كيف سيرد الخليج على استبعاده من نظام الأفضليات الأوروبي؟

04/11/2012 6
محمد العنقري

لم يكن مستغرباً رفض دول الخليج لقرار الاتحاد الأوروبي باستبعادها من نظام الأفضليات الأوروبي وذلك عبر تصريحات من مسؤولي أمانة مجلس دول التعاون الخليجي ونظام الأفضليات معمول به منذ أربعة عقود بمبادرة من طرف واحد وهو الاتحاد الأوروبي ويضم قائمة طويلة من الدول الناشئة وأعاد الأوروبيون جدولة قائمة للدول المشمولة بالنظام واستبعدت أربع عشرة دولة من ضمنها الدول الخليجية الست.

ويعطي النظام تفضيلاً خاصاً لصناعات الدول المصنفة كناشئة بتخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على منتجاتها مما يسمح لها بالنفاذ لأكبر الأسواق العالمية بأسعار تنافسية سواء للمستهلك أو المصنعين أما سبب الاستبعاد فهو اعتبار دول الخليج غنية وذات دخل عالي.

لكن الحقيقة تكمن أن صناعاتنا ما زالت ناشئة وبالكاد بدأت تتلمس طريقها بالأسواق العالمية وما زالت تعتمد على دعم حكومي خليجي كبير لتتمكن من المنافسة وتحقيق أرباح تمكنها من الوقوف على قدميها فما زالت هذه الصناعات تعتمد على خطوط إنتاج وتقنية مستوردة وعمالة أجنبية وبعض مدخلات الإنتاج المستوردة أيضا والكثير من الجوانب التي تدخل بالعملية الإنتاجية والنقل والتسويق كلها ذات تكلفة عالية ولم تصل بكفاءتها الإنتاجية لمرحلة متقدمة من التنافسية بالإضافة لعناصر الدعم الحكومي المحلي المعروفة.

كما أن عمر الصناعة الخليجية ما زال قصيرا فأقدم شركاتنا لم تتجاوز بعمرها خمسة عقود وغالبيتها في ربيع العمر ما بين عشرين إلى ثلاثين عاماً وتعد أسواق أوروبا الأولى لدول الخليج بينما تحتل الأسواق الخليجية المرتبة الخامسة لدول الاتحاد الأوروبي ويصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى قرابة ثمانمائة مليار ريال وترجح الكفة لصالح الأوروبيين وإن كان بنسبة بسيطة فإن ما يعدل من الفارق هو استيراد أوروبا للنفط الخليجي فما زال تصدير النفط ومشتقاته يشكل قرابة ثمانين بالمائة من حجم الصادرات بينما تتنوع السلع الأوروبية التي تصدر للخليج بين المعدات والآلات والأدوية والسلع الغذائية والأجهزة الكهربائية والعديد من السلع وهذا التنوع يعني أن فائدة الأوربيين أكبر إذ تستفيد مجمل القطاعات الصناعية من أسواق الخليج بخلاف دول الخليج إذ تتركز الفائدة بقطاع النفط والغاز ومشتقاتهما الصناعية.

لكن السؤال كيف سترد دول الخليج على القرار الذي وصف بأنه سيتسبب بضرر مؤثر بالصناعات الخليجية فهل ستكتفي بالاعتراض ومحاولات الإقناع بأن القرار متسرع وأن هناك خلطاً بين موارد دول الخليج وحسابات دخل الفرد المرتفعة نتيجة ارتفاع عوائد النفط بينما موارد الصناعة الخليجية ما زالت محدودة وأن مبيعات شركتين أو ثلاثة من شركات أوروبا الكبرى تفوق كل إيرادات الشركات الخليجية مجتمعة.

أم ستعمل دول الخليج على امتصاص فارق ارتفاع تكاليف الإنتاج بإجراءات داخلية وأن تسعى مع المصنعين الخليجيين إلى تحسين مستوى الإنتاج وإزالة كل ما يمكن أن يرفع تكلفة الإنتاج لديها أو ستحيل الملف كاملا ليدخل في المفاوضات الخليجية الأوروبية للتجارة الحرة إذ تعتبر دول الخليج نفسها في موقف تفاوضي جيد.

لكن وضع دول الاتحاد الأوروبي الاقتصادي ضعيف ويعاني من عدة أزمات وتعد الأموال الخليجية هدفا للمستثمرين الأوروبيين وحتى للسندات الحكومية الأوروبية وتستثمر دول الخليج مبالغ ضخمة بأوروبا بينما الاستثمارات الأوروبية تبقى محدودة خليجيا وتستفيد شركاتهم من العقود الإنشائية التي تطلقها دول الخليج سنويا إذ يلعب ذلك دورا مهما في نشاط تلك الشركات وتعويضها عن ضعف أعمالها ببلدانها مما يعني أنه من الضروري أن تلوح دول الخليج بورقتي عقود الشركات الأوروبية وفرصتها التنافسية باقتصادياتنا وكذلك وجهة الاستثمارات الخليجية السيادية كضغط مشروع لإجبارها على تفضيل منتجاتنا بأسواقها.

القرار الأوروبي بكل تأكيد كان مفاجئا للخليج وسيتم العمل به من بداية العام 2014 إلا أن عدم الاستعداد المبكر خليجياً لأي تحولات بطرق التعاملات التجارية الدولية سينقل أزمات لصناعاتنا واقتصادياتنا إذا لم يتم وضع السيناريوهات والاحتمالات من قبل الشركات والدول الخليجية فالعالم يتغير كل يوم والحمائية تنتشر بالتجارة الدولية كالنار بالهشيم وبوسائل عدة ومن يملكون المال هم الأكثر هدفا لتلك الاقتصاديات الجبارة بمحاولة الضغط عليها لتقديم تنازلات بفتح أسواقها للاقتصاديات الكبرى وفرض شراكات تميل الكفة بها لهم أسواقاً واستثماراً.