تصنيع البترول بأيادٍ وطنيّة مئة بالمئة

01/12/2012 4
د. أنور أبو العلا

 لا يوجد قطاع خاص في أي دولة من دول العالم كالقطاع الخاص في دول مجلس التعاون فهو يحصل على رأس ماله من ميزانية الحكومة (بيت مال الشعب) ولايوظف أبناء الشعب ولايدفع ضرائب للحكومة التي يعيش عالة على معونتها وبالتالي ليس له صفة الاستدامة لأنه بمجرد انقطاع ايرادات البترول ستتحوّل وزارة المالية من وزارة تقدم المعونات الى وزارة تحتاج المعونة.

هذه المقدمة لابد منها لتوضيح أن القطاع الخاص لدينا بوضعه الحالي غير مؤهل للاعتماد عليه للقيام بتنفيذ استراتيجية (أو خطة) ناجحة لإقامة صناعة مستدامة، أول أولويات متطلبات استدامتها (كما يحدث في جميع بلاد العالم) هو اعتمادها كلياً على الأيادي العاملة الوطنية.

العائق الأساس (واؤكّد أنه العائق الأساس) الذي تتفرع منه جميع بقية العوائق المسببة لعدم إقبال الشباب على التدريب على الأعمال اليدوية وعدم رغبتهم في العمل لدى القطاع الخاص هو وجود مادة في نظام العمل والعمال مكتوبة بالحبر المشفر لايفك حروفها إلا رجال الأعمال تضع حداً أعلى لأجور اليد العاملة الوطنية هي الأجور التي يقبلها أفقر عمال أفقر الدول الفقيرة في العالم.

الواقع أن اللوم لايقع على رجال الأعمال وحدهم بقدر ما يقع على الجهات التي كلفتها حكومتنا الرشيدة قبل أربعين سنة لوضع والإشراف على تنفيذ خطط تنموية لتحقيق هدفين متلازمين (مستحيل تحقيق أحدهما دون تحقيق الآخر) هما إيجاد مصادر دخل مستدامة للتعويض عن دخل البترول وتأهيل وتوظيف القوى العاملة الوطنية لصناعة هذه المصادر.

لكن الجهات الموكل إليها القيام بهذه المهمة لم تكن لديها الخبرة فبدلاً من أن تعمل منذ البداية على إيجاد (أو تهيئة) بيئة عمل سليمة وتنشئة جيل من رجال الأعمال الحقيقيين يعرفون أن الدولة (حفظها الله) لم تفتح لهم خزائنها لتكوين رؤوس أموالهم بتمويل من أموال الشعب إلا من أجل أن يستثمروها في إقامة مشاريع مستدامة تقوم على الأيدي الوطنية لا من أجل التسابق على استيراد أرخص أنواع العمالة وتحويل المملكة إلى ورشة لتدريب العاطلين في العالم على إقامة مشاريع هشة لاتستطيع أن تعيش إلا على حساب صناعة البطالة لدى شباب الوطن.

الآن بعد أن تعوّد رجال الأعمال وتأقلموا (كتأقلم السمك في الماء) على بيئة عمل ولدوا وترعرعوا وتربوا في محيطها فأصبح من الصعب على الجهات المختصة أن تصلح بين ليلة وضحاها ما أفسدته على مدى أربعين سنة من غير أن يتعرّض القطاع الخاص الهش للانهيار.

لا نتوقع من القطاع الخاص الحالي أن يغيّر من عقليته فيرضى أن يدفع للعامل الوطني مايستحقه ويحببه في التدريب والعمل بينما الباب مفتوح على مصراعيه لاستقدام عمالته بأجور السخرة.

لذا أصبح حتمياً دخول الدولة مباشرة عن طريق مؤسسات حكومية (بمواصفات لايتسع المجال لذكرها الآن) إلى صناعة البترول (تحويله إلى سلع نهائية) بأيد وطنية مائة في المائة تحصل على أجور وساعات عمل (مغرية للشباب) لاتقل عن أجور ولا تزيد على ساعات العمل التي يحظى بها عمال الدول المتقدمة فأزدهرت صناعتها وأصبحت تسمى الدول الغنية.

موضوع الاسبوع القادم – إن شاء الله – سيناقش تقرير وكالة الطاقة الدولية IEA عن تجاوز امريكا المملكة في إنتاج البترول وتأثير ذلك على اسعار البترول.