«ساندي» في أسواق النفط والغاز

07/11/2012 0
د.أنس الحجي

خسائر قطاع الطاقة بسبب الإعصار «ساندي» بلغت مئات الملايين. فـ «ساندي» ضرب أكثر المناطق الأميركية كثافة للسكان، وأكثرها اعتماداً على الكهرباء، فنتجت عن ذلك مشكلات كبيرة وخسائر ضخمة. وخفض الإعصار عموماً الطلب على النفط كثيراً بسبب توقف حركتي الطيران والسير، كما خفض الطلب على الغاز والفحم بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وخفض الإعصار أيضاً معروض النفط والغاز بسبب إغلاق المصافي الموانئ ومحطات التوزيع بعد انقطاع الكهرباء.

وخلّف ساندي دماراً كبيراً في قطاع الكهرباء تمثّلت غالبيته في قطع الأسلاك وانهيار بعض الأعمدة والأبراج وانفجار بعض المحولات الكهربائية. ونتج من هذا الدمار انخفاض في الطلب على الكهرباء. وفي المقابل جاء «ساندي» بموجة برد قارسة وثلوج في بعض المناطق، ما زاد الطلب على الكهرباء للتدفئة، ثم تلت «ساندي» موجة برد شديدة، زاد فيها الطلب على التدفئة كثيراً.

لكن ثمة مشكلات كبيرة في جانب العرض كانت وما زالت قائمة. فإضافة إلى الدمار الذي أصاب الأسلاك والأبراج والمحولات، أغلِقت محطات نووية احترازياً قبل بداية الإعصار. وأجبرت هذه التطورات كثيراً من الشركات والمحال التجارية على استخدام المولدات الكهربائية الصغيرة.

وكان أكبر أثر للإعصار «ساندي» في أسواق النفط هو انخفاض الطلب على وقود الطائرات بسبب توقف الطيران في شمال شرقي الولايات المتحدة والذي يقدر طلبه على وقود الطائرات بـ 300 ألف برميل يومياً، وتوقف حركة المواصلات العامة مثل القطارات والحافلات، وتوقف حركة السير عموماً. ومع انتهاء الإعصار، لا يُتوقع أن ينتعش الطلب على النفط إلى المستويات التي كان عليها قبل الإعصار لأسباب منها أن عودة الموظفين إلى أعمالهم كانت بطيئة ويُتوقع لها أن تستمر بهذا البطء فترة من الزمن بسبب تعذر المواصلات من جهة، وبسبب دمار بيوت البعض من جهة أخرى. ونظراً إلى غرق بعض محطات القطار الواقعة تحت الأرض ستستغرق عودة القطارات إلى العمل في بعض المناطق بعض الوقت.

وسينتج من ضعف حركة الطيران والمواصلات العامة زيادة حركة السيارات الخاصة، الأمر الذي سيزيد من الطلب على البنزين. لكن المشكلة أن الشركات لا تستطيع، حتى تاريخ كتابة هذا المقال، إيصال البنزين إلى مئات المحطات في نيويورك وما حولها بسبب حال الطرق أو انقطاع الكهرباء أو غياب العمال، والعودة البطيئة لأنابيب النفط. وحتى لو جرى إيصال البنزين إلى بعضها، ما زال غياب الكهرباء يجبر بعض المحطات على الاستمرار في الإغلاق. وتشير بيانات إلى أن نحو 45 في المئة من محطات البنزين ما زال مغلقاً في ولايتي نيويورك ونيوجرسي. ويتضح من هذا أن الطلب على البنزين والديزل سيزيد في الأسابيع المقبلة مع عودة الكهرباء للمنطقة.

ونظراً إلى انقطاع الكهرباء، يُتوقع أن يزيد طلب القطاعين التجاري والخاص على الديزل والبنزين لتشغيل مولدات الكهرباء الصغيرة، والتي انتشرت انتشاراً كبيراً في الأيام الأخيرة لدرجة أنها لم تعد موجودة في المحال المخصصة لبيعها. وما زالت المنطقة حتى يومنا هذا تعاني عجزاً في إمدادات الديزل والبنزين.
وإذا نظرنا إلى البيانات نجد أن الانخفاض في المعروض أكبر من الانخفاض في الطلب على النفط، الأمر الذي يفسر ارتفاع أسعار المنتجات النفطية في المنطقة. فهناك العديد من المصافي ومحطات التخزين والمرافئ التي أغلِقت. ويُقدر حجم الطاقة التكريرية المعطلة بـ 1.3 مليون برميل يومياً. وعلى رغم عودة غالبيتها للعمل، إلا أنها تعمل بطاقة إنتاجية أقل مما كانت عليه قبل الإعصار والتي كانت تُقدر بنحو 350 ألف برميل يومياً. وتشير التقارير إلى أن أكثر المصافي تأثراً هي مصفاة «بي وي» التي تملكها شركة «فيليبس 66» والتي تعرضت للغرق وانقطاع الكهرباء.

وكان قطاع الغاز الأقل تأثراً بالإعصار مقارنة بقطاعات الطاقة الأخرى، وقد يكون الرابح الوحيد من «ساندي» بسبب برودة الطقس التي زادت من الطلب على الغاز لأغراض التدفئة، ليس في المناطق المنكوبة فحسب، بل في المناطق المجاورة لها أيضاً. إلا أن انخفاض الطلب على الكهرباء يعني انخفاض طلب بعض المحطات الكهربائية على الغاز الطبيعي. واستفاد الغاز من ثلاثة أمور، الأول أن بنيته التحتية لم تدمَّر كما دمِّرت البنية التحتية لمصادر الطاقة الأخرى، والثاني وقف المحطات النووية تحسباً لأي دمار قد ينتج من الإعصار، والثالث توقف كل مصادر الطاقة المتجددة عن إنتاج الكهرباء أو الحرارة، بما في ذلك التوربينات الهوائية في البحر.

أثر «ساندي» سلباً في الطلب والعرض على صعيد مصادر الطاقة، وأثره بعد انحساره سيكون إيجابياً في أسواق وقود المواصلات والغاز، وسلبياً على مواد أخرى مثل وقود الطائرات. وفيما يمكن أن تتوافر المشتقات النفطية في شكل أو آخر، إذ يخزنها الناس عادة قبل الأعاصير، أوضح «ساندي» لنا أن الطاقة المتجددة تتوقف تماماً أثناء الكوارث، وأن الخوف من كارثة نووية نتج منه إغلاق المحطات النووية. والدرس الأخير من «ساندي» أن بعض المحطات، على رغم توافر البنزين والديزل فيها، أغلقت أبوابها بسبب العجز في إمدادات الكهرباء. فهل تعني تجربة «ساندي» أن محطات الكهرباء المحلية والصغيرة أفضل أثناء الكوارث من المحطات المركزية والكبيرة؟