقبل لمجلس الاحتياطي الاتحادي الامريكي في الفترة 11-12 ديسمبر والذي قد تقوم فيه الحكومة الفدرالية بالتحضير لاتخاذ خطوات من أجل تحفيز الاقتصاد عبر استبدال برنامج عملية تويست ببرنامج جديد لشراء السندات. مثل هذه المبادرة الخاصة بالمزيد من التسهيل الكمي قد تمنح الدعم للمعادن الثمينة بينما يتباطأ خطر تجنب المخاطر ريثما نشهد حلا لمشكلة الهاوية الاقتصادية.
البلاديوم يكشف عن أفضل وأسوء جوانبه
سلط الهبوط المفاجىء والسريع لأسعار الذهب يوم الأربعاء الماضي بكل وضوح الضوء على صعوبة التداول بالبلاديوم على الرغم من توقعات أساسية قوية بشأنه. بينما كان الذهب قد خسر في مرحلة من المراحل 2% من السعر الذي حققه عند الإغلاق في المرة الماضية، فإن أسعار البلاديوم قد هبطت بنحو 2% سرعان ما عادت بعدها فارتفعت إلى أعلى مما كانت عليه في نهاية اليوم. واصل هذا الأمر لبقية الأسبوع مما جعل البلاديوم أحد أفضل السلع أداءا بمواصلته التفاعل مع المراجعات الأخيرة للتوقعات من فائض في الامدادات إلى عجز في 2012-2013.
النفط الخام لا يزال في طريقه إلى وجهة غير معلومة
اتجه كل من وسيط غرب تكساس وخام برنت إلى تحقيق أول ربح شهري قليل لهما منذ شهر أغسطس عقب شهر من التداول كان في الغالب عبر استراتيجية التداول التي تحدد تداول الأسهم في القنوات. بينما كانت الأسواق تراقب عن كثب واشنطن –التي بصرف النظر عن أي أحداث جغرافية سياسية سوف تبقى المحرك الرئيسي لما تبقى من العام- فإن المعطيات والبيانات الاقتصادية القادمة من كل من الصين والولايات المتحدة أكبر مستهلكين للنفط في العالم هي الأخرى ما انفكت تمنح الدعم. وأمام هذه الضبابية المرتفعة، فإن ما تشهده أسواق النفط من انخفاض في الطلب ووفرة في العرض والتي تعمل معا للإبقاء على سعر نفط برنت عالقا حول 110 دولار للبرميل، خصوصا مع معدل التحرك لل200 يوم بعدما أمن مقاومة خلال الأسبوعين الماضيين.
بقي سعر نفط برنت عالقا في نطاق تداول ضيق نسبيا في حدود 110 دولار للبرميل خلال الربع الأخير. و بوجود هامش للمناورة الاقتصادية من يوم لآخر، فإننا نتوقع حركة مفاجئة للسوق في اتجاه الارتفاع أو الانخفاض خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر -مبدئيا في الاتجاه الصعودي- لأن التجار الذين يقومون أساسا بحركات بيع بالمضاربة سوف يعملون على دعم مثل هذا التحرك من أجل خلق نوع من التضليل المخادع يهدف إلى أن يكون محركا للسوق قبيل نهاية السنة المالية. إلا أننا نؤمن أن مثل هذا التحرك -الذي قد يشهد مقاومة خط اختبار اتجاه سعر أدنى من 114 دولار- سوف يفشل لأنه لن يكون مدعما بأساسيات في هذه المرحلة الزمنية وسوف تتمكن برنت في نهاية المطاف من العودة إلى نطاق سعرها بين 105 و112 دولار.
نفط خام برنت، رسم بياني لثمانية ساعات – المصدر: ساكسو بنك
أسعار القمح في ارتفاع بينما تعاني المحاصيل الشتوية الأمريكية
ارتفع سعر قمح مجلس شيكاغو للتجارة ارتفاعا حادا خلال الأسبوع مواصلا ما بات يعرف بالانتعاش الأقوى منذ يوليو. ساعدت قوة الطلب على الصادرات إلى جانب تدهور التوقعات المتعلقة بمحصول القمح الشتوي الأمريكي في السهول الجنوبية على رفع أسعار قمح مارس مجددا نحو 9 دولارات للبوشل. بلغ المحصول أسوء رقم قياسي مسجل له لأن الجفاف قد سبب دمارا قبل اقتراب السبات الشتوي. ساهمت التوقعات المتعلقة بانخفاض الانتاج الامريكي -في وقت باتت فيه الامدادات من الدول المصدرة الأخرى مثل أوكرانيا وروسيا محدودة- في رفع السعر في شيكاغو ولكن حدث الشيء نفسه أيضا في باريس مع بلوغ أسعار التداول الآجل لقمح مطاحن يناير سعرا مقاربا لأعلى سعر تعاقدي لها.
صناديق التحوط تعيد بناء مراكز فول الصويا بعد التدهور
واصلت أسعار فول الصويا الصعود عقب التدهور الذي شهدته في مطلع شهر نوفمبر حيث جعلت تدخلات المضاربة من صناديق التحوط الاسعار آنذاك تنحدر إلى أدنى مستوى له منذ فبراير. بدأت التوقعات الأساسية لفول الصويا –التي ضعفت عقب تقرير من الحكومة الأمريكية حول المستويات المتوقعة للمخزون- بالتغير مجددا بسبب إثارة المخاوف حول محصول أمريكا الجنوبية في الوقت الذي تواصل فيه الطلب على الصادرات إلى الصين بقوة، والذي لا يبدو أنه سيتباطأ بالرغم من ارتفاع الأسعار التي شهدناها طوال العام