سياسة رفع التكاليف .. هل تكون القشة التي تقصم الظهر؟

18/11/2012 7
د.عبد الوهاب أبو داهش

يبدو أن النجاح الذي تحقق لبرنامجي حافز ونطاقات أغرى وزارة العمل لتقديم مزيد من السياسات لسوق العمل في تحقيق أهدافها بصورة أسرع مما يجب. ولعل استعجالها وتوقيتها الخاطئ في فرض 200 ريال عن كل عامل وافد للمنشآت التي تقل فيها نسبة السعودة عن 50 في المائة يدل على ذلك. فاستخدام سياسات متتالية ومتتابعة في وقت قصير جدا قد يأتي بنتائج عكسية لما هو متوقع. فبرنامجا حافز ونطاقات يحتاجان أولا إلى مرحلة تقييم للوصول إلى قناعة واضحة لصانعي القرار، وكذلك قناعة لا يشوبها تضارب للرأي العام. ولن يتحقق ذلك إلا عندما تنجح وزارة العمل في بناء قاعدة معلومات مفصلة ودقيقة لسوق العمل تبين الداخلين الجدد لسوق العمل، ونسب التوظيف، ونسب البطالة، مصنفة حسب الجنس والجنسية والمهارة والمنشأة والقطاع بصورة تمكن المراقبين من الاطلاع عليها وفهمها وتحليلها، ما يسهم في قدرة الجميع على التنبؤ بتأثير أية سياسات قائمة أو محتملة، ناهيك عما سيؤديه ذلك في تقديم مقترحات وسياسات أخرى غير ملحوظة في الوضع الحالي.

إن مقترح فرض الـ 200 ريال الجديد قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة ومنظورة لصانعي القرار. فأكثر المتضررين هي تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكذلك الشركات الكبيرة التي تعتمد على كثافة اليد العاملة. وتلك الشركات هي عصب الاقتصاد المحلي ومنجم التوظيف. ولا يمكن رفع تكاليفها بصورة متسارعة في ظل اقتصاد متذبذب محليا وعالميا من أجل هدف واحد هو رفع نسبة السعودة وإغفال أهداف تنموية أخرى لها أهمية قصوى تتمثل في استيعاب النفقات الاستثمارية الضخمة التي تشهدها البلاد. إن تلك الشركات لم تستوعب أو تتأقلم حتى الآن مع برنامج نطاقات بالشكل المطلوب أو كما ترتجيه وزارة العمل نفسها، ما يجعل هناك صعوبة بالغة في استيعاب سياسات إضافية أخرى قد تؤدي بها إلى التقهقر.

ندرك أن رفع تكاليف العامل الوافد أحد الحلول التي قد تسهم في توطين الوظائف، لكنها ليست الحل الأكثر فاعلية وكفاءة للاقتصاد. وهو أيضا ليس حلا يجب تبنيه بصورة متسارعة لأنه يضيف تكاليف متسارعة ومتراكمة في وقت قصير (أقل من سنتين) من جراء تطبيق برنامج نطاقات والحد الأدنى للأجور، ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية، عطفا على سمات الشركات التي ستخضع لهذا القرار. وهي شركات تتسم بسوء التنظيم والإدارة والإنتاجية، ما يعني مزيدا من التكاليف قد تؤدي بتلك المنشآت إلى مزيد من التخبط، مما يؤدي إلى منتج أعرج يعوق التنمية ويبطئ عملية التوظيف، وبالتالي صعوبة خفض نسبة البطالة. إن خفض نسبة البطالة عملية شاقة وطويلة الأمد حتى في الدول الأكثر تقدما، التي لديها نمو أسرع من المملكة وبطالة أقل. السياسات التي تهدف إلى خفض البطالة في الدول الأكثر تقدما تأخذ وقتا أطول وتتسم بعدم المباشرة. إذ تعتمد على خفض سعر الفائدة وخفض الضريبة لمدة أطول لتشجيع الاستثمار ومن ثم زيادة التوظيف. وهي تتبنى الحد الأدنى للأجور - ليس لرفع التكاليف وتوطين الوظائف - بل لرفع مستويات وجودة المعيشة.

إننا ندرك الخلل الهيكلي لسوق العمل السعودية، وندرك أنها تحتاج إلى حلول هيكلية مشابهة لبرنامجي حافز ونطاقات، اللذين يحتاجان إلى التركيز عليهما للوصول بالسوق العمالية إلى وضع أفضل. لكن تعدد السياسات وتتابعها في وقت قصير سيشتت جهود وزارة العمل وسيرهق كاهلها، ما يؤدي إلى فشل البرنامجين المعنيين برفع نسبة التوظيف.