أعود لواحدة من قضايا الشأن العام، الذي أعتقد أنها بحاجة لجهة متخصصة تعنى بها، وأتحدث عن نافذة مغلقة ومصلحة فائتة تتمثل في التعريف بمنجزات مشاريع الطرق البرية وما تقدمه الحكومة للوطن والمواطن من خدمات النقل الهامة. وهذه ربما واحدة مما ينقصنا في الدول النامية، حيث لا توجد جهات رسمية أو شعبية مستقلة تطالب بالخدمات، وتتابع آليات استكمالها وتتمم على مدى ملاءمتها مع المواعيد والمواصفات التي تلبي حاجة المجتمع.
فالواقع يشهد أن جهة واحدة.. هي التي تحدد احتياج المجتمع، وهي نفسها المعنية بدراسة واقتراح تنفيذ المشروع، وهي المعنية بمتابعة تنفيذه واستلامه ومتابعة حسن تنفيذه وصيانته وكل ما يتعلق به في الحاضر والمستقبل... ولا توجد جهة أو طرف مستقل يراجع ما يتعلق بالأداء، وكل ما يحصل مراجعات من باب فحص المصروفات.
ومن ذلك المشاريع التي يتم تنفيذها، لطرق برية جبارة وجسور عملاقة لربط المدن والمحافظات، ولا تجد من يخدمها إعلاميا بالقدر الذي يمكن المجتمع من حسن استخدامها، إلى درجة أنها تنتهي وتبقى لا يستفاد منها لمدد طويلة، ويبقى البعض يجهلها ويسلك الطرق القديمة البعيدة لعدة سنوات، إلى أن تأتي الصدف بمن يعرفه بها. مع أن المفترض أن أهم هدف لهذه المشاريع أنها توفر الجهد والوقت وتخفض التكاليف على المواطن والمقيم في تنقلاته البرية.
ذكر لي أحد الإخوة أن هناك طريقا لا يعرفه إلا القليل يربط مدينة الحوطة والحريق بطريق الحجاز السريع دون المرور بالرياض، وأنه يختصر المسافة بمقدار أربعمائة كلم، مقارنة بالطريق القديم الذي يمر عبر مدينة الرياض. وآخر يقول إن هناك طريقا جديدا يربط الخرج بالدمام دون المرور بالرياض، يخفض قرابة مائتي كلم. وذكر لي شخص أنه سافر بسيارته من وادي الدواسر إلى منطقة الباحة عبر الطريق الجديد في وقت يقارب أربع ساعات باتجاه رنية وبالجرشي، وأن المسافة تقارب 480 كلم فقط. وقبل سنتين افتتح طريق يربط الرياض بأم رقيبة مرورا بمدينة تمير والبوضة يخفض قرابة ربع المسافة. وأرى أن المشكلة أن مثل هذه الطرق يجهلها الكثير وتحتاج إلى تعريف. ليس تعريفا بالقدر الذي يقنع وزارة النقل أنها أعلنت عن هذه الطريق، ولكن بالقدر الذي يوصل المعلومة لعامة المجتمع السعودي (وهنا مربط الفرس). ولا ننسى أن بعض مسافات هذه المواقع لم تسجل بعد في نظام المحرك «غوغل» ليستفيد منها رواد هذه الطرق السريعة، ناهيك بأن شريحة كبيرة من رواد هذه الطرق من المجتمع السعودي ليسوا على دراية باستخدامات محركات الإنترنت.
والذي أقترحه أن تكون هناك لوحات إرشادية على الطرق السريعة، بحيث تكون كافية لهداية عامة الناس إلى أقصر الطرق للوصول إلى كل مدينة أو قرية، وأن توضع في المكان المناسب والوقت المناسب وبالكيفية المناسبة.. وأن يكون كل ذلك طبقا لمواصفات ومعايير دولية متفق عليها عالميا. وأن يكون هناك نظام آلي مركزي لاستعلام الطرق والمواصلات، يرتبط إلكترونيا بموقعي وزارة النقل والهيئة العامة للسياحة، بحيث يستطيع من يرغب في السفر من مكان لآخر بالمملكة أن يتصل عبر الموقع الإلكتروني أو بالهاتف الإلكتروني ليحصل على إجابة عن أي استفسار بشأن أقرب الخطوط والنقاط التي يتوقف عندها، ووسائل المواصلات بين مدن ومحافظات المملكة، وعن المحطات والمستشفيات والصيدليات والفنادق والاستراحات وبقية الخدمات. وأن لا تبقى هذه الخدمات الجبارة خافية على الكثير ومحتكرة «فقط» على فئة معينة يعلمون عنها بطرقهم الخاصة أو من خلال علاقاتهم أو خبراتهم وتجاربهم الشخصية. وعلينا أن نجعل من هذه مصلحة عامة لا بد أن تحقق.
وهذه «المصلحة العامة» بالمناسبة واحدة من الملاحظات التي سبق لي التحدث عنها أكثر من مرة.. فيما يسمى بالشأن العام، حيث لا توجد جهة معنية تطالب بها، ولذلك فإنها تظل حبيسة رغبة وحماس الجهات التنفيذية.