تتداخل أسواق الغاز والنفط بما يجعل كل مادة تؤثر في كميات الأخرى وأسعارها. ونظراً إلى ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من الغاز في شكل كبير وتوقّع استمرار هذه الزيادة في السنوات المقبلة، ونظراً إلى أن أسعار الغاز في الولايات المتحدة منخفضة وتوقّع استمرارها منخفضة نسبياً في السنوات المقبلة، يعني التداخل بين أسواق الغاز والنفط أن النفط في خطر، وأن الغاز سيزيد حصته على حساب النفط. وإذا استطاع القطاع تصدير ثورة الغاز إلى مناطق أخرى، سيضيق الخناق على النفط.
وقد يكون من أهم آثار الإعصار «ساندي» في أسواق النفط في المدى الطويل القضاء على آخر معاقل استهلاك وقود التدفئة في الأراضي الأميركية الرئيسة، والتحول إلى الغاز. وإذا استمرت زيادة إنتاج النفط الأميركي والكندي كما هو متوقع، سيشتد الخناق على النفط الخليجي والإفريقي، الأمر الذي يعني، على الأقل، أن أسعار النفط لن تستمر في الارتفاع كما يتوقع البعض، وستكون بعد 2020 أقل بكثير مما تتوقعه هيئات كثيرة، بل إن احتمال بقائها في مستوياتها الحالية بالقيمة الاسمية أكبر من احتمال ارتفاعها.
ومن أهم التداخلات بين أسواق الغاز والنفط التي تهدد النفط:
1- الإنتاج المشترك: يستخرَج الغاز المصاحب مع النفط، ما يجعل كليهما يؤثر في الآخر. وأكبر مثال على ذلك أن السبب الرئيس في طول فترة أسعار الغاز المنخفضة في الولايات المتحدة في السنتين الأخيرتين هو إنتاج الغاز من آبار النفط أو الغنية بالسوائل الغازية (التي تعد نفطاً). أما المثال الكبير الآخر فهو اقتناع الخبراء بأن قدرة السعودية في الدفاع عن أسعار النفط محدودة إذا انخفضت الأسعار في شكل كبير، ويعود ذلك إلى أن انخفاض إنتاج النفط تحت حد معين يعني بالضرورة انخفاض إنتاج الغاز المصاحب، الأمر الذي يهدد إمدادات الكهرباء ومصانع البتروكيماويات وغيرها.
2- إنتاج الغازات السائلة: هناك بعض الغازات السائلة التي يمكن إنتاجها من النفط أو الغاز مثل البروبان والبوتان.
وهذا يعني أن اقتصادات هذه الغازات السائلة تعتمد في شكل مباشر على أسعار النفط والغاز، الأمر الذي يجعل كلاً من النفط والغاز يؤثر في أسواق الآخر. فوجود أسعار نفط مرتفعة وأسعار غاز منخفضة في الولايات المتحدة أدى إلى إنتاج مزيد من الغازات السائلة من حقول الغاز، ما أدى إلى إنتاج مزيد من الغاز على رغم انخفاض الأسعار، والانخفاض الكبير في عدد الحفارات الباحثة عن الغاز. ونظراً إلى انخفاض القدرة التصديرية للغازات السائلة مقارنة بإنتاجها في الولايات المتحدة، ارتفع معروضها في شكل كبير، الأمر الذي خفض أسعارها بنسبة كبيرة. وهذا ساهم في تغيير المصافي لطرق الإنتاج بهدف التخفيف من كمية السوائل الغازية المستخرجة من عملية تكرير النفط، لكن المستفيد الأكبر من العملية هي صناعة البتروكيماويات الأميركية التي تفضل حالياً الحصول على هذه السوائل من حقول الغاز، وليس من المصافي.
