يعتقد أن هناك علاقة قوية بين مستوى التضخم ونسبة البطالة، حيث الارتفاع في مستوى التضخم يكون مصحوباً بانخفاض في مستوى البطالة، والعكس صحيح. وأول من أشار إلى هذه الظاهرة هو الاقتصادي النيوزيلندي ويليم فيليبس في عام 1958، حين لاحظ هذه العلاقة في الاقتصاد البريطاني على مدى 100 عام. وعلى الرغم من بساطة الاستنتاج، إلا أن هذا الموضوع أصبح من أهم الأدوات المستخدمة في النظرية الكينزية،نسبة إلى الاقتصادي الشهير جون مينارد كينز، وحصل فيما بعد سبعة أشخاص على جائزة نوبل في الاقتصاد لأعمالهم المتعلقة بمنحنى فيليبس، بين مؤيد ومعارض. فما علاقة الاقتصاد السعودي بمنحنى فيليبس؟ وهل العلاقة المفترضة بين مستوى التضخم والبطالة موجودة في الاقتصاد السعودي؟
أهمية استنتاج فيليبس بشأن العلاقة بين التضخم والبطالة تكمن في كونها تعطي متخذ القرار الاقتصادي حلاً بسيطاً لمعالجة البطالة، أي رفع مستوى التوظيف، من خلال رفع مستوى الطلب الكلي في الاقتصاد على حساب ارتفاع مستوى التضخم، فتنخفض البطالة ويزداد التضخم. كما أن دولاً كثيرة مما تعاني ارتفاع نسبة التضخم تستخدم منحنى فيليبس في خفض التضخم على حساب رفع مستوى البطالة، حيث يتم ذلك بخفض الصرف الحكومي وتقليص الطلب الكلي فترتفع البطالة وتنخفض الأسعار.
ورغم شهرة مفهوم منحنى فيليبس واستخدامه من قبل الكثيرين، إلا أن ما حدث في بعض الفترات الزمنية في السبعينيات والثمانينيات الميلادية في أمريكا وبعض الدول الأوروبية أثار عديدا من التساؤلات حول صحة هذا المفهوم، حيث برزت ظاهرة التضخم المصحوب بالركود الاقتصادي، ما يسمى (ستاقفليشن). هنا اختلفت العلاقة بين التضخم والبطالة، فأصبح هناك تضخم مع ركود اقتصادي وبطالة مرتفعة، بينما المتوقع أن التضخم يقلص من مستوى البطالة. كما أن بريطانيا شهدت حالة عكسية لسنوات عديدة في التسعينيات، حيث كان هناك انخفاض في مستوى البطالة وانخفاض في مستوى التضخم في الوقت نفسه. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال العرف الاقتصادي القائم هو أن منحنى فيليبس موجود وصحيح، لكن على المدى القصير فقط، وهو ما نادى به ملتون فريدمان، الأب الروحي للنظرية النقودية، المعارض لنظرية كينز، الذي لا يرى فائدة في توظيف السياسة المالية لرفع الطلب الكلي، لأن تأثير ذلك في البطالة غير مجدٍ على المدى الطويل، حتى إن أعطى نتائج إيجابية على المدى القصير.
