عادة ما تكون نهاية عام وبداية عام جديد وقتا مليئا بالتنبؤات حول الاتجاهات التي ستشكل العام بالنسبة إلى صناعة معينة. أسواق النفط والغاز الطبيعي ليست استثناء، بين كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير) تكثر التوقعات والتنبؤات للعام الجديد. لكن، بانتهاء الربع الأول وحلول نيسان (أبريل)، تصبح اتجاهات وملامح أسواق النفط والغاز أكثر وضوحا، طبعا باستثناء بعض المفاجآت. فيما يلي بعض الاتجاهات التي من المرجح أن تهيمن على الأسواق حتى نهاية العام على الأقل، المخاوف من تشدد المعروض. على الرغم من المخاوف الكبيرة بين المتداولين بشأن حالة الاقتصاد العالمي، إلا أن هناك سببا وراء استمرار معظم البنوك الاستثمارية وخبراء الطاقة في توقع ارتفاع الأسعار في 2023. بعد ساعات فقط من إعلان بعض دول "أوبك+" خفض الإنتاج طوعيا بأكثر من 1.6 مليون برميل يوميا، وسط تراجع في الأسعار مدفوعا بعوامل خارجة عن أساسيات السوق، أصدر بنك جولدمان ساكس مراجعة لتوقعاته لأسعار خام برنت، لرفعه إلى 95 دولارا من 90 دولارا للبرميل في نهاية العام.
وتفسير رفع توقعات الأسعار هو أن المعروض من النفط الخام يتشدد على المستوى العالمي. بعد قرار "أوبك+" الأخير بخفض الإنتاج بمقدار 1.66 مليون برميل يوميا، وصل إجمالي خفض الإنتاج إلى 3.66 مليون برميل يوميا، أو 3.7 في المائة من الطلب العالمي على النفط، وهو أحد الأمثلة على الاتجاه الذي يتجه فيه العرض، لكنه ليس الوحيد.
حيث تحولت صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي مرت بعصر ازدهار حقيقي خلال العقد الماضي إلى صناعة أكثر اقتصادا وأكثر توجها نحو الكفاءة. خلال العام الماضي، تم الإعلان مرارا وتكرارا عن طفرة كبيرة في إنتاج النفط الصخري، وليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن هذه التقارير مبالغ فيها، لكنها لم تتحقق. لقد ولت أيام النمو الهائل في إنتاج النفط الصخري الأمريكي. سيستمر الإنتاج الأمريكي في الارتفاع -طالما كان السعر مناسبا- لكن بوتيرة أبطأ بكثير مما كان عليه قبل انهياره 2020، وبمعدلات أقل مما كان متوقعا قبل بضعة أشهر.
زيادة الاستثمار لمواكبة نمو الطلب. في الوقت الذي يتشدد فيه العرض لأسباب مختلفة، من المتوقع أن يرتفع الطلب على النفط هذا العام عن العام الماضي. تتوقع منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية أن يسجل الطلب على النفط رقما قياسيا هذا العام، وأن يتجاوز العرض في أواخر 2023. حسب التقرير الشهري لـ "أوبك"، سيرتفع الطلب العالمي على النفط هذا العام بنحو 2.32 مليون برميل يوميا إلى 101.9 مليون برميل يوميا. والصناعة تستعد إلى الاستجابة لهذا النمو.
في هذا الجانب، ذكر وود ماكنزي، في وقت سابق من هذا العام، أن الاستثمارات العالمية في مشاريع المنبع ستواصل انتعاشها الذي بدأ العام الماضي، لتصل إلى نحو 470 مليار دولار هذا العام، ما يرفع استثمارات القطاع أعلى من المستوى المنخفض البالغ 370 مليار دولار المسجل في 2020. لكن نحو نصف هذه الزيادة هي بسبب ارتفاع التكاليف وليست الطموحات الكبيرة في نمو الإنتاج.
بعبارة أخرى، شركات النفط الكبرى والشركات الأصغر الفاعلة في القطاع تسير بحزم على طريق التوفير، وهو أمر لا يثير الدهشة في ضوء الدفع المتزايد باستمرار من قبل الحكومات والمنظمات الناشطة لإنتاج كميات أقل من النفط والغاز، بغض النظر عن توقعات الطلب.
تتجه صناعة النفط والغاز نحو التنويع والاستثمار في مشاريع طاقة منخفضة الكربون، بما في ذلك احتجاز الكربون وتخزينه. في هذا الجانب، أعلنت شركة شيفرون أخيرا خطط نمو في هذا المجال وذهبت شركة إكسون إلى أبعد من ذلك، قائلة في يوم من الأيام يمكن لأعمالها منخفضة الكربون أن تتفوق على النفط والغاز كمساهمين في الدخل.
وتعد شركة أرامكو من الرواد في مجال الأعمال منخفضة الكربون. حيث رصد تقرير الاستدامة، الذي أصدرته الشركة في وقت لاحق من الشهر الماضي، أبرز المشاريع التي أقامتها لمكافحة أو خفض الانبعاثات الكربونية في أعمالها، التي تنوعت بين تطوير التكنولوجيات بنفسها، أو من خلال التعاون مع جهات أخرى. في هذا الجانب، قال الرئيس التنفيذي للشركة، إن الشركة تعد تحول العالم إلى مستقبل طاقة منخفض الانبعاثات التزاما وفرصة، ولا سيما أنها تتمتع بمزايا تنافسية، لكونها أحد الموردين الأكثر موثوقية في العالم، والمنتج الأقل تكلفة.
تزايد دور "أوبك" في دعم استقرار السوق. قبل بضعة أعوام جادل المحللون أنه بسبب ظهور النفط الصخري الأمريكي، تفقد "أوبك" قدرتها على إدارة السوق. ثم جاءت "أوبك+"، وتعاونت المملكة مع روسيا، وأصبحت المنظمة مسؤولة عن جزء أكبر من إمدادات النفط العالمية مما اعتادت عليه "أوبك" بمفردها. كما تظهر الخطوة الأخيرة من قبل المجموعة، أن هذه المنظمة جاهزة تماما ومستعدة لإعادة توازن السوق ودعم استقرار أمن الطاقة. ليس لديها أي عقبات للقيام بذلك لأن "أوبك+" تتكون من شركات مملوكة للدولة. لا يوجد ضغط من قبل المستثمرين الناشطين على هذه الشركات.
أخيرا وليس آخرا، الغاز في دائرة الضوء من جديد كوقود مجسر. في حالة عدم توضيح الأمور في العام الماضي بشكل كاف، هذا العام سيفعل، بالفعل الغاز الطبيعي يعود إلى الواجهة بعد أن رفضه دعاة انتقال الطاقة كوقود مجسر. لكن، كل ما تطلبه الأمر هو أزمة طاقة نتجت في جزء كبير منها عن نقص الغاز في أوروبا لإجبار صانعي القرار في القارة العجوز على إدراك أن خطط التحول كلها جيدة للغاية، لكن الناس يحتاجون إلى الطاقة الآن، وليس في 2050.
يعطي هذا الإدراك دفعة كبيرة لمشاريع الغاز الطبيعي المسال الأمريكية الجديدة منذ أن أصبحت أكبر مورد للوقود المسال في أوروبا الذي يحل محل شحنات خطوط الأنابيب الروسية. وتحظى تنمية موارد الغاز بمزيد من التشجيع والدعم أيضا في منطقة الخليج العربي وإفريقيا - وهي مصدر بديل آخر للطاقة لأوروبا. يمكن القول إن الغاز يشهد عصر نهضة جديدا.
نقلا عن الاقتصادية