3- ضخ الغاز في حقول النفط: كثيراً ما نجد في حقول النفط النائية أن الغاز المصاحب إما يحرَق أو يعاد ضخه في
حقول النفط لرفع معدلات إنتاجها. ولأن كلفة الغاز قريبة من الصفر، ترفع إعادة ضخه في المكامن من إنتاجية الحقول. لكن الأمر سيكون مختلفاً تماماً لو كانت هناك سوق لهذا الغاز فيحقق منتجو النفط عائداً إضافياً منه.
4- الاستهلاك في محطات الكهرباء: كانت الكهرباء تنتَج من الفحم والنفط والطاقة المائية، ثم دخلت الطاقة النووية على الخط، وجاء بعدها دور الغاز الذي أخذ من حصة النفط أكثر من غيره. ونظراً إلى أسباب بيئية واقتصادية يعني استخدام مزيد من الغاز في المحطات الكهربائية، خصوصاً في الدول الناشئة، خسارة النفط لجزء من أسواقه التقليدية.
5- الاستهلاك كوقود للسيارات: خسر النفط حصة كبيرة من سوقه في السبعينات وبداية الثمانينات بسبب تحول
القطاع الصناعي ومحطات الكهرباء إلى مصادر أخرى. وعلى رغم الحرب الشديدة على النفط، حافظ الأخير على موقعه في قطاع المواصلات خلال العقود الثلاثة الماضية. وعلى رغم القوانين الصارمة التي تجعل الوقود الحيوي منافساً قوياً للنفط، ما زال النفط يسيطر على قطاع المواصلات. لكن وفرة الغاز، خصوصاً في الولايات المتحدة، بدأت تهدد النفط في معقله الأخير، فهناك برامج عديدة لاستخدام الغاز المضغوط والغاز المسال بدلاً من البنزين والديزل. فماذا لو تبنت الحكومة الأميركية قوانين تشجع على شراء السيارات العاملة بالغاز وإنتاجها وبناء بنية تحتية مناسبة؟
6- تحويل الأنابيب: من أهم التطورات التي نتجت من ثورة الغاز والنفط في الولايات المتحدة تحويل أنابيب الغاز
إلى أنابيب نفط. فالولايات المتحدة تتميز عن غيرها من دول العالم بوجود شبكة ضخمة من أنابيب الغاز التي تنقل الغاز من منابعه إلى أماكن تسويقه في كل أنحاء البلاد. فثورة الغاز جعلت تجارة الغاز أكثر محلية، ولم تعد من حاجة إلى بعض أنابيب الغاز الطويلة. ومع زيادة إنتاج النفط والسوائل الغازية تعيد الشركات تهيئة بعض أنابيب الغاز لنقل النفط. وهذا يعني أن وفرة الغاز ساهمت في تسويق النفط الأميركي في شكل أفضل وبتكاليف أقل.
خلاصة الأمر أن أكبر خطر يهدد النفط الآن هو الغاز الطبيعي. ونظراً إلى أن أكبر خطر يهدد النفط الخليجي هو النفط الكندي، يمكن القول إن الغاز الأميركي والنفط الكندي يهددان أسواق النفط الخليجي. ويعني هذا التهديد أن تجارة النفط العالمية ستشهد تغيرات كبيرة في السنوات القليلة المقبلة.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
صحيح لابد ان عادة الخطط التي كانت تقوم على اساس النفط سلعة لا تنضب ، وان النفط لا غنا عنه , بل العالم يتقدم وما كنا نتصور بعيداً ( الاستغنا عن النفط ) أصبح قاب قوسين او ادنى .
بشكل عام حصة الغاز في قطاع الطاقة تزداد عام بعد عام بسبب كفاءة إحتراقه العالية و نظافته و كونه صديق للبيئة اكثر من النفط. و لكن يظل الغاز محصوراً على الأسواق الإقليمية بسبب الكلفة العالية لتصديره عبر البحار بعكس النفط. ربما يدخل الغاز بشكل اكبر في قطاع النقل و لكن يظل الوقود السائل المستخلص من النفط هو السائد حتى يصبح سعره غالياً لدرجة إجبار الناس على التحول إلى وقود بديل او إستخدام السيارات الهجينة أو الكهربائية.