إن أردنا معرفة صحة هذه المفاهيم في الاقتصاد السعودي، فيمكننا دراسة علاقة مستوى التضخم في المملكة بمستوى البطالة على مدى سنين طويلة. وبالاعتماد على ما هو متوافر من بيانات وعلى فرض أنها بيانات صحيحة وتعبر عن الواقع الاقتصادي، فسنجد أن منحنى فيليبس كان ينطبق إلى حد كبير في سنوات عديدة، حيث كان التضخم تحت السيطرة، لكن على حساب ارتفاع مستوى البطالة، وهو ما يتنبأ به منحنى فيليبس. إلا أنه في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ عام 2008، بدأنا نشاهد ارتفاعا في مستوى التضخم مع ارتفاع في مستوى البطالة! وهذا يطرح تساؤلات عديدة عن سبب ذلك. لا نعلم تفسيرات مؤكدة لها، إلا أن طبيعة الاقتصاد السعودي المختلفة عن كثير من اقتصادات العالم، قد يعطي بعض الأجوبة. أولها أن أبرز مسببات التضخم في المملكة خارجية المصدر بحكم أن الاقتصاد السعودي يعتمد على الاستيراد في معظم السلع والخدمات التي ارتفعت في السنوات الأخيرة لأسباب دولية، بينما مستوى البطالة شأن داخلي غير مرتبط بشكل مباشر بعناصر الإنتاج المسببة للتضخم، كما هو الحال في الدول الكبرى. هذا يعني أن متخذ القرار في المملكة يواجه صعوبة أكبر من نظيره في الدول الكبرى في مكافحة البطالة، حيث لا يستطيع تحديد نسبة التضخم اللازمة لخفض البطالة، فتكون هناك مخاطرة كبيرة عند قيامه بذلك بشكل قد لا يجعله قادرا على ضبط مستوى التضخم. على سبيل المثال، بعض القرارات الأخيرة الموجهة لمحاربة البطالة، رغم أهميتها وحاجة البلاد إليها، إلا أنها قد تخرج التضخم عن طوره، وبالتالي قد تخلق مشكلات أكبر من حل البطالة ذاتها. هناك ما يعرف بمؤشر البؤس وهو، في أبسط صوره، عبارة عن جمع نسبة التضخم ونسبة البطالة للحصول على عدد يعبر عن مدى البؤس أو الشقاء في البلاد. على سبيل المثال، كان مؤشر البؤس في سنوات عديدة في أمريكا دون 7 في المائة، ثم ارتفع إلى فوق 10 في المائة في عهد الرئيس نيكسون، ونحو 16 في المائة في عهدي فورد وكارتر، ثم عاد إلى نحو 7 في المائة في عهد كلينتون، والآن هو نحو 11 في المائة. ويرتفع هذا المؤشر بحدة عندما ترتفع نسبتا البطالة والتضخم معاً، إلا أنه عندما يصدق منحنى فيليبس فإن ارتفاع التضخم يصحبه انخفاض في مستوى البطالة،والعكس صحيح، ما يحد من ارتفاع هذا المؤشر.
ومن الأسباب الأخرى التي قد تفسر عدم انطباق منحنى فيليبس في السنوات الأخيرة، طبيعة البطالة في المملكة. في كثير من الدول نجد أن أبرز مسببات البطالة تعود إلى الدورة الاقتصادية، حيث ترتفع البطالة في فترات الركود الاقتصادي وتنحسر في فترات الازدهار، بينما البطالة في المملكة لا تتأثر كثيراً بالدورة الاقتصادية لكونها بطالة هيكلية، سببها نقص المهارة اللازمة لبعض الأعمال ووجود العمالة الأجنبية البديلة التي تؤدي العمل المطلوب بأقل سعر وغالباً بكفاءة أعلى. وحسب المفهوم العالمي لا توجد بطالة في المملكة لأن الوظائف متوافرة وأحياناً بشكل أكبر من الأيدي العاملة المتوافرة، ولكن بالطبع البطالة كبيرة بين المواطنين من الجنسين. وهناك أسباب أخرى لا مجال للتطرق لها هنا، لكن من المؤكد أن تحليل الاقتصاد السعودي يجب أن يراعي طبيعة الاقتصاد السعودي المختلفة عن دول كثيرة حول العالم.
أخيراً، رغم أنني أعتقد أن معالجة البطالة في المملكة يجب أن تكون في أعلى أولويات متخذ القرار، خصوصاً الجانب النسائي الذي يعاني بشكل أكبر بكثير من الرجال، ورغم أنني أرى أن علينا جميعاً أن نقبل بأن لا حل للبطالة دون تقبل الارتفاع الحتمي للتضخم، على الأقل على المدى القصير - كما يتفق عليه النقوديون والكينزيون كلاهما - إلا أنني أتمنى أن يكون هناك تنسيق بين الأطراف المعنية من متخذي القرار، فنتفادى قيام طرف بمحاربة التضخم من جهة وآخر بمحاربة البطالة من جهة أخرى، مع أن الانتصار على أي من هاتين الآفتين يكون على حساب الأخرى، وتتفاقم المشكلة في غياب التنسيق الزمني والكمي والنوعي بين هذه الأطراف.
ما دمر العالم الا نظريات كينز يا دكتور! ميلتون فريدمان على صواب. يا زين مقالاتك عند مقالات البعض! ما ننتهي من القراءة الا مستفيدين شيء.
