إذا لم ينجح الكونغرس الأمريكي والرئيس أوباما في التوصل إلى صفقة قبل نهاية 2012، ستواجه الولايات المتحدة "انحداراً ماليا" في 1 يناير 2013، حيث يجمع هذا الانحدار المالي بين انتهاء مدة التخفيضات الضريبية وخفض المزايا التي يحصل عليها العاطلون عن العمل وارتفاع الضرائب على دخل الأفراد وإلزامية خفض الإنفاق التي ستدخل حيز التنفيذ بصورة تلقائية. لقد نشأ هذا الوضع السنة الماضية عندما أخفق الكونغرس في إيجاد صفقة طويلة الأجل أو حلاً لنقص الموازنة الأمريكية.
لعب رئيس الفيدرالي الاتحادي بن بيرنانك دوراً رئيسياً في تأجيل الإصلاح المطلوب بشكل كبير من الناحية المالية بالنسبة للولايات المتحدة وذلك بتوفير أموال غير محدودة بمعدلات فائدة عند الصفر للمصارف وبصورة غير مباشرة للحكومات، وهو ما حمل دلالة على احتمالية تأجيل آخر يوم مبيعات بشكل غير محدد المدة بالنسبة للإصلاحات الفعلية. نعلم كم يكره الكثير من السياسيين حول العالم التعامل على أرض الواقع بعيداً عن الوعود. وبما أن الانحدار المالي مسألة واقعية فقد لا يشعرون بالارتياح تجاه ذلك.
الولايات المتحدة تمول نفسها بمعدلات متدنية
في دورة العمل الطبيعية، تنتج السندات الحكومية شيئاً يشبه التضخم إضافة إلى قسط تحمل المخاطر. يتوقع أن تصل الحصيلة الأمريكية حالياً إلى تضخم بمعدل (2.1%) إضافة إلى قسط تحمل المخاطر بنسبة (0.5-1.0%) = 2.6%-3.1%. وبدلاً من ذلك، تقوم الحكومة الأمريكية بتمويل نفسها بمعدل 1.60%! تمكن الولايات المتحدة من "تحمل" تأجيل اتخاذ الاجراءات مع استمرار نمو اقتصادها زيادة على معدل التمويل لديها – أي أن النمو أصبح 2.0% والتمويل 1.6%، وهو ما يجعل عجز الميزانية ثابتاً، وهذا بدوره يمثل نهاية الأخبار الجيدة.
أما الأخبار السيئة فهي أن الاحتياطي الفيدرالي يعاني من هذا الانحدار المالي، وإلا لماذا ينخرط الاحتياطي الفيدرالي في تحقيق أموال بطرق سهلة عندما تصل سوق الأسهم إلى أعلى مستوى وصلته في 2007 وسوق العقارات تبحث عن الاستقرار؟
السبب في ذلك هو أن الاحتياطي الفيدرالي متخوف من أن الكونغرس سيفشل في التوصل إلى تسوية قبل الموعد النهائي المحدد نهاية السنة.
ليس هناك حافز لإيجاد تسوية
من زاوية نظريات الألعاب، لا يوفر هذان الجانبان أي حافز لإيجاد تسوية؛ فحزب الجمهوريين القديم يود أن فرض مزيد من التخفيضات على الإنفاق مصحوباً بخفض الضرائب، في حين أن حزب الديمقراطيين يريد فرض مزيد من الضرائب. ما يدعو للسخرية أن كلا الحزبين يحصل على جزء مما يريد إذا لم يحدث شيء من الآن وحتى نهاية السنة ولكن هناك سعر يجب دفعه.
إن تراجع مخاطرة الانحدار المالي لها تأثير سلبي من حيث إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.5%-4.0% على النمو في 2013. يشهد الاقتصاد الأمريكي نمواً بنسبة 2.0%-2.5% وهو ما يعني أنه في حال لم يحدث أي شيء ستقع الولايات المتحدة في مطب الركود بحلول 2013. وبالطبع فإن السوق تتطلع إلى سيناريو الحالة الأفضل تتلاشى فيها هذه التذبذبات في الضرائب أو تنخفض أو يُعاد جدولتها. ولكن حتى أكثر المراقبين السياسيين المتفائلين يعتقد أننا سنتمكن من الوصول إلى صفقة يكون لها تأثير سلبي على النمو.
ما سبب أهمية ذلك؟
ما سبب أهمية هبوط وارتفاع إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة بالنسبة للمهتمين بالسوق؟
بداية عزيزي واتسون، تشير التقديرات إلى أن نمواً بنسبة 1 بالمائة سيحدث/سيخفض مكاسب الشركات بـ5-7 دولار أمريكي بالنسبة للشركات المدرجة لدى S&P 500، وهذا يحتاج إلى ضربه بالسعر الذي ندفعه لتحقيق هذا الربح. يصل معدل السعر بالنسبة للمكاسب إلى 15، وهو ما يشير إلى أن الارتفاع أو الهبوط بنسبة واحد بالمائة في النمو سيؤدي إلى زيادة/خفض القيمة الأساسية لوكالة أس آند بي بـ: 75-105 نقاط. (5 دولار أمريكي × 15 = 75، 7 دولار أمريكي × 15 = 105). ولذلك وبعبارة بسيطة، إذا كان سيناريو أسوأ حالة هو نمو سلبي بنسبة 5% فإن "السعر" سيصبح ناقصاً 525 نقطة أس آند بي (أو من 1435 إلى 910 بنهاية 2013!). اعتقد أنني نجحت بلفت انتباهكم الآن!
