تشبيه عصر البترول بالعصر الحجري (طرفة يستشهد بها السفسطائيون)

29/09/2012 9
د. أنور أبو العلا

 في الوقت الذي بدأت بعض الدول دولة بعد دولة تتحول من مصدرة الى مستوردة للبترول، كذلك بدأت بعض الدول الأخرى تشعر بأن حقولها الرئيسية يتناقص إنتاجها فانتقلت إلى تطوير حقولها التي كانت تدخرها للمستقبل. وفي الوقت الذي تأكدت الدول المستهلكة أن الدول المنتجة لا تستطيع (حتى إذا أرادت) أن تلبي كل احتياجاتها من البترول فبدأت تكشف الغطاء (رويدا رويدا) عن بترولها غير التقليدي رغم تكاليفه وأضراره بالبيئة.

رغم هذه الحقائق يصر البعض بأن يستشهد بالطرفة (وإن شئت فقل النكتة) على أن البترول مصيره كمصير الحجر سيستغنى الانسان عنه فيبقى الذهب الأسود دون جدوى حبيسا تحت الأرض.

هذا التسطيح في التفكير (الذي يجد في النكتة حلاً للأزمات) يذكرنا بتفكير النعامة التي تدس رأسها في التراب اعتقاداً منها أنها إذا لم تر الخطر فإن الخطر لن يراها.

في 25 يونية 2000 (قبل 12 سنة) نشرت صحيفة The Telegraph مقابلة نسبتها لمعالي الشيخ اليماني. قالت الصحيفة ان اليماني قال: إنه بعد خمسة سنوات سيحدث انهيار مريع Cataclysmic Crash في أسعار البترول، وأنه بعد ثلاثين سنة ستطرح كميات ضخمة للبيع لا يوجد لها مشترون، وأنه بعد عقود قليلة سترقد احتياطات هائلة تحت الأرض لا يريدها أحد. ثم ختم معاليه المقابلة بعبارته المشهورة: "لقد انتهى العصر الحجري ليس لانعدام الحجر، كذلك سينتهي عصر البترول ليس لانعدامه بل لاستغناء الإنسان عن البترول".

لقد مضت الخمس سنوات وبدلاً من أن تنهار أسعار البترول قفزت الى 148 دولارا للبرميل فاستنجدت الدول المشترية بالدول البائعة أن تزيد إنتاجها فتجاوبت معها بأريحية تحت شعار السعر العادل فاصبح السعر يحوم حول 100 دولار بفضل تضحية الدول المنتجة، وحسب توقعاتي فإن عوامل السوق (وليس المضاربون) ستقفز بالسعر الى الأعلى بعد انتهاء الانتخابات الامريكية.

الآن بعد اثنتي عشرة سنة من المقولة أصبح المختصون (وانا منهم) يعتبرها نكتة ولكن أخي ابن جمعة يبدو أنه لازال يعتقد بصحتها فخيّل له أن أسعار البترول انهارت فعلا بعد خمس سنوات من المقولة وأنه بعد ثماني عشرة سنة (المتبقية من الثلاثين سنة) لن نجد من يشتري منا البترول فيقول بالنص: "انه فعلا رائع لأنه ... ينظر الى المستقبل في ظل وجود البدائل" ولا أدري هل أخي ابن جمعة يقصد أن النكتة هي الرائعة أو أن تحقق استشراف معاليه هو الرائع.

نحن لا نلوم معاليه على توقعاته لأنه حين قال مقولته كانت أسعار البترول على مدى العشرين عاما (1980 - 2000) تحوم حول العشرين دولارا للبرميل الى أن انخفض سعر برنت الى 12.72 دولاراً عام 1998، فلا غرو إذن أن يقع معاليه (متأثراً بذكريات الثمانينات) في فخ انهيار الأسعار وإغراق السوق بالبترول.

لكن الآن تبين لنا ولمعاليه العكس فأخذت الأسعار ترتفع لأن العرض لم يستطع أن يجاري الطلب وزادت الضغوط على الدول المنتجة بأن تزيد إنتاجها وتشرع في توسيع طاقاتها فأصبح واجباً وطنياً (إكمالاً لماضيه الناصع) أن يعلن معاليه مجدداً هل لا زال يصدق طرفته القديمة؟.

الأسبوع القادم -إن شاء الله- سأجاوب على تساؤل أخي ابن جمعة: هل سلوك أوبك تنافسي؟.