"رغم أنني أعتقد أن معالجة البطالة في المملكة يجب أن تكون في أعلى أولويات متخذ القرار، خصوصاً الجانب النسائي الذي يعاني بشكل أكبر بكثير من الرجال" أحسنت. لا يمكن التغاضي عن كون بطالة النساء 3 اضعاف الرجال. نمنعهم من فتح محلات يملكونها, ونجبرهم على استقدام رجال اجانب.. ونقول ليش عندنا معدلات بطالة مرتفعة!
أخوي مستثمر باحث، حقيقة أنا أستغرب من عدم تفاعل المجتمع مع مشكلة بطالة النساء بالشكل الكافي...وأنا أعتبر إننا وصلنا إلى مرحلة كارثية بخصوص السيدات، بالرغم من أن الحلول موجودة والوظائف موجودة وهن يقبلن بوظائف بمرتبات معقولة...لو فقط يتوظفن في المولات ونحن بلد المولات ولله الحمد!!
د.فهد كتبت فأبدعت استمتعت بقراءة مقالك ,, لمعرفة مدى توافق الوضع بالسعودية مع منحنى فيليبس قد يمكن استخدام بعض الطرق الإحصائية التي تأخذ بعين الأعتبار إبعاد أثر التضخم العالمي ودراسة العلاقة بين التضخم والبطالة عندنا
يا هلا Essam86، نعم مفروض عزل التأثيرات الخارجية وكذلك الموسمية وتأثير الدورة الاقتصادية، وتحديد نوع البطالة المقصودة، ويمكن يخرج الباحث بنتيجة مفيدة.
موضوع بطالة النساء, امر محير فعلا,, فكثير من اولياء امور تلك النسوه وهن كذلك, لا يرغبون العمل في بيئه مختلطه,, ووزارة العمل موقفها ( مايع) في هذا الجانب, وكأن الامر يراد له ان يحل نفسه بنفسه,, (فكثير) من الباحثات عن وظائف يزاحمن على وظيفه في مصرف( الراجحي او البلاد او الانماء) لان هذه البنوك لا تسمح بالاختلاط, لكن( بعض منهن) يترددن عن العمل في ساب او الرياض او الهولندي, لان العمل مختلط, وليس هناك أقسام نسائيه خاصه, وقس على ذلك الكثير
أهلاً دكتور فهد.....وما ذكرته هو خطأ من أخطائنا كوننا نستشهد بظواهر ونظريات لا يقبل بها الحال لتغير الحال.....كثير من الاقتصاديين إن لم يكن جميعهم يقومون بذلك وفي النهاية تجري الامور بعيداً عن ما استشهدوا به....
هلا أخوي علي... الاقتصاد يختلف عن العلوم الطبيعية والرياضيات وعلوم أخرى كثيرة في أنه من الصعب اخضاعه لما يعرف بالطريقة العلمية، بمعنى أخذ أي نظرية وتجربتها من قبل أي شخص والخروج بنفس النتيجة...اخلط ذرة أوكسجين مع ذرتين هيدروجين يطلع ماء! ولكن النظريات الاقتصادية هي أولاً أفضل من لاشيء، وثانياً هي تعطي أسس معينة يمكن الانطلاق منها والتحليل والتفكير بشكل منظم. طبعاً نفس الكلام ينطبق على التحليل المالي للأسهم وكذلك التحليل الفني، وأي شيء يعتمد على سلوك البشر...لاحظ في مثال الأكسجين والهيدروجين سلوك البشر ما له علاقة في الموضوع، النتيجة ثابتة ومثبتة علمياً. وتسلم على المداخلة.
الذهب وفك الارتباط به هو بداية الفقاعة.... والازمة المالية عام 2008م وما خلفت من تيسيرات تعرت الحالة وانكشفت...
لا حل لبطالة..... ولا فائدة لخلق وظائف إلا لمدى زمني معين وكل سنة عن أخرى تنقص فعالية خلق الوظائف بسبب زيادة التضخم وعجز الدخول عن ملاحقة التضخم... وقد تكون الوظائف فيما بعد أداة تلطيف ليس إلا...
العالم عُبث به حتى تشوه وصار الاقتصاد العالمي ينطبق عليه المثل الشعبي " حرك تبلش "..... والله يعين
نعم تم العبث بالعالم عن طريق الاحتياطي الفيدرالي خاصة وان الدولار هو عملة الاحتياط العالمية ووسيط التبادل التجاري وبه تقيم السلع. امريكا تصدر للعالم التضخم الآن ومشاكلها الاقتصادية.