ومع ذلك، فإن هذا السعر يسعى وراء "المال" فقط – حيث سيخسر الاقتصاد الحقيقي 2 بالمائة أخرى من نقاط النمو بسبب ارتفاع الضرائب وانخفاض المزايا على الرواتب إضافة إلى أمور أخرى (التقشف = انخفاض النمو). كما أن إعادة انتخاب الرئيس أوباما ستحتاج إلى إيجاد 800,000 وظيفة أخرى سبق أن خسرها الاقتصاد نتيجة هذه الدواء القوي الذي طُرح.
التوازن التاريخي
من الممتع أن يكون لدينا توازن تاريخي، حيث واجه الرئيسي الأمريكي فرانكلن ديلانو روزفلت نفس التحدي سنة 1937. فبعد التوسع الذي قام به إطلاق برنامج الصفقات الجديد في ثلاثينيات القرن العشرين، ظهرت الحاجة إلى "الحكمة المالية". وقد انتهى الأمر بالرئيس روزفلت بزيادة الضرائب بشكل كبير حيث تراجعت الأسواق بنسبة 50% (انظر الجدول أدناه).
بالعودة إلى الثلاثينيات، فقد كانت "الأجواء غير اعتيادية" بالنسبة لصناع السياسة. هل المشكلة في شخصي أم أن هناك أوقاتاً غير اعتيادية أكثر مما نشهده هذه الأيام؟ نعم، إن هذا غير منطقي وليس هناك من أسباب منطقية تبرره، حيث أنه لا يمكننا حل إشكالية القدرة على سداد الديون (أزمة الديون) بإصدار مزيد من الديون، ولا يمكننا فرض ضرائب على أنفسنا لتحقيق الازدهار.
الحل في تطبيق أكبر للاقتصاد الجزئي
الحل للانحدار المالي وأزمة الديون الأوروبية والتباطؤ الذي تشهده الصين هو نفسه. نحتاج لتطبيق أكبر للاقتصاد الجزئي.
مزيد من الأسواق الحرة ومزيد من المنافسة ومزيد من الإصلاحات وتخفيض الضرائب وتقديم مزيد من الحوافز لتفعيل المدخرات الخاصة الكبيرة بعيداً عن السندات الحكومية التي تشهد حالة سكون ورأس المال الذي ينطوي على كثير من المخاطر ويأخذ شكل الوظائف والمبدعين والمستثمرين المغامرين. الاقتصاد الجزئي عبارة عن الأفراد الذي يتمكنون من الاستمرار بعد أي أزمة من خلال حكمتهم والمنطقية التي يعتمدونا وملايين الشركات التي تفتح أبوابها كل يوم لتحقيق الأرباح والوصول إلى مستوى أكثر إنتاجية. إن الاقتصاد الكلي يجمع كافة أخطاء الاعتقاد بتقديم الدعم والقدرة على تحمل ذلك.
الفرق بين الصفقة والصفقة الخاسرة
النتيجة التي توصلت إليها هي أن من غير الممكن للولايات المتحدة معالجة الوضع المالي بشكل جاد هذه المرة على الرغم من خطورة الوضع، على الرغم من شدة تعقيد الوضع السياسي. من المؤكد أن يتم التوصل إلى صفقة، وقد تكون صفقة خاسرة على المدى البعيد، ولكنها صفقة يمكن أن تحرك الوضع؛ أما الصفقة الأفضل فهي تلك التي ستكلف ’فقط‘ 1% من إجمالي الناتج المحلي.
هذا هو السبب بالضبط في تحفظنا الشديد بشأن سوق الأسهم والمخاطرة فيما تبقى من 2012. عادة ما يكون الربع الرابع هو الأقوى، وتشير كافة المعلومات التقليدية إلى أن السوق أفضل في سنة تشهد انتخابات، ولكن الوضع لم يسبق أن وصل إلى حافة انحدار مالي في الجانب الآخر من الانتخابات. لقد حُسمت الصفقة بخسارة أوباما وعدم فوز ميت ترمني.
وكما جرت العادة فقد أسقطت السوق من حسابها كل الأمور الجيدة حول الربع الرابع قبل وصوله، متجاهلة فهم كيفية معاناة الاقتصاد الكلي من حالة التراخي. أيمكن أن يكون قد حان الأوان لدفع الفاتورة عن السنوات التي مضت دون القيام بأي شيء؟