الوحدة النقدية الخليجية والتجربة الأوروبية

04/10/2012 2
عامر ذياب التميمي

يثير مراقبون مسألة الوحدة النقدية بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويتساءلون عن جدواها في ظل المعضلات التي تواجه دول منطقة اليورو، خصوصاً مشكلات الديون السيادية. لا شك في ان التجربة الأوروبية تستحق التأمل، لكن هل المشكلات الراهنة دليل على فشل الوحدة النقدية في المطلق أم أنها تبين ضرورة اعتماد تنظيمات وتشريعات لتحصين أي نظام نقدي موحد؟

توصلت دول منطقة اليورو أخيراً إلى قناعة بأهمية الإبقاء على النظام النقدي الموحد الخاص بها وتعزيزه عن طريق توحيد السياسات المالية واتباع سياسات ملائمة تحد من آثار العجز وارتفاع المديونية. وتؤكد الإجراءات الأخيرة في دول الخليج ان الدول الأربع التي وافقت على المضي في الوحدة النقدية، وهي السعودية والكويت وقطر والبحرين، تسير نحو تحقيق هذه الوحدة في السنوات المقبلة بعد التوافق على تأسيس مصرف مركزي موحد في الرياض والتأكيد على توفيق الإجراءات الفنية في الدول الأربع بما يؤدي إلى تحقيق الوحدة النقدية وحماية النظام من أي تأثيرات غير مناسبة.

وليست في دول الخليج مديونـيات سيـادية، فهي تتمتع بمداخيل مهمة من النفط وتحقق موازناتها فوائض جـيدة، وتتجه سياسـاتها الـماليـة إلى زيادة الإنفاق الرأسمالي لإنجاز مشاريع أسـاسية في البنية التحتية والخـدمـات الأسـاسـيـة. ولـذلـك قد لا تكون قضية السيطرة على العجز في دول المنطقة ذات أهمية، أقله في الأجل المـنظور. لكن ذلك لا يعني التعويل على ان هذا الواقع المريح سيستمر إلى أجل بعيد، فضرورة التحكم في الإنفاق مطلوبة، خصوصاً على صعيد ترشيد الإنفاق العام وإعادة هيكلة البناء الاقتصادي بما يعزز دور القطاع الخاص في الأجل البعيد.

وغني عن البيان ان السياسات المالية في دول الخليج تعتبر ذات أهمية كبيرة بفعل دور الدولة الاقتصادي الواسع النطاق في كل منها، في حين تلعب السياسات النقدية دوراً مسانداً ولا ترتقي إلى مستوى السياسات النقدية في الدول الرأسمالية الرئيسة. لكن توحيد السياسات النقدية من خلال نظام للوحدة النقدية قد يؤدي إلى تعزيز دور هذه السياسات في التحكم في الأداء الاقتصادي إذا رافقته عملية إصلاح بنيوية في الاقتصادات. وتعتمد السياسات النقدية في فاعليتها على تحرير الاقتصاد من القيود البيروقراطية وهيمنة الدولة وملكيتها في القطاعات الحيوية. ومنذ بداية عصر النفط في أواخر أربعينات القرن العشرين في هذه المنطقة، أوجدت السلطات أنظمة نقدية تتوافق مع متطلبات اقتصاداتها المحلية من دون ان تسعى إلى ان تكون عملاتها أداة لتسوية عمليات التبادل التجاري بينها وبين الشركاء التجاريين. ولذلك فالدولار هو العملة المحددة لتسوية مبيعات الصادرات النفطية. وتدفع هذه الدول بالعملات الأساسية في مقابل الواردات السلعية التي تصلها من مختلف الدول المصدرة.

وقد تكون عُمان أول دولة في المنطقة تستدين لمواجهة متطلبات الإنفاق الجاري والرأسمالي، ولذلك كانت لدى الحكومة العُمانية تحفظات على متطلبات الانضواء في الوحدة النقدية الخليجية. وإذا كانت التوقعات في الموازنة العُمانية تشير إلى إمكان تحقيق فائض فعلي نتيجة ارتفاع أسعار النفط، فإن قدرة الدول الخليجية الأخرى، مثل السعودية والكويت وقطر، على دعم الاقتصاد العُماني وتمكين الحكومة من مواجهة الالتزامات تظل قائمة من ضمن معطيات منظومة مجلس التعاون الخليجي. ويتعين على الدول الأربع التي اعتمدت مشروع الوحدة النقدية ان تؤكد على أهمية عضوية عُمان التي تتمتع بإدارة اقتصادية حديثة كما تتسم بإمكانات سكانية مناسبة وتعتمد إلى درجة مهمة، على العمال المحليين أكثر من دول الخليج الأخرى بما يعني ان قدرة الإصلاح الهيكلي فيها متوافرة وبدرجة عالية.

أما في ما يتعلق بتحفظ الإمارات على الوحدة النقدية فالمسألة تتعلق بعدم اختيارها مقراً للمصرف المركزي الخليجي الموحد. قد تكون هذه المسألة مهمة لدولة مثل الإمارات تسعى إلى إبراز دورها في الاقتصاد العالمي، لكن اعتبارات اختيار الرياض مقراً للمصرف المركزي اعتمدت على ان الاقتصاد السعودي هو الأكبر حجماً وتنوعاً في المنطقة، كما ان السعودية تملك قاعدة سكانية مهمة، ولذلك فإن السياسات النقدية ستتأثر كثيراً بهذا الاقتصاد. وإذ كان يمكن التوافق على قرارات إدارية مرضية لكل الأطراف، لا بد من العمل على إعادة الإمارات إلى نظام الوحدة النقدية قبل ان يتحقق.

وتمثل دول الخليج الست اقتصاداً مهماً إذ تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي لها ما يقارب تريليون دولار، ويقدر عدد السكان بـ 42 مليون نسمة. وتظل هذه المنظومة الأكثر تماسكاً بين التجمعات العربية التي تأسست على مدار السنين الخمسين الماضية، وهي تتمتع بسمات اقتصادية مشتركة من أهمها الإنتاج النفطي. لكن هذه المنظومة تعاني أيضاً مشكلات أساسية مثل الاعتماد الكبير على اليد العاملة الوافدة والاتكال على آليات الإنفاق العام. ولذلك يؤمل ان يحقق التوحيد النقدي فرصة لإصلاح البناء الاقتصادي بما تؤكده معايير تلك الوحدة النقدية.